السيدة وسن من مدينة نينوى في نهاية الثلاثينيات من العمر، أمٌ لطفلين توأم وَلَدٌ وبنت، حاصلةٌ على شهادة الماجستير باللغة العربية وكانت تُحاضر في إحدى الكليات الأهلية في بغداد، فقدت زوجها في آذار/مارس عام ٢٠١٢ أثر تفجير انتحاري بعجلة مفخخة في منطقة العلاوي وسط بغداد.
وسن عانت من ذلك التغيير الصادم بحياتها التي لم تكن تقليدية ولا تراتبية بل كانت متجددة، ولم تكن تحتاج أحداً أبداً، وفجأةً انتهى الحلم الذي كانت تعيشه ودخلت في كابوس مظلم، كان قرارها الأول تأجير البيت والانتقال للعيش مع أهلها في الموصل، بسبب ظروف المعيشة الصعبة في بغداد وفقدان فرصة الحصول على وظيفة مناسبة ودخول الأطفال المرتقب إلى المدارس وتكاليف الدراسة والنقل، يضاف إلى كل ذلك رفض بسمة الترويج لمعاملة التعويض لشعورها بالإهانة من المراجعة، إلى الدور والاستهانة بروح زوجها.
وفي نهاية عام ٢٠١٢، ومع بدء العام الدراسي، انتقلت وسن إلى الموصل وقامت بتسجيل أطفالها بمدرسة نموذجية، على الرغم من علمها أن الموصل ليست ملائمة للعيش والاستقرار لكن الضرورة تحكم أحياناً. والموصلي تروي قصتها التي بدأتها من تعودها العيش في بيت أهلها الكبير المساحة وفي منطقة هادئة، وتعتبر من المناطق الراقية في الجانب الأيسر، ساعد في سرعة اعتياد اطفالها العيش.
وقالت "لا يوجد في البيت سوى والدتي ووالدي وأخي الأصغر طالب بكلية الهندسة وأخ كبير خارج العراق وأخت صغرى متزوجة، ففكرت بمشروع من شأنه يساعدني على المعيشة، وبنفس الوقت املأ وقت الفراغ الذي كاد أن يقتلني من شدة التفكير، فتواصلت مع شركة لصناعة العباءات النسائية في دبي.
وأضافت صاحبة الشركة لبنانية تكلمت معها وتعاطفت معي وساعدتني بالأسعار وكانت البضائع لا تتأخر عندي لجودتها وسعرها المناسب، وفتحت محلاً صغيراً من نفس البيت لعرض البضائع، فأستبشرت خيراً لأن ما خططت له لاح أمامي، فترتيب وضعي المادي كان من أولوياتي ليتسنى لي بعد خمس سنوات على الأكثر، السفر خارج العراق والاستقرار في إحدى الدول، التي يمكن أن أكفل بها مستقبل أطفالي.
وتستدرك الموصلي "لكن القدر لاحقني من جديد وكانت النكبة السوداء حينما دخل التنظيم المتطرف إلى نينوى، واحتل مدنها تباعاً ولكوني اعرف جرائم هذا التنظيم ومافعلهُ بالعراق عامةً وبغداد على وجه الخصوص، اتخذنا قرار الرحيل من الموصل". وتابعت فأرسلنا بطلب أحد الأقارب وكانت لديه سيارة أجرة بعد أسبوعين تقريباً من دخول التنظيم. متابعة "اتفقنا معه على إخراجنا وقد أبلغت الذين استأجروا بيتي، في حي الجامعة بضرورة إفراغه واستجابوا لطلبنا لمعرفتهم بالذي جرى وحاول السائق جلب سائق آخر معه ولكن لم يفلح.
ونوّهت وسن "فصار الاتفاق أن يكون الرحيل على وجبتين، فأرسلت اخي وأطفالي مع بعض الحاجيات الضرورية ليوصلهم وبعدها يرجع يأخذنا. مستدركة "لكن رحلتهم إلى بغداد كانت شاقة ومرهقة ومتعبة استمرت ثلاثة أيام، وبعد أن أوصلهم، رجع السائق بعد خمسة أيام تقريباً وبمجرد دخوله للموصل خطفهُ التنظيم وبعد أسبوعين، افرجوا عنه بعدما أخذوا تعهداً منه بعدم إخراج أية عائلة إلا بعد أخذ موافقتهم".
وتسترسل الموصلي "شعرت من جديد أن الزمن قد توقف وإن القادم أسوأ لا محالة وحاولتُ جاهدة أن أخرج وأهلي من الموصل، ولكني لم انجح والمفاجأة الأكثر إيذاءً أنه وبعد أن استنجدت بزوج اختي كونهُ الرجل الوحيد الباقي معنا، قام الأخير بتحذيرنا وتهديدنا فيما لو قمنا بمثل هذه المحاولات. مؤكدة كانت الصدمة كبيرة خاصة بعد معرفة إنه كان مسؤولاً لإحدى الخلايا الأمنية النائمة التابعة للتنظيم، حتّى أن اختي لم تكن تعلم به، فلم يتحمل والدي مارآه وسمعه فضربته جلطة وأصابه شلل. مستطردة وبعد شهرين ولقلّة العلاج والعناية الطبيّة توفّى، وبوفاة والدي انتهى الأمل لديّ، لم احتمل أن أفقد زوجي ووالدي وأخي، وأطفالي بعيدون عني ومصيرهم مجهول.
