بيروت ـ جورج شاهين
ناقش "اللقاء الأرثوذكسي" اللبناني في لقاء ومؤتمر صحافي عقده، ظهر الجمعة، في مقره في الأشرفية، "استنكارًا لما حدث في معلولا وتضامنًا معها"، الأحداث الأخيرة التي يتعرض لها المسيحيون في المشرق العربي، وتداعياتها على سير الأمور في المنطقة برمّتها، في حضور الأمين العام الثاني المهندس موسى فريجي وأعضاء الهيئة الإدارية: نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، النائبين السابقين سليم حبيب ومروان أبو فاضل، محافظ بيروت السابق نقولا سابا، رجا بدران، حبيب فرح، أمل ديبو، وسمير نعيمه، كما حضر وزير الاتصالات في حكومة تصريف الاعمال نقولا الصحناوي، بيار عطالله ممثلاً حزب الكتائب اللبنانية، عماد واكيم ممثلاً حزب "القوات اللبنانية".
بداية، تحدث أمين سر اللقاء سمير نعيمه فنقل صرخة الأمين العام المحامي ميشال تويني الذي "أبى إلا أن ينعقد هذا اللقاء على الرغم من غيابه بداعي السفر، وناشد العالم وضع حدّ لمثل هذه الأعمال البربرية".
بدوره، قال فريجي: "معلولا بعد وادي النصارى في سورية موجوعة اليوم، تقدم شهادتها بالدم المراق، تصطبغ به صخورها الشماء، تحاكي به شهادة العظيمة في الشهيدات تقلا، والقديسين المشارقة الذين احتضنتهم أرض الشام فغدت أرض بركات. في نيسان/ أبريل الماضي، وفيما كنا نتهيأ للاحتفال بالفصح، تم خطف المطرانين بولس يازجي ويوحنا إبراهيم، اختُطفا إلى مجهول غامض لا يزال يتربص بمصيرهما، فيما المسيحيون ينظرون بريبة إلى وضعهما المقلق، وساد العالم صمت رهيب، في حين أن ثمة مخطوفين آخرين أظهرهم خاطفوهم، بعد أن ضج العالم بهذه الجريمة النكراء، فكيف بخطف مطرانين جليلين لم يظهرا حتى الساعة، وهما يمثلان الوجدان المسيحي في حلب، هذا الوجدان المشدود إلى آفاق المواطنة وتجلياتها من باب ثقافة قبول الآخر واحتضانه".
وأضاف: "في شهر آب الماضي، وأثناء احتفال المسيحيين بعيد السيدة العذراء، تسلل مسلحون في وادي النصارى، من قلعة الحصن إلى مقهى على مقربة من دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي، في قرية المشتاية، وقتلوا ظلمًا أحد عشر شهيدًا من أبناء الوادي، خمسة منهم من بلدة مرمريتا، فظننا أن الدنيا ستقوم ولن تقعد أبدًا شجبًا ورفضًا لهذه المجزرة الرهيبة، ولكون المسيحيين وكما أعلن أحد أكابر المسلمين العرب هم ملح الأرض العربية، فإذا بالصمت يهيمن من جديد، ويهيم به معظم من يُفترَض فيهم أن يقفوا بضمير نقيّ وحيّ، ويصرخوا في وجه الظلم والموت. واليوم يتم الاعتداء على إحدى أعرق البلدات المسيحية والتاريخية في سورية التي لها فرادتها وقدسيتها، ويكفي أنها تتكلم اللغة الآرامية، اللغة التي تكلم بها المسيح، وفيها كسر الخبز وسكب الخمر خلال العشاء الأخير قائلاً "خذوا كلوا هذا هو جسدي... خذوا اشربوا هذا هو دمي"".
وقال: "نحن مسيحيون عرب ومشارقة ولسنا بجالية صليبية طارئة. نحن متأصلون في تراب المشرق العربي والأرض العربية، نحن أساسها وجوهر وجودها منذ ألفي سنة، من ترابها جبلنا وإليها نعود. ساهمنا في تأسيس الحضارة العربية مع المسلمين فاغتنت الدنيا بإشراقاتها. لكن وبعد هذا الخطاب المترافق مع جرائمهم، يحق لنا بأن نتساءل عن التماهي القائم بين هؤلاء ومن يدعمهم وبين الإدارة الأميركية التي نعتها أمراؤهم بالصليبية الجديدة وهي تخطط اليوم لضرب سورية. أليس هذا التماهي مفارقة في التعاطي والقراءة؟ ألا يشي هذا التماهي بأن هؤلاء قد غدَوا جزءا من حركة يهو-صليبية جديدة تجتاحنا بالعنف والقتل والضرب تحت ذرائع شتى، وتنفث سمومها في حروب مذهبية عبثية متنقلة تريق الدماء على مذابح عدمية؟".
وأردف: "الاعتداءات على المسيحيين جاءت نتيجة مخطط واضح تم تنفيذه في فلسطين المحتلة، وظهر التنفيذ مؤشرًا واضحًا لإفراغ المشرق العربي من المسيحيين الأصيلين، فسار في اتجاه لبنان، ثم أفرغ العراق منهم بعد قتل مطارنة وكهنة والاعتداء على الكنائس وتفجيرها، وها هو يحط رحاله بالإرهاب والخطف والقصف والتشريد في سورية، في مناطق ازدانت بحضورهم كسوق الحميدية في حمص أو وادي النصارى، ومعلولا، وباب توما في دمشق، ويضرب بوحشيته أقباط مصر بإحراق الكنائس والاعتداء على الآمنين منهم، ونخشى أن يعود إلى لبنان من جديد، فهل يجوز أن نبقى محتجبين بالصمت ولائذين به، منتظرين تداعيات الأحداث كأننا نرتقب هجرتنا، ثم انقراضنا؟".
وقال: "أمام هذا المشهد النافر والحادّ، يدعو اللقاء الأرثوذكسي البطاركة المسيحيين إلى تلمس الخطر الوجوديّ المتربص بنا، والقيام بخطوات جريئة تؤكّد وحدة الموقف على المستوى الروحي، فيتمّ تعميمه على الأبرشيات والكنائس. إن وحدة الموقف، على المستوى الروحي، حافز كبير وضروريّ للسياسيين، وخصوصًا في لبنان، ومنه إلى دنيا العرب، حتى يتلاقوا ويتناقشوا ويضعوا الخطط الإستراتيجية التي تُحفّز على البقاء. آن الوقت بعد كلّ ما حدث ويحدث ليفهم القادة الروحيون والسياسيون أن المسيحيين قد مسّهم الخطر الوجوديّ".
وأضاف: "إن اللقاء الأرثوذكسي يناشد القادة الروحيين والأقطاب السياسيين التحرك السريع، ووضع حدّ لتلك الاعتداءات الآثمة في حق شعبنا وكنائسنا ومطارنتنا، ويدعوهم إلى التحرك السريع وفق خطة منهجية وإستراتيجية، تستهلك التنوّع القائم في حضورهم، لاستثماره في إطار الضغط المستمرّ على الرعاة الإقليميين والدوليين لهذا الفريق أو ذاك، فالأنظار شاخصة إلى مسيحيي لبنان بصورة مباشرة، ليواجهوا هواجسهم وهواجس المسيحيين العرب بمجموعة إجراءات حامية، بعيدًا عن كل اصطفاف مَقِيت".
وتابع: "كما يدعو اللقاء، المسلمين المعتدلين والميثاقيين الموجوعين بدورهم من جرّاء اعتداء التكفيريين على كل ما يعنينا ويعنيهم، من تهديم كنائس ومساجد، من خطف مطرانين وقتل كهنة ومشايخ، إلى مواجهة تلك الموجة السرطانية التي تفتك ببيئتهم مثلما تفتك بنا. لقد رُبِّينا على مفهوم رسا في بلادنا، وهو أن في كل مسيحي إسلامًا يتحرك، وفي كل مسلم مسيحية راجية تلطف، فلماذا لا نعيد الاعتبار لما هو مشترك بيننا، ونقف سدًا منيعًا في وجه هؤلاء ومن يستثمرهم ليستعملهم وقودًا تحرق المشرق وترمده؟".
وختم: "إننا ندعوكم إلى التلاقي، والتلاقي الأول أن نبدأ بحركة وطنية وعربية تهدف إلى وقف الاعتداءات، وكشف مصير المطرانين وسائر المخطوفين، والضغط على القوى النافذة لوقف العمل العسكري، واللجوء إلى الحل السياسي ضنًّا بأرواح العباد، وصونًا لوحدة البلاد. فنُطلّ معًا على فجر جديد لا بُد أنه مشرق بعقولنا وسواعدنا وإرادتنا الواحدة".
أرسل تعليقك