دعا رئيس الوزراء الإثيوبي هيل مريام ديسالن إلى بذل جهود إعلامية ودبلوماسية وشعبية وحكومية لتصحيح ما أسماه "سوء الفهم المصري لمشروع سد النهضة"، وتحويل التوجهات المصرية المترسخة منذ قرون بشأن التعامل مع مياه نهر النيل، وتعهد بالمضي قدمًا في "نضال القادة الأفارقة" للحفاظ على كرامتهم وصورتهم أمام شعوبهم، بما يمكنهم من أداء المهام الموكلة إليهم، وبيّن أن "قتال القادة الأفارقة سيتواصل ضد المحكمة الجنائية الدولية في قمة الاتحاد الأفريقي المقبلة"، كما حث الرئيس السوداني عمر البشير على مواصلة الحوار الوطني، باعتباره الوسيلة الوحيدة للوصول إلى سلام مستدام في السودان.
وذكر ديسالن في حديث لإعلاميين سودانيين، في العاصمة أديس أبابا، أن الأفارقة يتعهدون بالمضي قدمًا في تصعيد "نضالهم" من أجل الحفاظ على كرامة وصورة قادتهم أمام شعوبهم، وأوضح بخصوص ما تعرض له الرئيس السوداني عمر البشير أن "ما حدث في جنوب أفريقيا ونحن شهود عليه هو أن منظمات مجتمع مدني حاولت تأليب القضاء ضد الرئيس السوداني الحالي البشير"، مضيفا أن "ما قامت به هذه المنظمات ليس صحيحًا، لأن هذا اجتماع للاتحاد الأفريقي، والرئيس البشير باعتباره قائدا لدولة عضو، يملك حقوق المشاركة في نشاطات الاتحاد الأفريقي كافة".
وحذر من مغبة تكرار ما حدث للرئيس البشير، أو غيره من القادة الأفارقة في المستقبل، مشيرًا إلى أن المسؤولية عما حدث في قمة جوهانسبرغ تقع على بعض منظمات المجتمع المدني، التي أكد أنها "تستطيع فعل أي شيء في مجتمع ديمقراطي"، موضحًا أن حكومة جنوب أفريقيا لم تخضع لضغوط هذا المنظمات، ما أدى لعودة الرئيس البشير إلى بلاده بعد مشاركته بالاجتماعات.
وطالب ببحث قضية المحكمة الجنائية الدولية مجددا، قائلًا "في المستقبل يجب أن نبحث هذه القضية، ليس بالنسبة للرئيس البشير وحده، بل بالنسبة لقادة كينيا، فنائب الرئيس الكيني ما زال مطلوبًا، ونحن نريد إيقاف هذا الأمر، وسنتخذ موقفا في قمة الاتحاد الأفريقي المقبلة، بما يوقف ملاحقات الجنائية الدولية للقادة الأفارقة، وقارتنا ستناضل حتى تتوقف هذه المحكمة غير الضرورية عن ملاحقة قادتها".
ووصف الرئيس ديسالن علاقات بلاده بالسودان بأنها "نموذجية"، وأضاف موضحا "يمكنني القول بأن علاقتنا ممتازة وسنحافظ عليها كذلك، بل وسنعمل على تعميقها وتمتينها"، وبشأن النزاعات على حدود البلدين، قلل رئيس الوزراء مما سماه "بعض الصراعات والتناقضات والفلتات الحدودية"، قائلاً إن "الصراعات لا تحدث بين الأفراد على طرفي حدود البلدان فقط، بل قد تحدث حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، ولا يمكن تجنب حدوثها".
ووصف الأوضاع على حدود الدولتين بأنها طبيعية، وبأنها لن تتأثر بما أطلق عليه التناقضات الصغيرة التي تحدثها مجموعات منفلتة هنا وهناك، واعدا بمواجهتها بصرامة حال حدوث أية مشكلات، وذكر بهذا الخصوص أن "هناك أشرار في كل بلد وكل مكان، ويمكن أن يتسببوا في نزاعات بين البلدان، لكن بالنسبة لنا، لا نعتقد أنها فلتات جوهرية أو مهمة".
وفي إشارة لجهود محاربة نشاط بعض عصابات التهريب وتجارة البشر المعروفة سودانيًا بعصابات "الشفتة" التي تنشط على الحدود بين الدولتين، أوضح ديسالن أن حكومتي البلدين تملكان تجربة غنية في التعامل معها، ومع ما سماه بالأحداث الفردية، بيد أنه عاد ليقول إن "مثل هذه النزاعات ليست جديدة، وسنقاومها، لكنها قد تظل باقية، ونحن لا نعتبرها قضية كبيرة".
