بغداد - العرب اليوم
يتوقع أن يقوم البرلمان العراقي، خلال الأسبوع الجاري، بإجراء القراءة الأولى لمشروع قانون الخدمة الإلزامية في الجيش، تمهيداً لإقراره بعد استكمال القراءة الثانية، الأمر الذي أثار ويثير غضباً شعبياً واسعاً، بالنظر لارتباط قضية التجنيد المريرة بالذاكرة الشعبية العراقية الموروثة من حقبة نظام صدام حسين الديكتاتوري والأنظمة التي سبقته؛ حيث اضطر مئات الآلاف من المجندين الإلزاميين إلى البقاء في الخدمة العسكرية خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) إلى نحو عشر سنوات متواصلة لحاجة الحرب الضروس بين البلدين إلى وقودها من الجنود، في وقت يفرض التجنيد حينذاك، على الأشخاص مدة خدمة أقصاها 3 سنوات بالنسبة لغير المتعلمين. ويبدو أن إرادة الكتل السياسية داخل البرلمان الاتحادي تسير باتجاه معاكس لرغبة معظم القطاعات السكانية في البلاد في هذه القضية، بالنظر للاعتراضات واسعة النطاق التي تعبر عنها تلك القطاعات، ومع ذلك، يصر البرلمان ورئيسه محمد الحلبوسي على تمرير قانون التجنيد الإلزامي؛ حيث غرد الحلبوسي، أول من أمس، بهذا الاتجاه، قائلاً إنّ «المضي بتشريع قانون (خدمة العلم) يضمن إعداد جيلٍ من الشباب أكثر قدرة على مواجهة مصاعب الحياة، مُلِمٍ بالحقوق والواجبات، ومتحفز لحفظ الدولة وسيادتها، ويسهم في تعزيز منظومة القيم والأخلاق والانضباط والالتزام بالهُوية الوطنية».
ورغم تأكيدات لجنة الأمن والدفاع النيابية على مشروع قانون خدمة العلم (التجنيد الإلزامي) سيطبق بعد سنتين من تشريعه في حال مُرر في مجلس النواب بصيغته الحالية، فإن الاعتراضات على أصل الفكرة قائمة وبقوة.
وقال نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع، سكفان سندي، في تصريحات للقناة الرسمية، إن «المضي بتشريع مشروع قانون خدمة العلم عبر البدء بقراءته جاء بعد عقد اجتماعات متعددة ومطولة للجنة الأمن والدفاع النيابية، ورأينا أنه يصب بمصلحة الشعب العراقي».
وأضاف أن «تطبيق مشروع القانون سيتم في حال تشريعه بعد سنتين من نشره بجريدة الوقائع العراقية وفق ما جاء في نصه، بمعنى أنه سيكون هنالك متسع من الوقت يصل لعامين من أجل تهيئة جميع مستلزماته المالية أو من ناحية المعسكرات، وحتى الآن لم تبدِ الحكومة أو القادة العسكريون أي اعتراضات على تشريع القانون».
ويعتقد العضو النيابي أن «تشريع القانون ضروري لوجود مخاطر تتعلق بالإرهاب في البلد وسيشمل في حال تشريعه بصيغته الحالية مَن هم ما بين 18 و35 عاماً، وعمر الخدمة يحدده التحصيل الدراسي لكل مستحق، إذ إن مَن لديه شهادة متوسطة سيخدم 18 شهراً والإعدادية 12 شهراً والجامعة والمعاهد أو ما يعادلها 9 أشهر والماجستير أو ما يعادلها 6 أشهر والدكتوراه 3 أشهر».
وسيُمنح المكلفون، بحسب اللجنة النيابية «مرتباً يتراوح بين 600 و700 ألف، والمتطوعون الحاليون في الجيش سيستمرون في الخدمة إلى حين وصولهم لسن التقاعد».
