تعتبر خلية "تبليسي أنقرة" هي الخلية الأكبر التي يتم كشفها لـ"داعش" خارج العراق من قِبل الأجهزة الاستخبارية العراقية بعد سنوات من تدمير عشرات الخلايا النائمة في العاصمة وبعض المدن العراقية. وتدار أغلبها من عراقيي "داعش" وكانت تخطط لأبعد من مهاجمة الأراضي العراقية أو مصالح بعض الدول فيه حيث انتقلت إلى إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق لضرب مصالح أميركية وروسية وإيرانية ومعابد دينية.
ويذكر مصدر استخباري عراقي رفيع المستوى أن "المتابعة والتدقيق أوصلتنا إلى خلية إرهابية تُدار من تركيا أهدافها كانت أكثر بكثير من الأهداف الإرهابية المعروفة، فالهدف كان وبحسب المصدر هو خلق فتنة وبلبلة في دول عديدة تكون لروسيا والولايات المتحدة الأميركية فيها مصالح لشغل هاتين الدولتين عن الحرب على "الاٍرهاب". فالمعتقل هو أحد عناصر هذه المجموعة الإرهابية، وهو المدعو، حميد ناصر، من مواليد ١٩٩١ ويسكن إحدى مناطق غربي بغداد، والدهُ متوفٍ في نهاية التسعينيات وكان برتبة عسكرية رفيعة وترتيبه الثاني بين أخت كبرى وأخ أصغر".
ناصر يتحدث عن كيفية انتمائه للتنظيمات المتطرفة، ففي البداية كان انتماؤه إلى كتائب ثورة العشرين عام ٢٠٠٥ من خلال شخص يُدعى، حجّي ناطق، الذي كان مسؤولاً عن المجموعة التي تضم سبعة أشخاص مهمتهم ، حماية المساجد والمنطقة التي يسكنوها من هجوم الميليشيات بحسب قوله، إلا أن الحقيقة عكس ذلك حيث كانوا يستغلون المساجد كمخابئ للأسلحة.
*تشكيل الصحوات
وبعد تشكيل الصحوات أضطر، حميد ناصر، والمجموعة التي ينتمي إليها السفر خارج العراق، وتحديداً إلى سورية بداية عام ٢٠٠٦، بسبب تضييق الخناق عليهم من قبل القوات الأميركية آنذاك، وفي سورية التقى المتهم من جديد مع حجّي ناطق، وآخرين حيث كان يجمعهم التطرّف والفكر المتشدّد واتفقوا على العودة إلى بغداد بعد أن تهدأ الأوضاع.
وبالفعل بايع المتهم، حميد ناصر، تنظيم "القاعدة" بعد أن توحدت ما تسمى الرايات وأعطى البيعة لـ"حجّي ناطق"، وتحول عملهم إلى زرع العبوات ومراقبة المنتسبين وتهديدهم وعوائلهم إلا أن السمة الأبرز بعملهم كانت الاشتباك مع القوات الأمنية والعسكرية التي كانت تدخل لمناطق سكناهم.
*التنقل بين سورية والعراق
ويتابع حميد سلسلة اعترافاته قائلاً "في منتصف عام ٢٠٠٨ سافرت من جديد إلى سورية بحجة إكمال الدراسة وبالفعل قدمت للدراسة ولكن لم يُقبل الطلب، وبقيت إلى بداية عام ٢٠١٠ وفي هذه المدة كانت لي لقاءات متقطعة مع حجّي ناطق، الذي وجهني بضرورة الرجوع إلى بغداد لأعمل بأسلوب آخر وهذه المرة ارتبطت بالعمل مع وليد خالد، وهو مسؤول مفرزة عسكرية وتحولت بالسكن من منطقتي القديمة إلى أخرى جديدة بالجانب نفسه أي غربي بغداد، بسبب مضايقة الصحوة آنذاك بحسب إدعائه.
القوات المشتركة كشفت مخبأ السلاح
والمجموعة الثانية كانت تضم ستة عناصر، وكان اللقاء يتم في أحد المنازل المهجورة بالمنطقة حيث كان وليد خالد يتسلم الأسلحة الخفيفة والرمانات الهجومية والصواعق ويقوم عناصرها بدفنها في المنزل المهجور بغية استعمالها في الوقت المحدد بأعمال إرهابية.
إلا أن الجيش العراقي والقوات الأميركية بحسب ناصر، داهمت المكان وعثرت على الأسلحة من جديد ولهذا قام بإقناع عائلته بالسفر مجدداً إلى سورية، وذهب إلى دمشق إلى حين بدأ التوتر فيها فاضطر الرجوع إلى منطقته الأولى وهذه المرة من دون أن يلتقي بأحد من المجموعتين السابقتين، فأكمل دراسته الإعدادية ونجح من البكلوريا بمعدل ٦٣٪ ولسوء المعدل اتخذ قراراً مع عائله للدراسة في إحدى جامعات أوربا الشرقية وقدم إلى جامعة ولاية تبليسي الطبية.
*مرحلة التنظيم في جورجيا
وهنا بدأت مرحلة جديدة وخطرة بالنسبة للمتهم بحسب المصدر الأمني، فالتنظيم لا يُفرط بسهولة بمثل هذا الصيد الثمين الذي يمكن أن يستفاد منه لأنه طالب في كلية الطب، وغير مكشوف مسبقاً من قبل الأجهزة الأمنية، ومقتنع تماماً بأفكار التنظيم المتطرفة والأكثر من ذلك كله أنه يمتلك ذاكرة ممتازة، وهذا ما سنكتشفه من سياق القصة.
ويقول حميد ناصر إن "الافكار ضد الدولة العراقية ازدادت لديه بسبب لقائه ببعض الطلبة العراقيين والعرب الذين أعادوا إلى ذهني فكرة الجهاد التي تناسيتها ولم أنسها يوماً". ومن ضمن الأماكن التي كان الطلاب المسلمون العرب وغير العرب يرتادونها محل حلاقة لشخص يدعى كامل جيكر، وهو علوي من تركيا، كان ذا سمعة جيدة جداً في مجال عمله وكان محله مزدحماً دائماً إلا أن محل الحلاقة هذا كان أشبه بحلبة صراع بين الطلبة لأسباب طائفية وقومية.
وبعد انتهاء هذا الشجار وهو الأعنف خلال أربع سنوات بحسب ما نقله له الطلبة، بدأت صداقة من نوع آخر جديد مع شخص اصطف إلى جانبه بالشجار بشكل مُلفت للنظر اسمه كارتلوس، هنا يتحدث الارهابي حميد ناصر، عن الصديق الجورجي الجديد، اذ كان بحسب كلامه ودوداً مبتسماً وكثيراً ما كان يقترب من العرب في جورجيا وكان مسالماً أيضاً واستغربت لما رأيت منه كل هذا الكم من العدوانية والعنف في الشجار.
وبدأ كارتلوس يكشف عن أوراقه شيئاً فشيئاً لحميد ناصر حتى جاء يوم وفاتحه بضرورة تشكيل خلية تتضمن طلاباً آخرين وعن سؤاله إلى من تتبع هذه الخلية اجاب على الفور ومن دون تردد إلى "داعش" وبنفس جرأة كارتلوس بالطرح أجابه الناصر بالموافقة على طلبه، وكانت اللقاءات تتم أسبوعياً في أحد مطاعم منطقة "مرجان أشفيلي".
توسيع الخلية كانت المهمة الأولى المهمة الأولى التي أسندت إلى ناصر كانت مفاتحة الطلبة العرب في الجامعة التي كان يدرس فيها، جامعة تبليسي الطبية، بضرورة الانتماء إلى "داعش" وطبعاً الاختيار بالمفاتحة لم يكن عبثياً أو عفوياً إنما على وفق دراسة ومراقبة تستمر لأيام طويلة لسلوك الطالب، وبالفعل فيهم من قبل الانتماء وفيهم من رفض والذي يرفض لا يتفوه بما عرفه لأنه يعرف أن الموت سيكون مصيره، هذا جانب والجانب الآخر الذين يرفضون لم تكن أسبابهم تتعلق بعدم الاقتناع بالفكرة بل لأسباب أخرى.
راقبنا السفارتين العراقية والايرانية في تبليسي فأول مكان تم استطلاعه هو موقع سياحي كبير وسط العاصمة تبليسي قيد انتهاء العمل منه يضم كازينوهات ومطاعم ومسابح وقاعات رياضية وترفيهية للأطفال وتم العمل خلال ثلاثة أيام وكان أول يوم من الاستطلاع فيه ارتباك لكن بعد ذلك انتهى الموضوع بشكل طبيعي وكتب كل واحد من المجموعة تقريره عن مشاهداته وملاحظاته وأعطاه إلى كارتلوس.
وبعد أسبوعين جاءت الأوامر لاستطلاع ومراقبة السفارة الإيرانية بحسب الناصر وكانت تقع بالشارع نفسه الذي فيه السفارة العراقية بمنطقة، "مدي كل يونفيرستي"، وكان في هذه المهمة شخصان فقط أنا ونايف، حتى لا نثير الشكوك والتساؤلات وحتى أن اثيرت فإن الجواب بسيط وهو مراجعة السفارة العراقية، وبعد استطلاع السفارات سلمنا تقريرنا إلى كارتلوس، ويشمل كل ما رصدناه من عدد الكاميرات وعدد الحراس ومداخل الشارع ومخارجه بشكل مفصل، وبعد أقل من شهر جاءت الأوامر بضرورة استطلاع مواقع المترو في العاصمة تبليسي .
وبمجرد انتهاء الشهر اتصل كارتلوس بحميد الناصر وأبلغه بضرورة اللقاء فتم اللقاء بحضور أفراد المجموعة في محل لبيع البيتزا في منطقة إيڤانو جانما، وقد ابلغ كارتلوسى "المجموعة "أن المسؤول عنه يرسل لكم تحياته عما قمتم به من عمل متقن خلال الأسابيع السابقة كما ابلغ الناصر أن العمل سيتحول إلى ابخازيا، وهي مدينة متنازع عليها تقع على الساحل الشرقي للبحر الأسود، أعلنت استقلالها عن جورجيا عام 1991 مما تبعه الصراع الجورجي الأبخازي. تحكم من قبل جمهورية أبخازيا وهي جمهورية مستقلة عن جورجيا واقعياً، إلا أنها لا تحظى باعتراف دولي سوى من روسيا ونيكاراغوا وفنزويلا وناورو. في عام 1993 أجبرت الجيوش الجورجية على الانسحاب من المنطقة بعد حرب دامت لمدة عام مع الثوار الانفصاليين.
العمل على ضرب المصالح الاميركية والروسية معاً و أعلن كارتلوس، عن الهدف الحقيقي الذي تكونت من أجله هذه المجموعة وهو استطلاع أهم المواقع السياحية والأمنية والنفطية في جورجيا وابخازيا المعترف بها من قبل روسيا وغير معترف بها من قبل الولايات المتحدة الاميركية، ليتسنى لمجاميع التنظيم اختراق هذه المواقع وضربها بواسطة الانتحاريين لخلق توتر عالمي بين روسيا وأميركا لإشغالهم عن الحرب في العراق وسورية وبالفعل استطاعت المجموعة الوصول إلى ابخازيا واستطلاع بعض المواقع المهمة على الرغم من صعوبة التنقل كونها تبعد ٦٠٠ كم عن العاصمة تبليسي بحسب الناصر.
*اعتقال افراد الخلية
وشاء القدر بحسب المصدر الاستخباري الرفيع وقبيل منتصف العام 2016 الحالي، أن تلقي خلية الصقور الاستخبارية القبض على وليد خالد، وهو أحد عناصر التنظيم في أحد الواجبات وبكمين محكم شمالي بغداد، حيث كان مسؤولاً عن مفرزة عسكرية عامي ٢٠٠٧ و ٢٠٠٨ وأثناء التحقيق معه اعترف صراحةً بانتمائه إلى تنظيم "القاعدة" آنذاك ومع ما يسمى تنظيم (داعش) بالوقت الحالي وقد اعترف على الكثير من الاسماء المنتمية للتنظيم ومن ضمن الذين اعترف عليهم هو المتهم الذي أجرينا اللقاء معه، حميد ناصر.
فقامت الخلية بمتابعة كل من ذُكر اسمه اثناء التحقيق مع وليد خالد، فمنهم من قُتِل على يد القوات الأمنية ومنهم من مُلْقًى القبض عليه أصلاً ومنهم الهارب وأثناء عمليات التدقيق والمراقبة والمتابعة، اتضح أن المتهم حميد ناصر، لديه خروج ودخول سفر إلى سورية وجورجيا ركزت الخلية على متابعته ووصل ضباط التحقيق أصحاب الاختصاص إلى حقيقة أنه لا بد من إلقاء القبض عليه لأن اعتقاله سيكشف خيوطاً عديدة ولم يذكر المصدر كيفية الوصول إلى حميد ناصر، لدواعٍ أمنية استخبارية، ووصلت إلى الخلية إشعارات أن الهدف متواجد في تركيا فتم أخذ الإجراءات القانونية القضائية وتم توزيع أوصافه واسمه على السيطرات الرئيسة والثانوية وعلى المطارات.
ويتحدث حميد ناصر عن الفصل الأخير من اعترافاته قائلاً ،" بعد انتهاء الفصل الثاني من الدراسة قررت الرجوع إلى بغداد لكن كارتلوس، قال لي أذهب إلى تركيا أولاً ومن ثم اذهب للعراق وسألته لماذا هذه المطاولة، فقال لسببين، الأول حتى نعرف إذا كان هناك من يراقبك والسبب الثاني، يوجد شخص في تركيا لا بد أن تراه وبالفعل ذهبت للسفارة التركية وأخذت سمة الدخول ثم سافرت براً إلى تركيا، وبحسب العنوان الذي أعطاني إياه كارتلوس، في منطقة "اقصراي" ذهبت وسألت عن شخص يدعى أبو عبد الله، لم التق به في اليوم نفسه، فاضطررت إلى استئجار غرفة بفندق بسيط وباليوم الثاني ذهبت وكان ثلاثاء ووجدت أبو عبد الله، وهو عراقي الجنسية استطاعت خلية الصقور الاستخبارية الإيقاع به بعملية نوعية استمرت لستة أشهر تقريباً سنكتب تفاصيلها لاحقاً.
*طريق ديالى كان النهاية
فعلى الرغم من إخبار الناصر له أن الاستطلاع في ابخازيا صعب بسبب الوجود الأمني وصعوبة الدخول كونهم يدققون بهوية الآتي من جورجيا باتجاه ابخازيا، ردّ عليه بالقول أننا سنعالج تدريجياً هذه المشكلة وأعطاه ٢٠٠ دولار وقال له بعد انتهاء الإجازة الدورية لك والرجوع لجورجيا سنتواصل معك لتحديد الأهداف المراد استطلاعها، وانتهى اللقاء.
وحجزت براً باليوم الثاني من اسطنبول إلى بغداد عبر إقليم كردستان يتحدث الناصر عن اللحظات الأخيرة قبل اعتقاله ، ولم أكن اعرف إنني مرصود من قبل الاستخبارات، حيث أوقفتنا سيطرة تفتيش بين طريق ديالى - بغداد وطالبوا بجوازات المسافرين، ثم طلبوا مني الترجّل ولم أكن أعرف أيضاً أنني رهن الاعتقال إلا بعد مواجهتي بالأدلة فاعترفت صراحةً بكل ما ورد ذكره.
أرسل تعليقك