بغداد - العرب اليوم
تتعرض الإذاعات المستقلة في العراق باستمرار للمضايقات السياسية، ومن آخر فصول ذلك، ابتزاز راديو المحبة النسائي بدفع رسوم خيالية "مستحقة" وإلا كان مصيره الإغلاق، إجراء انتقائي يبدو أنه يسعى لتكميم الأصوات الإعلامية النشاز.
في آخر تقرير نشره "مرصد الحريات الصحافية" العراقي في مايو/ أيار 2013، وهي منظمة غير حكومية تعني بالدفاع عن حقوق الصحافيين، جاء أن "حرية الصحافة في العراق وصلت إلى أسوأ وضع منذ سقوط نظام صدام حسين". وتتأكد هذه الحقيقة كل يوم من خلال تضييق السلطات المتواصل على عمل الإعلام المستقل. ومن آخر ضحايا هذه السياسة "راديو المحبة" الذي يعنى بالقضايا النسائية، وهو إذاعة غير ربحية مرتبطة بالمجتمع المدني وتابعة لمنظمة "حرية المرأة" المعروفة بنشاطها الدؤوب من أجل الدفاع عن حقوق المرأة العراقية. وقد استلمت الإذاعة مؤخرا إنذارا كتابيا صادرا عن "هيئة الإعلام والاتصالات". وينص الإنذار على دفع ستين ألف دولار أمريكي عن رسوم الإيجار وحقوق استعمال طيف التردد، في أجل قدره أسبوعين، بعدها قد تتخذ إجراءات إضافية قد تصل حد إغلاق الإذاعة.
صدى كبير لإذاعة صغيرة
"راديو المحبة" إذاعة صغيرة تأسست عام 2005 بدعم من صندوق الأمم المتحدة لتنمية المرأة، يعمل بها عشرون شخصا وتبث في بغداد في دائرة لا يتعدى قطرها 200كيلومتر. وتسعى الإذاعة في خطها التحريري إلى تعزيز قيم المساواة بين الرجال والنساء في المجتمع العراقي. وتتناول قضايا مثل الزواج والطلاق، والأسرة، والإساءة الجسدية وأحيانا قضايا أعم، كالدستور. وتطرح هذه الموضوعات من منظور نسائي. وتتبع الإذاعة خطا تحريريا ليبراليا يدافع عن حرية المرأة، ما يزعج في أحيان كثيرة الأوساط المحافظة في العراق.
وقد سبق ل"راديو المحبة" أن تعرض لاقتحام قوات الأمن العراقية عام 2011 بذريعة عدم تسديد رسوم استعمال طيف التردد. "نتوقع أن تأتي قوات الأمن في أي لحظة لإغلاق الإذاعة" كما قالت بشرى الأمين مديرة الإذاعة لـ DW، موضحة أن ذلك محتمل جدا ولن يكون سابقة. "راديو دجلة أجبر على ترك بغداد والاستقرار في السليمانية، بعدما هوجم من قبل قوات الأمن"، حسب تعبيرها. يذكر أن راديو دجلة تعرض في عام 2007 إلى اعتداء إرهابي أثناء تقديم برنامج مشترك مع إذاعة دويتشه فيله أنذاك نفذه تنظيم القاعدة في العراق وأسفر عن مقتل عدد من منتسبي الإذاعة وحرق المبنى، وهو أمر دفع بالقائمين على الإذاعة إلى الانتقال إلى إقليم كردستان العراق، وتحديدا مدينة السيلمانية. كما تعرضت محطتا "الفيحاء والبغدادية إلى مضايقات مماثلة. الكثير من المؤسسات الإعلامية المستقلة أجبرت على الإغلاق أو مغادرة بغداد". كما ألغيت هذا العام تراخيص العمل لما لا يقل عن عشر محطات تلفزيونية، وهو قرار دعت ممثلية الأمم المتحدة في بغداد إلى إعادة النظر فيه. ويضاف هذا الضغط والتضييق الرسمي على أجواء الخوف التي يعيشها الصحافيون في العراق، حيث تفيد الأرقام الرسمية باغتيال ما لا يقل عن 261 إعلاميا منذ عام 2003.