واستبدل العراق، بعد 2003، بنظام الخدمة الإلزامية، نظام العقود والخدمة التطوعية. ومشروع القانون بصيغته الحالية، كان قد طرح أمام البرلمان عام 2021، لكنه لم يأخذ طريقه إلى التشريع بسبب الاعتراضات الشعبية حينذاك التي تتكرر اليوم.
وفيما يرى المدافعون عن القانون أنه سيسهم في تعزيز الروح الوطنية في البلاد المنقسمة طولاً وعرضاً بحكم أن الشباب من جميع المحافظات ستكون أمامهم فرصة للتواصل والاحتكاك بعد سنوات من القطيعة، يقدم المعترضون ألف حجة وحجة لرفض القانون، ومن بين تلك الحجج، هو عدم الثقة الكاملة بمؤسسات الدولة وإمكانية أن يتحول موضوع التجنيد الإلزامي إلى بوابة جديدة للفساد ونهب المال العام والخاص.
وتعليقاً على مشروع قانون التجنيد، قال أستاذ الاقتصاد عماد عبد اللطيف سالم، في تدوينة، إن «التشغيل أهم من التجنيد، والإنفاق الاستثماري أهمّ من الإنفاق العسكريّ، والورش والمعامل والمشروعات أهم من الثكنات، والتعليم الإلزامي أهم من التجنيد الإلزامي، والمستشفيات أهم من دوائر التجنيد، والكتاب المدرسي أهمّ من البندقيّة، والمدارس أهمّ من المعسكرات، والأطفال أهمّ من الجنرالات».
وتبنى قاضي النزاهة الأسبق رحيم العكيلي موقفاً متشدداً حيال القانون، وقال في سلسلة تدوينات: «أوقفوا تشريع قانون التجنيد الإلزامي، أوقفوا مهزلة عسكرة المجتمع وزيادة أعباء الدولة المالية لأغراض عسكرية وفتح أبواب واسعة جديدة للفساد من خلال التجنيد الإلزامي».
وأضاف: «لا نريد لأولادنا، في عز شبابهم، ذل العسكرة وضياع السنين وتحديات الهروب من الخدمة العسكرية بينما أولادكم (القيادات السياسية) يتمتعون في أوروبا وأميركا».
ورأى العكيلي أن «الأعباء المالية للتجنيد الإلزامي، رواتب ضباط ومجندين وشراء أرزاق ووقود ومركبات وبناء معسكرات ضخمة وأسلحة ومستلزمات وأثاث وملابس عسكرية وأفرشة وأسرّة ومنامات... إلخ، لا تقل كلفتها عن مليارات، إذا لم تكن تريليونات الدنانير يتطلبها تجنيد أولادنا في الخدمة الإلزامية».
وتابع متسائلاً: «أليس من الأولى أن تخصص تلك الأموال لتطوير التعليم ومكافحة المخدرات بدل إنفاقها في بهدلة شبابنا؟ ابن الغني سيدفع الإتاوة وينزل لداره مجازاً، ومن لا يجد ما يدفعه سيذلونه، إنه قانون لإذلال الفقير ولا يقع عبؤه إلا على مَن لا يجد قوت يومه».
بدوره، استنكر حزب «البيت الوطني» المنبثق عن «حراك تشرين»، أمس، تشريع قانون التجنيد، وقال في بيان: «في الوقت الذي يتطلع فيه العراقيون جميعاً إلى تشريع قوانين تسهم في رفع مستوى الشفافية والنزاهة داخل مؤسسات الدولة وتعزيز الديمقراطية في هذا البلد، نتفاجأ بسماع نوايا البرلمان العراقي وهو يعتزم تشريع قانون التجنيد الإلزامي الذي يعيدنا إلى الحقبة الديكتاتورية المقيتة التي تسلطت على رقاب العراقيين أكثر من ثلاثين عاماً».
ودعا البيت الوطني مَن وصفهم بـ«النواب الوطنيين المعارضين لقوى الظلام» إلى منع تمرير القانون «وثني القوى الظلامية عن تشريعه».
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك