أسباب أساسية أسهمت في ولادة الحكومة اللبنانية
آخر تحديث GMT20:51:33
 العرب اليوم -

أسباب أساسية أسهمت في ولادة الحكومة اللبنانية

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - أسباب أساسية أسهمت في ولادة الحكومة اللبنانية

الرئيس البناني سعد الحريري
بيروت - العرب اليوم

يتأثر لبنان بما يجري في محيطه، وهذا أمر طبيعي وتاريخي، وهذا ما دفع القوى المؤسسة للكيان اللبناني إلى اعتماد أو إقرار مبدأ الحياد تجنّبا لنقل نزاعات الخارج إلى الداخل، والتحييد لم يحل دون أن يتأثر لبنان برياح غربية من هنا وعربية من هناك، ولكن لم يسبق أن كان فاقدا قراره كما كان عليه الوضع إبّان حقبة الوصاية السورية.

ولا يمكن الكلام عن سبب واحد أدى إلى تأليف الحكومة بل هناك 5 أسباب أساسية أسهمت مجتمعة في ولادتها في هذا التوقيت بالذات، وبعد خروج الجيش السوري عام 2005 استعاد لبنان جزءا من قراره وحيويته الداخلية، بينما الجزء الآخر ظل خارجيّا بفعل دور «حزب الله» الإقليمي ورفضه تسليم سلاحه للدولة اللبنانية.

وعلى رغم من ذلك استعادت الحياة السياسية الداخلية وزنها وتأثيرها، وأصبحت العوامل الداخلية تطغى أحياناً على العوامل الخارجية، وهذا ما حصل مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ولكن الأهم في كل ذلك انّ التدخل الخارجي لم يعد مرئياً ولا فظاً ولا مباشراً، فالتدخلات الخارجية تحولت تمنيات وتحذيرات، وهذه التدخلات لم تنجح مثلاً في ثَني عون عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، ولم تنجح ايضاً في دفع خصومه الى انتخابه، وهذا الانتخاب لم يحصل إلّا نتيجة التفاهمات التي أبرَمها عون مع «القوات اللبنانية»، ومن ثم مع تيار «المستقبل»، وأخيراً مع «الحزب التقدمي الإشتراكي»، واضعاً نفسه على مسافة واحدة من الجميع، أي انتقاله من موقع الطرف إلى موقع الوسط، وما حصل رئاسياً إنسحب حكومياً، حيث لم تولد الحكومة سوى نتيجة عوامل داخلية، وقد يكون بعضها بأبعاد خارجية، تجمّعت وأدّت إلى ولادة هذه الحكومة.

وبالتالي، لا يمكن الكلام عن عامل واحد، إنما عوامل عدة وترتدي الأهمية نفسها:

- العامل الأول، وصول الوزير جبران باسيل إلى اقتناع بأنّ عامل الوقت لم يعد يخدم سَعيه في اتجاه انتزاع الثلث المعطّل، وانّ عامل الوقت هذه المرة مختلف عن المرات السابقة في أمرين أساسيين:

الأول هو أنّ العهد عهده والاستنزاف يصيبه مباشرة، فيما الاستنزاف سابقاً كان يطاول غيره، وبالتالي لا يأبه للفراغ إذا استمر أشهراً أو سنوات.
والأمر الثاني هو أنّ الوضع الاقتصادي هذه المرة يختلف عن السابق، والانهيار يكاد يكون حتمياً، ولا مصلحة له في حصول هذا الانهيار الذي يؤدي تلقائياً إلى انهيار الوضع السياسي السائد.

وحاول باسيل بشتى الوسائل الاحتفاظ بـ«الثلث المعطّل»، إن من خلال استعادة الوزير المسيحي من الرئيس سعد الحريري وتمثيل «التشاوري» من حصة «المستقبل»، أو تمثيله بشخصية تكون في الشكل والمضمون داخل تكتل «لبنان القوي»، أو عبر إعادة النظر في حصص أخرى واتفاقات سابقة، لكن بعد سقوط كل هذه المحاولات، وأمام إصرار «حزب الله» على انتزاع الثلث منه، وهذا تحديداً ما قاله النائب سليمان فرنجية في بكركي الذي ما زال صدى كلماته يتردد عندما توجّه إليه بالقول: «تنازل عن الثلث لتتشكّل الحكومة غداً»، وهذا ما حصل حقيقة. وبالتالي، إنّ وصوله إلى الحائط المسدود، وخطورة استمرار الفراغ دفعاه في نهاية المطاف إلى التنازل عن «الثلث المعطّل».