أداة لتكميم حرية التعبير
"هيئة الإعلام والاتصالات" اسم بات على لسان كل الصحافيين العراقيين وأصبح مرادفا للعبث والخوف. وهي هيئة تتهمها الأمين بالخضوع لأجندة سياسية بقولها إن "الأشخاص الذين يسيرونها مرتبطون بمصالح حزبية، فالمحاصصة الحزبية تخترق كل المؤسسات العراقية". ويذهب علي الأوسي، عضو مجلس أمناء "هيئة الإعلام والاتصالات" في نفس الاتجاه موضحا في حوار مع DW"نظريا، الهيئة مستقلة، لكن ليس هناك وعيا واستيعابا لمفهوم الاستقلالية في البيئة العراقية".
وانتقد الأوسي بشدة المؤسسة التي ينتمي إليها وقال إنه ليس على علم بالإجراءات التي اتخذت في حق "راديو المحبة"، وقال "مجلس الأمناء ليس على علم بكثير من القرارات التي تتخذ في الوقت الحاضر، فقد جرى تهميش المجلس، بل هناك حرب عشواء ضد أعضاء مجلس الأمناء". واتهم المدير العام باتخاذ قرارات انفرادية، معتبرا أن إغلاق المؤسسات الإعلامية قرار حساس مرتبط مباشرة بحرية التعبير وعمل المؤسسات الديمقراطية.
هيئة منبوذة بات الجميع يرى فيها أداة لتكميم الأفواه كما أوضح هادي جلو مرعي، رئيس "مرصد الحريات الصحفية" في العراق والذي اعتبر بأنها "تعدت الحدود، ولم يعد معروفا لصالح من تعمل، ومن تمثل؟ وهي تتصرف بطريقة مخيفة". وعبر مرعي في حوار مع DWعن قلقه العميق على مستقبل حرية التعبير في بلاده داعيا البرلمان العراقي للتدخل بقوة "لردع "هيئة الإعلام والاتصالات". ويذكر أن هذه الهيئة مستقلة من الناحية النظرية وتابعة لمجلس النواب، إلا أن الكثيرين يرون فيها الذراع الإعلامية للسلطة التنفيذية في العراق.
يربط عدد من المراقبين في العراق تشديد السلطات لقبضتها على المشهد الإعلامي بتطورات الأوضاع في مصر التي لعبت فيها الحرب الإعلامية بين المحافظين والعلمانيين دورا رئيسيا في سقوط نظام الإخوان المسلمين. وترى بشرى الأمين أن الإعلام في المنطقة العربية لم يعد سلطة رابعة وإنما سلطة أولى ترتعش لها عروش أنظمة المنطقة. وبالتالي فإن السلطات تقوم بعمل استباقي حتى لا يتكرر السيناريو المصري أو ما شابهه في العراق.
إن المستهدف من خلال إذاعة صغيرة تهتم بالقضايا الاجتماعية بحجم"راديو المحبة" هو "كل وسائل الإعلام العراقية، وهذا أمر خطير للغاية لأن الرسالة موجهة للجميع"، يوضح هادي جلو مرعي. مضيفا أنه "حينما نسألهم، يجيبون بأن الأمر يتعلق بإجراءات قانونية وهناك رسوم يجب أن تدفع من قبل الإذاعات، ولا علاقة لذلك بالسياسة. لكن تفسيرنا للموضوع يختلف. نعتقد أن هناك إجراءات لمنع وسائل الإعلام من أن تؤدي دورها". وقد وجهت بشرى الأمين نداء للمجتمع الدولي للتدخل لدى السلطات العراقية لوقف تهديد "راديو المحبة" والإعلام المستقل بشكل عام في العراق، إن كان فعلا مهتما بمستقبل الديمقراطية في العراق. خدمة DW
أرسل تعليقك