بيروت ـ جورج شاهين
اختصر قائد الجيش اللبناني، العماد جان قهوجي، المشهدين السياسي والأمني بالقول "الوضع خطير جدًا ويستلزم جهودًا استثنائية في الداخل وعلى الحدود الجنوبية"، وأضاف خلال احتفال تكريمي للضباط المتقاعدين بالإعلان عن خلية إرهابية تلاحقها السلطات الأمنية بالتعاون مع السياسية منذ أشهر تُفخخ سيارات وترسلها إلى مناطق سكنية وتحضر لدس الفتنة المذهبية عبر استهداف مناطق متنوعة في الاتجاهات الطائفية والسياسية.
وقالت مصادر لـ"العرب اليوم" إن التحذير العسكري تزامن مع آخر سياسي عبر عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري بوصفه الوضع بغير المطمئن وإشارته أن لبنان لا يحتمل العرقنة، وهذا أمر خطير للغاية يوجب المزيد من الانتباه وعدم الاستمرار في تعطيل مؤسسات الدولة.
وقرأت مصادر سياسية مطلعة في كلام قائد الجيش في إطلالته الأولى منذ التمديد له ولرئيس الأركان، اللواء وليد سلمان، عشية عيد الجيش في 31 تموز/يوليو الماضي، أبعادًا أمنية وسياسية بالغة الأهمية من حيث تناوله الوضع في صورة شاملة وتحديد الأهداف والمضمون، خصوصًا أنه تزامن مع اجتماع أمني في السراي شارك فيه وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي بالوكالة، العميد إبراهيم بصبوص، ورئيس شعبة المعلومات العقيد عماد عثمان، عرض لمجمل الأوضاع الأمنية في البلاد والإجراءات المتخذة.
ولفتت المصادر أن قهوجي تعمد إطلاق مواقفه على الملأ بوضوح تام على رغم ما تضمن من مواقف خطيرة تبعث على القلق، لسببين، الأول إعلان انجازات المؤسسة العسكرية بعد سلسلة الحملات التي استهدفتها في الآونة الأخيرة. والثاني توجيه الرسائل إلى بعض الجهات السياسية التي تعتبر نفسها معنية في جانب أو في آخر بما يحصل، للتأكيد أن الحرب على الإرهاب لا تستهدفها ولا علاقة لها بأي خلاف سياسي أو حرب إعلامية أو إشاعات تهدف لزعزعة الاستقرار على حد تعبير قائد الجيش.
أما اجتماع السراي الذي تكتم المجتمعون على مضمونه حرصًا على سرية المداولات، فاكتفت أوساط متابعة بالقول لـ"العرب اليوم" أنه أجرى مقاربة أمنية لمجمل الوضع وركز على ضرورة استكمال التنسيق بين الأجهزة الأمنية وتفعيله إلى أقصى حدود لمواجهة الوضع البالغ الخطورة. وتحدثت أن المجتمعين اتفقوا على ضرورة عقد اجتماع أمني للأجهزة كافة في وزارة الداخلية، الخميس، لترجمة مفاعيل ما أتفق عليه من إجراءات في اجتماع الأربعاء. ولاحقًا أعلن مكتب وزير الداخلية عن ترؤسه لاجتماع أمني للأجهزة التابعة لوزارته قبل ظهر الخميس.
وانشغل الوسط الأمني بالمعلومات التي تحدثت عن طلب الجيش اللبناني من حركة "حماس" تسليم مطلقي الصواريخ على الضاحية الجنوبية، على رغم نفي مسؤول الحركة في لبنان، علي بركة، وإعلانه أن أحدًا من قيادة الجيش لم يتصل به لتسليم أحد، مؤكدًا أنه ليس لدى الحركة أي مطلوب بعدما سلمت مخابرات الجيش شقيق المتهم أحمد طه، ونسيبًا آخر له بصفة شهود لمعرفة بعض المعطيات عن تحركاته.
ووسط هذه الأجواء، بقي ملف المخطوفين اللبنانيين في إعزاز وخطف الطيارين التركيين موضع متابعة، لاسيما بعد جولة سفير تركيا إيان أوزيليدز على، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية والبلديات الثلاثاء. وقالت مصادر متابعة أن سفير تركيا تسلم طلبًا لبنانيًا بضرورة أن توفر بلاده ضمانات لإطلاق سراح مخطوفي إعزاز طالما أنها تعرف الخاطفين ومكان وجود المخطوفين، وأن لبنان وعد ببذل أقصى الممكن للإفراج عن الطيارين التركيين، مؤكدةً أن المسؤولين اللبنانيين ينتظرون الرد التركي ليبنى على الشيء مقتضاه.