وأضاف أن هناك لجنة عليا مشتركة للحدود برئاسته والرئيس البشير، ومفوضية حدود، ولجنة فنية تعمل جميعها على تنفيذ وتطبيق الدراسات التي تم التوصل إليها بهذا الشأن. وكشف ديسالن عن اتفاق سوداني - إثيوبي على قضيتين هما تنظيم تجارة الحدود، وتنسيق إدارة الأقاليم المشتركة بين البلدين وعقد اجتماعات منتظمة بين قادتها لتطوير التبادل التجاري الذي تستخدم فيه عملتي البلدين «الجنيه السوداني، والبر الإثيوبي"، دون حاجة لعملات أجنبية، وإقامة علاقات جيدة بين جيشي البلدين، تقوم على مراقبة الحدود لضمان أمنها ضد من سماهم أعداء السلام بين البلدين.
ورحب ديسالن بمقترحات سودانية بتكوين تجمع مشترك بين إعلامي البلدين، موضحًا "اعتبر هذا مؤشرًا قويًا على متانة العلاقات بين شعبيي البلدين، أنا شخصيًا سعيد بهذا الاتفاق، ومستعد لدراسة اللغة العربية حتى أستطيع التواصل معكم دون حاجة إلى مترجم".
وفي سياق آخر، دعا ديسالن إلى بذل جهود إعلامية ودبلوماسية وشعبية وحكومية لتصحيح ما أسماه "سوء الفهم المصري لمشروع سد النهضة"، وتحويل التوجهات المصرية المترسخة منذ قرون بشأن التعامل مع مياه نهر النيل، أوضح لأن "هناك فهما مصريا راسخا بشأن استغلال مياه نهر النيل الأزرق، وهو أمر يحتاج إلى العمل عليه من قبل وسائل الإعلام والقادة والدبلوماسيين والجمهور والحكومات لتغييره، باعتباره توجهًا خاطئًا رسخ في عقل الشعب المصري لقرون طويلة".
وأوضح أن اتفاق إعلان مبادئ سد النهضة الموقعة بينه والرئيسين عبد الفتاح السيسي وعمر البشير "محورية"، وذكر في هذا الشأن "أعرف أن القادة الذين وقعوا الاتفاق متفقون على العمل كفريق"، مشيرًا إلى أنهم اتفقوا في شرم الشيخ على هامش قمة التكتلات الاقتصادية في مجموعة كوميسا في حزيران/يونيو الماضي على تطوير التفاوض لمستوى الرؤساء، وتكوين لجنة رئاسية عليا لبحث الموضوعات الخلافية، ومواجهة ما قد يثار بين الخبراء والقيادات الوسيطة، وتابع موضحا "لاحظنا أن خبراءنا وبعض القيادات الوسيطة غير مقتنعون بروح اتفاق إعلان المبادئ، لذا نقلنا الحديث لأعلى مستوى للحفاظ على روح الاتفاق، هذه هي طريقة إدارة الحوار والنقاش بيننا نحن القادة الثلاثة".
وجدد التأكيد على أن اتفاق إعلان مبادئ سد النهضة، التي وقعها رؤساء البلدان الثلاثة في الخرطوم آذار/مارس الماضي، تقوم على مبدأ رئيس هو مبدأ "الجميع كاسب" في استغلال موارد نهر النيل الأزرق، وأكد بهذا الخصوص "لم يخلق أحدنا هذه المياه، ولا يمكن لأحدنا القول هذه مياهنا وهي تخصنا وحدنا، هذا المياه مورد طبيعي مشترك يجب أن يستفاد منها بالتساوي بيننا وبطريقة عقلانية"، وتابع موضحا أنه "لا يجب على دولة المنبع (إثيوبيا) إلحاق أية أضرار بدول المصب (السودان ومصر)، وفي ذات الوقت يجب على دول المصب أن تفهم أن إثيوبيا تملك الحق في التنمية والتطور، مستفيدة من هذا المورد باعتباره موردًا مشتركًا".
وبيّن ديسالن أن مبادئ تقاسم مياه الأنهار العابرة للدول متفق عليها دوليًا، وبالتالي يفترض في بلدان حوض النيل الشرقي الموافقة عليها أيضًا، وأوضح أنه "لتطبيق هذا الاتفاق نحن بحاجة إلى الحوار والنقاش لتقريب المواقف، والحوار هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة أسئلة كيفية الاستفادة من هذا المورد الطبيعي
أرسل تعليقك