بيروت – جورج شاهين
استكمل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارته الراعوية لمنطقة كسروان، يرافقه المطرانان بولس الصياح وبولس روحانا، المونسينيور نبيه الترس والمونسينيور جوزف بواري، فزار بلدة عشقوت، فزار أولاً كنيسة سيدة النجاة ثم انتقل الراعي إلى كنيسة مار غريغوريوس المنور في حي جوار البواشق. وترأس البطريرك القداس في كنيسة مار يوحنا المعمدان- عشقوت، وبعد تلاوة فصل من الإنجيل، ألقى الراعي عظة قال فيها: نعيش في لبنان وبلدان الشرق الأوسط حالة تفكك وضياع، مع نزاعات وحروب وممارسات عنف، فلا بد من البحث عن الرب يسوع والاستنجاد بكلام إنجيله الذي يعلمنا الحقيقة ويُضيء على الأحداث الجارية، فنُحسن قراءتها. عندما كانت رياح البحر تعصف بسفينة التلاميذ، كانوا يستنجدون بالرب، فيأمر الرياح لتهدأ. فكان يسود الهدوء، ويعجب التلاميذ.
وأضاف: "ما زال اللبنانيون يحملون في العمق الجرح الذي أصابهم بالانفجار في الضاحية الجنوبية من بيروت. إننا نجدد معكم التعازي لأهالي الضحايا البريئة، والدعاء بشفاء الجرحى والمصابين، والتعويض لجميع المتضررين. ونجدد النداء إلى تكوين وحدتنا الوطنية حول شخص رئيس البلاد، ضامن هذه الوحدة. ونطالب، بحق الدماء البريئة التي أريقت، بتأليف حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن وبوضع قانون جديد للانتخابات وإجراء الانتخابات النيابية، وبدعم الجيش والأجهزة الأمنية، مع رفض الأمن الذاتي، والكف عن التراشق بالاتهامات. إننا نحتاج حقا إلى كلام يعزي ويشجع ويجمع.
ولذلك، فالكنيسة تجدد نداء الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني، في إرشاده الرسولي "رجاء جديد للبنان"، للمسيحيين بقوله: "إن التزام المسيحيين في ورشة إعادة بناء لبنان مُهمة للغاية، نظراً لجذور لبنان الدينية، والمسيحية بخاصة، ولهوية لبنان الوطنية والسياسية"(فقرة1). ويضيف: "المسيح هو رجاء المسيحيين، بشخصه كراع صالح، ونور حقيقي هادئ، وقدرة الله الفاعلة في التاريخ" (فقرة27).
اننا بحاجة إلى هذا الايمان بالمسيح، لكي يقوم المسيحيون بدورهم البناء في عملية نهوض لبنان، بالتعاون مع جميع شركائهم في الوطن. بالعودة إلى الإرشاد الرسولي المذكور نؤكد ونشدد بأن مكونات المجتمع اللبناني المتنوعة مدعوة كلها للعمل معا على إعادة إحياء لبنان، كمهمة مشتركة(الفقرة1). في هذا الإطار، ينتظر من المسيحيين أخذ المبادرة. فإن النزاع السياسي- المذهبي في لبنان، كنتيجة للنزاع الاقليمي مع روابطه الدولية، يستدعي مبادرة منا نحن المسيحيين. إنها المناسبة الفريدة لكي نؤدي دورنا البناء، لأننا لسنا في نزاع مع أحد في الداخل وفي الخارج. وإذ يتكلمون اليوم عن "ربيع عربي"، فإني مؤمن بأن هذا "الربيع" يمر عبر "الربيع المسيحي" من جهة، إذا عاش المسيحيون الشركة والشهادة تجاه جميع المسلمين كما دعانا البابا بندكتوس السادس عشر في الإرشاد الذي سلمنا أياه في أيلول/سبتمبر الماضي. كما يمر "الربيع العربي" عبر "الربيع اللبناني" الذي يتحقق في تجديد لبنان في كيانه وميثاقه وصيغته ودوره النهضوي في العالم العربي".
وتابع: "إننا نصلي لكي يعي اللبنانيون عامة والمسيحيون بخاصة أهمية دروهم أولا في لبنان، ثم في العالم العربي، عبر التزامهم المحايد. أعني التزامهم قضايا العدالة والسلام وحقوق الإنسان وحوار الأديان والحضارات، بعيداً عن المحاور والأحلاف التصادمية إقليميا ودولياً. فلا ننسى أن لبنان صاحب رسالة في محيطه. فسماه بعضهم "لبنان النموذج الحضاري"، وبعضهم "لبنان القيمة المضافة بالتنوع والتعددية"، وبعضهم "عامل استقرار في محيطه"، وبعضهم "ناقل أفكار الحرية والحداثة للعرب والمسلمين". ويصفه البعض الآخر بأنه "رئة الحرية والحداثة"، و"مصدر سلام للمنطقة". ويرى فيه آخرون أنه "صاحب دور كبير في تظهير الصورة الحقيقية للعالم العربي"، بل قالوا فيه أنه "المنارة للعروبة المتنورة".
أمام هذه النظرة إلى لبنان في حقيقة هويته ودوره ورسالته، لا يحق للمسؤولين السياسيين أن يتركوا لبنان في "غرفة نظارة" "ورهينة" حسابات سياسية- مذهبية، ريثما ينجلي مصير الأحداث في سورية. هذا أمر معيب ومشين بحق لبنان واللبنانيين، وبحق كرامتهم، وقيمة وجودهم التاريخي الفاعل في الأسرتين العربية والدولية.
أرسل تعليقك