ونفى وزير الخارجية والمغتربين، عدنان منصور، ما تداولته الصحف، الأربعاء، عن المحادثة الهاتفية الأخيرة بينه وبين نظيره التركي أحمد داود أوغلو، الذي أبدى خشيته من أن يعمد ذوو الطيارين المخطوفين إلى خطف لبنانيين في تركيا ردًا على خطف ابنيهما في بيروت.
وأكد الوزير أن هذا الكلام محرّف، موضحًا أن أوغلو لم يأت على ذكر مثل هذا الكلام على رغم أن الاتصال الهاتفي تناول تداعيات الخطف.
وشدد منصور أن لبنان لن يقصر في بذل الجهود للإفراج عن الطيارين التركيين، وطالب تركيا أيضًا بالمساعدة في إطلاق المخطوفين اللبنانيين في إعزاز.
وأكد عضو "كتلة الوفاء للمقاومة" التابعة لـ "حزب الله"، النائب كامل الرفاعي، في حديثٍ صحافي "أن وزير الخارجية التركي في موقف لا يحسد عليه، حيث يصاحبه الفشل من مكان إلى آخر سواء في لبنان أو في سورية أو في مصر"، مشيراً "أن أوغلو يريد أن يعبّر عن هذا الفشل في الوضع اللبناني".
ورأى "أن على أوغلو وحكومته الإسراع منذ مدّة طويلة، في المساعدة على إطلاق سراح المخطوفين اللبنانيين في إعزاز، خصوصًا أنه على معرفة ودراية وقدرة في إطلاق سراحهم، إلا أنهم تباطؤوا في هذا الأمر إلى أن وصلنا إلى هنا"، أملاً "أن يترك أوغلو الحكومة اللبنانية تقوم بواجباتها نحو المخطوفين التركيين وكيفية تحريرهما، وبدوره، يتجه إلى المساعدة في تحرير المخطوفين اللبنانيين والذي نعتقد أن باستطاعته مع جهاز مخابراته الإفراج عنهم".
وعن استدعاء النيابة العامة لـ 13 شخصُا من أهالي المخطوفين، اعتبر الرفاعي "أن النيابة العامة تسرّعت بإطلاق حكم مذكرات التوقيف، حيث كان عليها استدعاء هؤلاء الأشخاص وإخضاعهم للاستجواب بدايةً"، لافتاً "أن المسارعة في عملية التوقيف لا تساعد على الحلحلة، بالرغم من أن هناك اتصالات جانبية مع بعض الفرقاء السياسيين اللبنانيين، باستثناء "حزب الله"، لتحرير المخطوفين التركيين، لكن كلما سمعنا صوتا تركيا شاذا فإن ذلك يؤخر في عملية الإفراج"، موضحاً "أن مذكرات التوقيف والكلام التركي العالي النبرة سيؤخران تحريرهما".
وعن طلب قيادة الجيش من "حماس" في لبنان، تسليم فلسطينيين مشتركين في عملية إطلاق الصواريخ على الضاحية الجنوبية، لفت "أن هناك اتفاقًا بين قيادة الجيش ومسؤول في حماس بتسليم مطلوب واحد من عين الحلوة، وسمعنا ذلك من الحركة لكن ليس من علي بركة تحديدًا"، مؤكداً "أنه إذا تبيّن أن لهذا الرجل علاقة بهذه الحادثة والحركة تملك القدرة على تسليمه، فهي لن تمتنع عن التعاون مع الجيش، وإذا التزمت ستفي بتعهدها إلا إذا كان من أعطى الموافقة من غير المسؤولين في الحركة"
واستقبل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان في دار الإفتاء الجعفري، مساء الأربعاء، وفدًا من أهالي المخطوفين في إعزاز، في حضور المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، والشيخ عباس زغيب المكلف من قبل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى متابعة قضية المخطوفين اللبنانيين في سورية، وجرى البحث في آخر التطورات على صعيد ملف المخطوفين.
وأعلن زغيب أن "الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان، أكد للوفد أن على الحكومة التركية الكف عن المناورات التي تقوم بها عن طريق فريقها الدبلوماسي والأمني في لبنان ولتبادر العمل فورًا للإفراج عن المخطوفين اللبنانيين في إعزاز لأنها المسؤولة سياسيًا وعمليًا وأمنيًا عن ذلك. وطالب السلطات اللبنانية القضائية والأمنية تغيير نمط تعاطيها مع ملف المخطوفين وأهاليهم، لأن خطف الطيارين التركيين ليس أهم من قضية خطف اللبنانيين في إعزاز، ورفض التعرض لأهالي المخطوفين تحت أي ذريعة كانت، من أي جهة قضائية وأمنية، وبالتالي "نطالب بالإفراج الفوري عن الموقوفين اللبنانيين في قضية خطف التركيين. فالتحرك الجدي والصادق والشفاف اليوم يجب أن يكون من قبل الحكومة التركية والحكومة اللبنانية للإفراج عن كل المخطوفين في إعزاز وفي لبنان، فأهالي المخطوفين هم أصحاب قضية إنسانية حقه لا أكثر ولا أقل، فلا تدخلوهم في دوامة النزاعات السياسية الإقليمية والمحلية".
وأضاف "كما أكد سماحته أنه ستتم المبادرة إلى رفع دعوى قضائية على الحكومة التركية أمام الاتحاد الأوروبي والمحافل الدولية لأنها ترعى الخاطفين والخطف، خصوصًا بعد تصريح رئيس الدبلوماسية التركية بأنه سيتم خطف لبنانيين في تركيا مقابل الطيارين التركيين، وهذا من أبرز مصاديق الإرهاب الدولي المنظم".
وإزاء هذا الواقع، تساءلت أوساط مراقبة ألا يستدعي الوضع الأمني الخطير والتحذيرات التي يطلقها المسؤولون العسكريون والأمنيون في البلاد إعلان حالة طوارئ واستنفارًا وطنيًا سياسيًا لتحصين الساحة قبل الوقوع في المحظور؟ وأكدت أن كلام قائد الجيش اليوم يوجب على المسؤولين يقظة وطنية عامة وتنازلا عن المصالح الخاصة والحسابات الفئوية لإنقاذ البلد قبل أن تغرق السفينة بمن فيها.
وفي المقلب السياسي، غاب أي نشاط ملحوظ في ضوء سفر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان إلى نيس، على متن طائرة تابعة لـ "الميدل إيست" في إطار إجازة خاصة تستمر حتى مساء الأحد المقبل، ووجود الرئيس المكلف تمام سلام في أثينا ومغادرة الرئيس ميقاتي مساءًا في إجازة، على أن تستعيد الحركة زخمها اعتبارًا من الأسبوع المقبل مع عودة المسؤولين من الخارج.
واستبعدت مصادر دبلوماسية مواكبة للأوضاع انفراجًا مرتقبًا في لبنان أقله في الأسابيع المقبلة خصوصًا على المستوى الحكومي. ودعت إلى انتظار ما ستؤول إليه الاتصالات التي عادت لتتفعل على الخط السعودي - الإيراني في إطار حراك أميركي – روسي، بالوكالة عن الدولتين، لإيجاد نوع من المخارج أو الاتفاق على الأقل بشأن رؤية مشتركة لما يدور على الأرض العربية وتحديدًا في مصر وسورية ولبنان والمكونات الموجودة في كل منها ودورها في التصعيد والتهدئة.
وكشفت المصادر أن "حزب الله" أبلغ العاملين والساعين على خط تقريب وجهات النظر بينه وبين الأطراف المحلية والعربية أنه بعد اليوم لن يقبل حديثا معه بالواسطة، وإن كان ثمة من يرغب في إثارة وبحث أي موضوع معه، فليكن ذلك مباشرة مع القيادات المسؤولة في الحزب.
وغمزت المصادر من قناة الحملة القائمة بين رئيس "التيار الوطني الحر" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، معتبرةً أن التنافس الدائر بينهما على خط العلاقة مع السعودية إنما يعني الفريقين وما يحكم بينهما. واعتبرت أن الكلام بشأن التوجه والحديث مباشرة مع مسؤولي الحزب كان موجهًا في شكل غير مباشر إلى رئيس جبهة "النضال" بعد الحديث عن سحب التفويض أو الوكالة المعطاة له على هذا الصعيد.
أرسل تعليقك