حذر ضابط كبير في الجيش الأميركي في العراق، من أن الحرب ضد تنظيم "داعش" لم تنته بعد، رغم الانتصار "التاريخي" في الموصل، في وقت سيبدأ رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني والوفد المرافق له، الثلاثاء، جولة من المباحثات مع المسؤولين البلجيكيين بشأن استفتاء إقليم كردستان للاستقلال عن العراق.
وقال ليفتنانت جنرال ستيفن تاونسند في مقابلة مع "بي بي سي": إن "مقاتلي تنظيم الدولة ما زالوا في العراق"، مضيفًا أنه "على الحكومة العراقية الآن محاولة التواصل مع العراقيين السُنة لوقف التنظيم الجهادي من طرح نفسه بصورة جديدة"، مشيرًا إلى أن على العراقيين "التواصل والتصالح مع العراقيين السنة وجعلهم يشعرون بأن الحكومة العراقية تمثلهم".
ويكشف سقوط الموصل الانقسامات العرقية والطائفية التي يعاني منها العراق منذ أكثر من عشرة أعوام، فالنصر ينطوي على خطر إثارة أعمال عنف جديدة بين العرب والكرد بسبب أراض متنازع عليها أو بين السنة والشيعة بشأن السيطرة على السلطة، وهي أمور زادت حدة مع وجود قوى خارجية رسمت مستقبل العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003، وأطاح بحكم الأقلية السنية بزعامة صدام حسين وجعل الأغلبية الشيعية المدعومة من إيران تصل إلى السلطة.
وبالنسبة للعراق الذي باغته هجوم تنظيم داعش على الموصل في 2014 وانهيار جيشه، فإن هذا الانتصار قد يتحول في نهاية الأمر إلى مشكلة لا تقل في جسامتها عن الهزيمة، حيث انهار النموذج الاتحادي الذي صيغ تحت الاحتلال البريطاني الأميركي وقام على أساس اتفاق لاقتسام السلطة بين السنة والشيعة والكرد، وشهد العراق مذابح عنف عرقية طائفية أججها تنظيم القاعدة الذي كان على الساحة قبل تنظيم "داعش".
وعلى مدى ثلاثة أعوام، منذ قدوم مقاتلي تنظيم "داعش" عبر الحدود من سورية حيث أعادوا تجميع أنفسهم خلال فوضى التمرد على حكم الرئيس بشار الأسد، كان التنظيم بمثابة نقطة التجمع التي توحد عراقًا مقسمًا، ولكن الآن، مع مواجهة التنظيم هزيمة عسكرية، فإن الوحدة التي كانت تجمع العراق بدأت في الانهيار.
ويعد أحد التحديات هو مستقبل الموصل نفسها، فهي مدينة عانت حكمًا وحشيًا خلال سيطرة تنظيم "داعش" وأسوأها أحدث هجوم مدعوم من الولايات المتحدة مع سقوط آلاف القتلى وتشريد نحو مليون شخص، إذ يقول مسؤولون غربيون وعراقيون وكرد إنهم مندهشون لتجاهل السلطات العراقية إعداد خطة للحكم والأمن في مرحلة ما بعد المعركة، مؤكدين أن إقليم كردستان وحكومة بغداد وقوى التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة شكلت لجنة على مستوى عال لمساعدة زعماء الموصل على إعادة بناء المدينة، لكنها لم تجتمع قط.
ومن جانبه، أوضح هوشيار زيباري، وهو شخصية تحظى باحترام على الصعيد الدولي وشغل من قبل منصبي وزيري المال والخارجية: "رئيس الوزراء حيدر العبادي ظل يتباطأ، وفي كل مرة نثير هذه المسألة معه يقول: فلننتظر حتى تنتهي العمليات العسكرية"، مضيفًا أن "مدينة بالكامل تفنى، انظروا إلى مدى إسهام الحكومة، وكأن الأمر لا يعنيها".
وجاءت أول إشارة إلى احتمال نشوب صراع في المستقبل عندما أعلن مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان، عن إجراء استفتاء في 25 سبتمبر/ أيلول على إقامة دولة مستقلة، ومن بين النذر الأخرى حملة فصائل شيعية مدعومة من إيران تجمعت تحت لواء الحشد الشعبي الذي تديره الحكومة للانتشار بطول المناطق الكردية والتقدم صوب الحدود السورية مدفوعة برغبة إيران في الانضمام إلى العراق وسورية وإقامة ممر من طهران إلى بيروت.
من ناحية أخرى، أبرز كبير مستشاري الزعيم الأعلى لإيران علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، الأسبوع الماضي: أن"اليوم يبدأ طريق المقاومة السريع من طهران ويصل إلى الموصل ودمشق وبيروت"، يأتي كل هذا على خلفية تناحر يجيش بين القوتين الإقليميتين إيران وتركيا، وفوق كل هذا تراجع النفوذ الأميركي ومحاولات إيران الحثيثة لتعزيز سيطرتها في العراق.
وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تنظر إلى سورية والعراق إلا في إطار الحملة العسكرية لتدمير تنظيم "داعش"، فإن المتشددين المحليين سيمتزجون ببساطة بالسكان وقد يتجمعون من جديد لبدء تمرد جديد، ويتفق إلى حد كبير الزعماء السنة والكرد في الموصل ومحيطها مع هذا التكهن المتشائم بعد أن تملكهم القلق من رفض العبادي حتى مناقشة مستقبل حكم الموصل والشك في أن إيران تحرك الأمور.
وتمتد الأراضي المتنازع عليها بمحاذاة شريط من الأرض يقطنه خليط عرقي ويفصل إقليم كردستان في شمال العراق عن الجزء الذي تقطنه أغلبية عربية في الجنوب، حيث بيَّن أثيل النجيفي الذي كان محافظًا لنينوي، عندما سيطر "داعش" على الموصل عاصمة المحافظة في 2014: "رجعنا محل ما كنا. يريدون إبقاء هذه المناطق المحررة رخوة ليس فيها منظومات أمنية أو سياسية".
وتابع النجيفي: "حتى الآن لا توجد خطة في الموصل وبغداد لم تفتح مجالًا للحوار بشأن مستقبل الموصل"، ومضى قائلًا "هناك جناحان في الشيعة يتصارعان وكل جناح لديه رؤى، فهناك جناح المتطرفين من القيادات الشيعية وهؤلاء يريدون فرض شروط المنتصر على الموصل وكل المناطق المحررة في العراق، وهناك جناح المعتدلين الذين يدركون أن هذا غير ممكن ويؤدي إلى نشوء تطرف في العراق، وتقديري أن إيران تدعم الطرفين".
وأشار النجيفي، وهو سني يتولى الآن قيادة قوة مسلحة دربتها تركيا، إلى أنه ترك منصبه كمحافظ لكنه لم يترك السياسة، قائلًا "القيادات السنية تعاني من مشكلة ضعف كبير لأن كل القيادات السنية القوية مهمشة وملاحقة أو مبعدة عن الساحة".
فيما أثار الحديث عن استقلال الكرد مناقشات بشأن ما إذا كان يجب على العرب السنة إنشاء دولة منفصلة على الرغم من أن معظم المسؤولين يقولون إن هذا أمر غير عملي لأن الأراضي السنية تفتقر إلى القاعدة النفطية التي يمتلكها الشيعة والكرد، كما أن تجربة تنظيم "داعش" ستظل شبحًا يطارد أي كيان جديد، بالإضافة إلى أن السنة متغلغلون بشكل كبير في شتى مناحي العراق.
ويعتقد بعض الزعماء السنة والكرد أن أحد الحلول هو جعل الموصل منطقة تتمتع بحكم ذاتي مثل كردستان مع وحدات حكم ذاتي أصغر كي تتكيف مع العدد الكبير من الأقليات وهو أمر يقولون إن الدستور يسمح به.
ولفت زيباري إلى أنه "من قبل، كان السنة يشعرون بحساسية كبيرة للاعتقاد بأن نقل السلطة لوحدات أصغر سيؤدي إلى الانفصال وإلى تقسيم العراق، ولكنهم بدأوا الآن يتقبلون ذلك"، والسنة ليسوا هم الطرف الوحيد الذي يرفض حكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة، فقد قرر إقليم كردستان إجراء استفتاء للانتقال من الحكم الذاتي إلى دولة مستقلة.
ونوه بارزاني، إن توقيت الاستقلال بعد الاستفتاء "يتسم بالمرونة ولكنه ليس بلا حدود"، بينما أكد زيباري، وهو مسؤول كبير في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني والذي يبذل جهودًا في بغداد منذ أكثر من عشرة أعوام لإنجاح اقتسام السلطة، إن الوقت حان للاستقلال.
واستدرك زيباري "فقدنا الأمل والثقة في العراق الجديد الذي بنيناه، الحكومة خذلتنا في كل بند وكل مادة دستورية لإقامة بلد جديد بمواطنة متساوية، دون تمييز، وبشراكة. كل هذه الأحلام تبخرت"، مبينًا أن المشكلة هي أن كبار المسؤولين الإيرانيين لم يتركوا مجالًا للشك في أن أولويتهم، المتمثلة في إقامة ممر للقوات الشيعية عبر الشمال يتولى الانضباط وفيه مجندون شيعة، تفوق أي شيء آخر.
وأردف زيباري قائلًا "إنهم يقفون على رؤوسنا بطول خط الجبهة الكردية من سنجار إلى خانقين"، مواصلًا "نتكيف مع الوضع حتى الآن ونتحلى بالصبر ونقوم بالتنسيق لمنع وقوع مناوشات أو أمور مفاجئة، ولكن هذا يتزايد".
ومن الجهة الأخرى، يخشى أهالي الموصل استعداد مسلحي تنظيم "داعش" للظهور باسم جديد، هذا مانشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" في تقرير بعنوان "نهاية تنظيم الدولة لإسلامية وشيكة ولكن خصومه يخشون استعداد مسلحيه للظهور باسم جديد".
وتقول الصحيفة إن مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية يواجهون ساعاتهم الأخيرة في الموصل، كما أن مدينة الرقة معقلهم في سورية تحت الحصار، ويبدو أن الدولة التي كان التنظيم يسعى لإقامتها توشك على الانتهاء، مضيفة أنه يعتقد أن الكثير من مسلحي التنظيم فروا وسط جموع المدنيين التي غادرت الموصل، وسيكون هدفهم الآن زعزعة الاستقرار واستعادة بعض المناطق، وزاد التنظيم عدد القنابل التي زرعت على جانب الطريق والهجمات الانتحارية على البلدات الواقعة جنوبي الموصل.
وأكملت الصحيفة أن التنظيم يعد العدة لخسائره في المناطق منذ نحو عام، ونقل كبار قادته إلى محافظة دير الزور الثرية بالنفط شرقي سورية، وعلى وجه الخصوص بلدة الميادين والبلدات الصحراوية على طول الحدود بين سورية والعراق، متابعة أنه لا يبدو أن هناك خطة لحكم الموصل أو السيطرة الأمنية عليها بعد طرد مسلحي التنظيم، وهو الحال ذاته في المناطق الأخرى التي تم تحريرها من التنظيم، لافتة إلى أن التنظيم نشأ نتيجة للفوضى الطائفية في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، وكان وقودها هو مقاومة الأقلية السنية لما يبدو أنه الأجندة الموالية للشيعة في بغداد.
في المقابل سيبدأ رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني والوفد المرافق له، الثلاثاء، جولة من المباحثات مع المسؤولين البلجيكيين بشأن استفتاء إقليم كردستان للاستقلال عن العراق، وذكر مصدر سياسي أن بارزاني والوفد الذي يرافقه سيجتمع مع نائب رئيس الوزراء البلجيكي، ووزير الدفاع إضافة إلى عدد من المسؤولين الآخرين.
وسيطرح بارزاني مسألة الاستفتاء واجراؤه ورغبة الاقليم بالاستقلال عن العراق، وسيطالب أيضًا بدعم أوروبا للاستفتاء كحق شرعي وطبيعي للكرد، ومن المقرر أن يجري الإقليم في يوم 25 من شهر أيلول/سبتمبر المقبل الاستفتاء، وكان قد وصل بارزاني والوفد المرافق له مساء الإثنين إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، ويرافقه خلال هذه الزيارة وفدًا من المجلس الأعلى للاستفتاء في إقليم كردستان.
أرسل تعليقك