- العامل الثاني، تلويح الحريري بخطوات تصعيدية في حال لم تؤلف الحكومة، والمطلعون على موقف الحريري، ومنهم باسيل طبعاً، يدركون تماماً أنه كان أمام الرجل 3 خيارات: الانتقال إلى السراي الحكومي، الاعتذار من أجل إعادة التكليف، والاعتذار ورفض التكليف مجددا. والخيار الأخير الذي كان جدياً يعني سقوط التسوية السياسية ودخول لبنان في عزلة عربية ودولية، وحتى تصريف الأعمال او إعادة التكليف يعني خلط الأوراق وقلب الطاولة وتمديد الفراغ ووضع الجميع، وتحديداً المعرقلين، أمام الأمر الواقع الآتي: إمّا الالتزام بشروطي أو لا حكومة، لأنّ الحريري لم يعد في استطاعته المسايرة ولا الاستمرار في المراوحة.

ولا يجب التقليل من هذا العامل الذي دفع التأليف قُدماً في اعتبار انّ موقف الحريري الحاسم كان كفيلاً بأخذ البلاد في اتجاه آخر، والدكتور سمير جعجع كان يستعد لملاقاته ترجمة للاجتماع الباريسي بينهما، ودعوته تكتل «الجمهورية القوية» كانت بخلفية تصعيدية، لأنّ الوضع لم يعد يتحمّل استمرار الفراغ والمناورات على حساب الناس والبلد. وبالتالي، لو لم تتشكّل الحكومة لكان لبنان حكماً أمام مشهد سياسي جديد.

- العامل الثالث يرتبط بالواقع الاقتصادي الذي وصل إلى حافة الهاوية، ولم تعد تنفع معه الترقيعات، ويتطلّب معالجات بنيوية لإعادة وضعه على السكة الصحيحة، والتحذيرات على هذا المستوى داخلية وخارجية، فضلاً عن اهتزاز الثقة الدولية، وعدم استبعاد انهيار الوضع بكامله والدخول في فوضى وثورات تبدأ من مكان يصعب التكهُّن لاحقاً بمؤدياته ونتائجه والمسار الذي يمكن ان يدفع البلاد إليه.

- العامل الرابع، مؤتمر وارسو الذي يعمد البعض إلى تبسيطه والتعامل معه وكأنه جلسات «عَصف فكري»، وهذا التبسيط لا يفيد أحداً، خصوصاً انه يلتئم في ضوء قرار أميركي كبير بالعقوبات على طهران ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، ودفع إيران إلى طاولة المفاوضات للبحث في دورها وضرورة تغييره قبل اللجوء إلى مزيد من الخطوات التصعيدية، فالولايات المتحدة تريد حشد أوسع تأييد دولي لمواجهتها مع طهران، ومؤتمر وارسو يدخل في هذا الاتجاه تحديداً، ما يعني انه سيُصار إلى تسريع الخطوات التصعيدية، وهذا التصعيد قد لا يقتصر على إيران بل يمتد إلى فروعها، وفي طليعتها «حزب الله» الذي يواجه بدوره عقوبات شديدة، ولكن من يستطيع ان يجزم مثلاً انه بعد مؤتمر وارسو لن يتعذّر على لبنان تأليف حكومة تضمّ «الحزب»؟

ولذلك، فضّل ان تتألف الحكومة تلافياً لأيّ مفاجآت وعلى قاعدة «حكومة في الجيب أفضل من لا حكومة»، واستعداداً لكل الخيارات، خصوصاً انّ الامين العام للحزب السيّد حسن نصرالله تَقصّد في مقابلته التلفزيونية الأخيرة أن يضع نفسه وراء الجيش والدولة وتحت سقف «اتفاق الطائف»، وبالتالي الدخول في الحكومة في هذه المرحلة يشكّل مصلحة استراتيجية للحزب.

ـ العامل الخامس يتصل بالخشية الدولية من انفراط لبنان في حال لم تؤلَّف الحكومة، لأنه لا يريد أن تنفجر في وجهه أزمة اللاجئين، كذلك لا يريد ان تتمدّد ساحات النزاع التي يريد حصرها والتحكم بها، ولهذا السبب كان يضغط في اتجاه تأليف الحكومة، وفي أسوأ الحالات، تفعيل حكومة تصريف الأعمال تجنّباً لانهيار البلد اقتصادياً، وتداعيات انهيار من هذا النوع على البلد برمّته.

إنّ كل هذه العوامل تُشكِّل مجتمعة الدوافع الى تأليف الحكومة من وصول باسيل إلى نتيجة مفادها انّ انتزاع «الثلث المعطّل» غير ممكن، مروراً بتلويح الحريري بقلب الطاولة، وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية التي وضعت لبنان على شفير الهاوية، ومؤتمر وارسو الذي يمكن ان يشكّل مفصلاً أساسياً يؤدي إلى إعادة ترتيب أوضاع المنطقة برمتها، والخشية الدولية على الاستقرار اللبناني.

قد يهمك ايضَا:

إطلاق مسمي "حكومة العمل" على الحكومة اللبنانية الجديدة

"موديز" تؤكد أن الحكومة اللبنانية تواجه تحديًا كبيرًا في خفض الدين

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسباب أساسية أسهمت في ولادة الحكومة اللبنانية أسباب أساسية أسهمت في ولادة الحكومة اللبنانية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab