تمارس إحدى "أخطر" عصابات النصب والاحتيال عملياتها في بغداد، منذ أكثر من سنتين، وكسبت عشرات الملايين من الدنانير من دون أن "يطرف لها جفن" أو تفكر بأن مسيرتها
المنحرفة ستنتهي بها خلف القضبان، وذلك لثقة رئيسها وأفرادها بـ"حبكة" عملياتهم ودقتها، لكن آخر أفرادها "المنحوس" أطاح بها في أول عملية له معها.
واعترفت أخطر عصابات النصب والاحتيال بتفاصيل مثيرة عن عملياتها التي نفذتها في بغداد منذ سنتين، وفق تحقيق للقضاء. ولفت أفراد هذه العصابة إلى أنهم يوهمون مواطنين بعملات أوروبية بلا قيمة مقابل مبالغ عراقية كبيرة بحجة أنها ستوزع على النازحين والعائلات المتعففة.
ويؤكد زعيم العصابة، وهو من أرباب السوابق، أن استخدامه اللهجة الخليجية بإتقان لإيقاعه بالضحايا جاء نتيجة مران مستمر بعد عمليات ناجحة مماثلة نفذها في دمشق قبل اندلاع الأحداث السورية وعودته إلى العراق.
ونقلت عن قاضي تحقيق الأعظمية زيد حازم عثمان، قوله إن "بلاغات عدة وصلت المحكمة عن عصابة تمارس احتيالها عبر ادعائها بأنها منظمة إنسانية وتحاول مساعدة النازحين والفقراء لإثارة استعطاف ضحاياها وكسب ثقتهم".
وأضاف أن "طريقة الاحتيال تتم عبر استبدال عملات أجنبية رخيصة أو قديمة بأخرى عراقية أو بالدولار الأميركي"، مؤكداً أن "أفرادها يتكلمون اللهجات الخليجية بطلاقة". وتابع أن "من العملات التي يتم استبدالها مع المواطنين العملة البيلاروسية وهي بلا قيمة مادية عالية في الأسواق العراقية أو الأسواق الأخرى مقارنة بالعملات الأخرى".
وأوضح عثمان أن "أغلب المستهدفين في عمليات النصب هذه هم كبار السن، إذ يخدعونهم عبر الادعاء بأنهم منظمات إنسانية تنوي مساعدتهم، ولا توجد صيرفة لفك العملة التي يملكونها، وتتم بهذا الشكل عملية النصب". وبين أن "تلك العمليات غالبًا ما تكون في أوقات الصباح الباكر، والذي لا يوجد فيه صيرفات قد فتحت بعد".
وأوضح أن "العصابة عند تنفيذها للعملية تكون منقسمة إلى مجموعتين، تبدأ بشخص يتكلم مع الضحية، من ثم يتبعه الآخرون كطرف ثالث يتعامل مع الأموال على أنها فرصة لا يمكن تركها، ما يدفع الضحية إلى القبول السريع بتلك الصفقة التي من خلالها يعطي الضحية ما يملك من ذهب وأموال مقابل تلك العملة". وذكر القاضي عثمان أن "رئيس العصابة تكلم أمامي بلهجات متنوعة وجميعها يتقنها تماماً، واعترف بأنه كان يعيش في دول أخرى ويمارس نفس أنواع النصب في تلك الدول". وأكمل أن "العصابة مكونة من ستة أشخاص، أحدهم يمارس دور الضحية الوهمية، فضلاً عن سائق تكسي، وموزعة مهامهم وفق آلية مدروسة ومدربين عليها جيداً". وحمل عثمان المواطنين جزءاً من المسؤولية، لافتاً إلى أن "الطمع والجهل يوقعهم ضحية هذه الأعمال".
ويذهب عثمان إلى أن "العصابة في خططها تتعامل بجدية مع أي مبلغ حتى وإن كان قليلاً على أمل أن يقنعوا [البوز] بأموال أكثر". و(البوز) مصطلح يطلقه أفراد العصابة على الضحية، وتستعمل هذه الكلمة التي تقترب من معنى (مغفل) في سوريا. ويروي القاضي ما ورد على لسان رئيس العصابة بأن "امرأة قالت أن في بيتها 500 ألف دينار وبعد أن أرسلوا معها سائق الأجرة الذي هو من ضمن العصابة، فوجئ الجميع بجلبها 34 مليون دينار وتريد أن تصرفها بالعملات التي يمتلكونها". وأكد قاضي أول المحكمة مصطفى سامي أن "المحكمة استقبلت ما يقارب الخمسين شكوى منذ سنتين، متعلقة بعمليات النصب".
وقال سامي إن "جميع التبليغات متشابهة من خلال الأوصاف المتعلقة بإعداد أفراد العصابة وأنواع السيارات"، مشيراً إلى أن "تلك العصابة ليست الوحيدة وهناك عصابات في مناطق أخرى تستعمل الأساليب نفسها دون وجود تنسيق بينهم". وأكمل أن "الشكاوى التي كانت ترد إلى محكمة الأعظمية مرفقة بورقة نقدية، وبعد مخاطبة البنك المركزي العراقي تبين أنها عملة صحيحة لدولة بيلاروسيا وما زالت تصدر من البنك المركزي البيلاروسي، ولكن مقدار صرفها هو ثلاثة دنانير عراقية لكل 100 روبية بيلاروسية، ولا يوجد أي مصرف في العراق يقوم بتصريفها".
وعن كيفية إلقاء القبض على العصابة، ذكر القاضي أن "كاميرا مراقبة تعود لمحل تجاري رصدت علامة فارقة موجودة على واحدة من عجلتي العصابة، وهما نوع (هيونداي ألنترا)، والأخرى نوع (سايبا) وكلاهما سيارة أجرة".
واستطرد أن "القوات الأمنية لم تستطع التحقق من رقم العجلتين لكنها رصدت العلامة الفارقة جيداً وهي صورة موضوعة خلف الـ(هيونداي) وجرى تعميمها على نقاط تفتيش الأعظمية".
وأورد أن "معلومات وصلت تفيد بأن العجلتين دخلتا الأعظمية من جهة ساحة الدلال واتجهتا إلى منطقة الصليخ، للقيام بعملية تبين لاحقاً أنها منيت بالفشل".
وذكر سامي أن "العصابة انسحبت باتجاه الوزيرية وقبل وصولها إلى ساحة عنتر تم القبض عليها عند نقطة التفتيش القريبة من مصرف حكومي"، مبيناً أن "عملات أجنبية فضلاً عن مبالغ عراقية تم ضبطها بحوزة المتهمين". وأوضح سامي أن "أفراد العصابة اعترفوا بجميع العمليات المنسوبة إليهم، وأن مسؤولها كان مسجوناً عام 2001 في السجون العراقية بتهمة النصب على المواطنين وبعد خروجه أخذ يمارس المهنة نفسها في الدول العربية". وبين أن "العصابة بدأت تمارس عمليات النصب في سورية، إذ أن المتهم الرئيس في العصابة قد تعرف على شخص سوري الجنسية وعلمه اللهجة السورية، وهربا معا إلى اللاذقية ليمارسا عمليات النصب والاحتيال، وبعد ذلك عاد إلى العراق وكون مع مجموعة من الأشخاص عصابته". وواصل سامي بالقول "من مفارقات العصابة أن أحد أفرادها قد انتقل إليها من عصابة أخرى كونه نحساً عليها فكل عملية يشترك فيها تفشل، وبعد انتقاله إلى المجموعة الجديدة قد جرى القبض عليهم من خلال اشتراكه في أول عملية".
أرسل تعليقك