بغداد ـ نجلاء الطائي
دعا رئيس المؤتمر الوطني أحمد الجلبي، الاثنين، إلى "اتحاد كونفدرالي" بين العراق وسورية، لتوافر "مقومات سياسية تاريخية اقتصادية مهمة" بين البلدين، وفي حين بيّن أن أول مهام هذا الاتحاد تتمثل في "رفض اتفاقية سايكس بيكو"، أكد أنه سيحل العديد من مشاكل البلدين ويجنب المنطقة الحرب و"يخلق توازناً اجتماعياً وسياسياً" داخل الدولة المقترح.
وقال الجلبي في حديث صحافي إن من الضروري "إقامة اتحاد كونفدرالي بين العراق وسورية لوجود مقومات مهمة بين البلدين على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والتاريخية"، مشيراً إلى أن من "أول مهام هذا الاتحاد رفض عملي وحقيقي لاتفاقية سايكس بيكو التي قسمت المنطقة".
يذكر أن "الكونفدرالية" هي اتحاد دائم للدول ذات السيادة للعمل المشترك فيما يتعلق بالدول الأخرى، ويبدأ عادة بمعاهدة لكنه غالباً ما يفضي في وقت لاحق لاعتماد دستور مشترك، وعادة ما تنشأ الكونفدراليات للتعامل مع القضايا الحساسة مثل الدفاع والشؤون الخارجية أو العملة المشتركة، حيث يتعين على الحكومة المركزية لتوفير الدعم لجميع الأعضاء، ومن أبرز الكونفدراليات الحديثة الاتحاد الأوروبي.
وأضاف الجلبي، أن "الدولة التي ستنشأ من هذا الاتحاد، ستكون الوحيدة التي لها سواحل على الخليج العربي والبحر المتوسط، وتضم تجمعاً سكانياً يقارب الـ55 مليون نسمة"، مبيناً أن هذا "المشروع سيسهم في حل مشاكل المياه، لأن معظم مجرى مياه نهري دجلة والفرات داخل سورية، مثلما سيؤمن منفذاً إضافياً لحقول النفط إلى البحر المتوسط".
وأوضح رئيس المؤتمر الوطني، أن هذا "الاتحاد سيضم أهم الحواضر والرموز التاريخية التي حصلت بعد الإسلام مثل عواصم الدولتين الأموية والعباسية اللتين كانتا موحدتين تاريخياً"، عادّاً أن "الاتحاد يمكن أن يعيد للعرب دورهم الرئيس ويحقق توازناً مهماً للمكونات الاجتماعية داخل الدولة، سيكون له تأثيره الايجابي حتماً على التوازن السياسي".
وكشف الجلبي، قيامه بـ"الاتصال مع أطراف سياسية في البلدين، لطرحه الفكرة على بساط البحث"، معرباً عن اعتقاده أن "الأزمة السورية المتفاقمة حالياً التي قد تجلب الحروب للمنطقة، تتطلب ضرورة التفكير خارج الحدود المرسومة في الوقت الحاضر، والسعي لمشروع غير مألوف لمعالجة الخطر الدائم على هذه البلاد".
ولاتعد دعوة الجلبي هي الأولى من نوعها في العراق وسورية، إذ عملت قيادة حزب البعث في البلدين خلال سبعينات القرن الماضي على تشكيل مثل هذا الاتحاد والاعلان عن قيادة موحدة لإدارة البلدين، إلا أن وصول رئيس النظام السابق صدام حسين إلى السلطة في عام 1979 أنهى الاتفاقات بين الطرفين واعتبرها لاغية، واتهم نظام الأسد الأب بالتآمر على نظامه، مما أدى إلى قطع العلاقات بين البلدين، باستثناء الأعوام الأخيرة من حكم صدام حسين والتي شهدت وصول بشار الأسد إلى السلطة، خلفا لأبيه الذي توفي في عام 2000، الأمر فتح أبوابا مع النظام السابق قبل إسقاطه في عام 2003 على يد القوات الأميركية.
يذكر أن الولايات المتحدة الأميركية تحضر لضربة عسكرية محتملة ضد سورية على خلفية هجمة كيمائية تتهم النظام السوري بتنفيذها، لكن مجلس الأمن ينتظر تقريراً من فريق التفتيش الدولي الذي غادر دمشق بعد إجراء تحقيق بهذا الشأن.
وتشهد سورية، منذ الـ15 من آذار/مارس 2011 ، حركة احتجاج شعبية واسعة بدأت برفع مطالب الإصلاح والديمقراطية وانتهت بالمطالبة بإسقاط النظام بعدما ووجهت بعنف دموي لا سابق له من قبل قوات الأمن السورية وما يعرف بـ"الشبيحة"، مما أسفر حتى اليوم عن سقوط مئات الآلاف من القتلى، وعشرات آلاف المعتقلين، فضلاً عن أكثر من مليوني لاجئ إلى دول الجوار وعدة ملايين آخرين من النازحين.
يذكر أن اتفاقية سايكس بيكو سازانوف عام 1916، كانت تفاهماً سرياً بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الامبراطورية العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى.
وتم الوصول إلى هذه الاتفاقية بين تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1915 وأيار/مايو من عام 1916 بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك، وتم الكشف عن الاتفاق بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917، مما أثار الشعوب التي تمسها الاتفاقية وأحرج فرنسا وبريطانيا وكانت ردة الفعل الشعبية-الرسمية العربية المباشرة قد ظهرت في مراسلات حسين مكماهون.
وتم تقسيم الهلال الخصيب بموجب الاتفاق، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق، إما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالاتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سورية، كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها.
والدكتور أحمد عبد الهادي الجلبي، هو من السياسيين العراقيين البارزين المعروفين بدوره البارز في معارضة نظام الرئيس السابق صدام حسين، وحشد التأييد الدولي لاسيما الأميركي ضده، وكان والده وزيراً للتجارة في العهد الملكي، وولد الجلبي عام 1945 لأسرة عربية شيعية ثرية تعمل في القطاع المصرفي، وغادر العراق عام 1958 وعاش معظم حياته بعد ذلك في الشرق الأوسط وبريطانيا، باستثناء مدة منتصف التسعينيات عندما سعى لتنظيم انتفاضة من شمال العراق.
ودرس الجلبي الرياضيات في جامعة شيكاغو ثم في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وهو يتمتع بشخصية قوية وصاحب خبرة سياسة "لا يستهان" بها.
والجلبي معروف بأنه صاحب فكرة البيت الشيعي الذي أفضى لاحقاً إلى التحالف الوطني.
أرسل تعليقك