لكن وسن لم تيأس فكررت المحاولة للهروب واتفقت مع أحد سائقي الأجرة بالخفاء، بمبلغ قدره ستة آلاف دولار، ولكن المتطرف زوج اختها، كان قد اكتشف الموضوع، وقام ومن معه بقتل السائق بحجة تهريب أفراد الجيش والشرطة، فتأكدت أن نهايتها قد حانت، خاصةً وأن زوج اختها نفذ تهديده هذه المرة وحاول قتلنا لولا وقوف اختها بوجهه ومنعه، طيلة تلك الفترة كانت أخبار أطفالها وأخيها تأتي متقطعة، بسبب رداءة شبكة الاتصالات ما ضاعف معاناتها.
ومع كل هذه الضغوط غير العادية تمكن اخوها طالب كلية الهندسة من تسجيل اطفالها بالمدرسة وقدم أوراقه ليستمر بدراسة الهندسة، واستطاع شراء سيارة أجرة بالتقسيط ليعيل نفسه وأطفال اخته، فكان أماً لهم وأباً، واعتبرهم المجلس البلدي بمنطقة حي الجامعة من النازحين وقدموا لهم المعونات الغذائية متى ما وصلت. إذ تبيّن وسن " أن وضعهم مهما كان، افضل من وضعنا بالموصل، فلم تكن المدينة إلا مدينة أموات متمثلة بالأهالي الذين لم ينتموا ولم يبايعوا التنظيم وأشباح ملثمون بالمتطرفين وأنصارهم، الذين قتلوا كل شيء جميل بالموصل، وبات أهلها فاقدين للثقة بعضهم ببعض، فالبنية الاجتماعية تغيرت تماماً بعد احتلال التنظيم لمدن نينوى.
نهاية عام 2015 وتحديداً في شهر كانون الأول/يناير، في أحد الأيام كان البرد، والمطر قد اشتد، قبلها خرجت وسن لتنظيف حديقة وكراج البيت، وماهي إلا دقائق حتى هجم عليها عناصر ما تسمّى الحسبة على البيت وكسروا الباب الخارجي ودخلوا يصرخون ويلعنون كانوا ثلاثة، اثنان عرب حسبما تشير لهجتهما لدول شمال افريقيا، وواحد عراقي. مضيفة "ركضت لأحتمي بوالدتي بالمطبخ ولكنهم واصلوا الدخول إلى باب المطبخ الخارجي، وكان الموقف بغاية الصعوبة".
وفلم يكن مني إلا المواجهة وصرخت بهم على مافعلوه لأقتحامهم البيت دون حساب لحرمته، واتضح سبب دخولهم هو لأني لم أكن ارتدي الحجاب والزي الشرعي الكامل الذي أمروا به. متابعة "إذ كانوا يقومون بالمراقبة والتجسّس من وراء جدار البيت وازداد صراخهم وبلغت حد الشتائم، فلم اتمالك أعصابي فقمت بضرب أحدهم بسكين كبيرة، والآخر دلوت عليه زيت الطبخ الذي كان على الطباخ فحرقت وجهه كله، فأنهال العراقي بالضرب. لافتة "الى خروجهم وهم يتوعدون بعد عشر دقائق، جاءت امرأتان يرتديانَ زياً أسود شرعياً كما يسمّونه، اعتصبتا عيني وضربتا والدتي وذهبتا بي إلى جهة مجهولة".
هنا بدأت مرحلة أخرى من حياة وسن، إذ تعرضت على مدى أربعة أيام للتعذيب الشديد على يد نساء التنظيم عربيات وعراقيات، حتّى فقدت وعيها إثر التعذيب والجروح التي ملأت جسدها، لكن كل ذلك لم يشفع لها حين عُرضت على ما يسمّى القاضي الشرعي والذي أصدر حكماً بالقصاص ذبحاً لتكون وبحسب تعبيره (عبرة لمن تسول له نفسه التطاول على جنود الخلافة).
عن تلك المرحلة تقول السيدة الموصلية "بقيت بأحد السجون مع إمرأتين، كان التنظيم قد اتهمهما بالسرقة وبقيت بحدود الشهر بالسجن، إلا أن جاء شخص ذو لحية كثيفة قصير القامة قبيح الشكل يدعى (ابو عبدالله) قدم عرضاً الموت دونه رحمة عرض الزواج مني قبال إخراجي من السجن، فرفضت رفضاً قاطعاً فقاموا بتحويلي الى سجن آخر، وبقيت بغرفة لوحدي لمدة أسبوع.
وتابعت "خلال هذه الفترة عرض نفس الشخص الموضوع مرة ثانية، ورفضت بقوة وفي خضم الوحدة والألم فكرت منطقياً وعقلانياً وابتعدت عن المشاعر والعاطفة، فوجدت أن موتي لا يحل المشكلة ولا يغير شيئاً من الواقع بمجتمع هانت عليه نفسه، فتكلمت مع السجّانة وكانت من دول جنوب شرق آسيا، وأرسلت بطلب نفس الشخص وأبلغته موافقتي. مستدركة "لكن شريطة أن يكون العقد علنياً وشرعياً على يد رجل دين معروف لدى المجتمع الموصلي بتدينه وعدالته بالبداية رفض ولكنه استسلم بعد حين، والشرط الثاني أن ابقى ببيت أهلي مع والدتي. ولم أكن أعلم أن المتطرفين لم يعتادوا الزواج بهذه الطريقة إلا أنه اعترف بأن (جمالي سحره) وقد استغليت هذا الاعتراف لصالحي".
وتبيّن وسن "لم اكن اتعامل مع هذا المتطرف إلا بخشونة وبوجه عابس، ولكن مع ذلك لم يكن يأبه وهذا طبيعي فهم بلا شعور أو أحاسيس. مضيفة "والأكثر من ذلك أن زوج اختي كان يأتي كل أسبوع تقريباً ويفتش البيت تفتيشاً دقيقاً بحثاً عن موبايل أو جهاز ستلايت. متابعة: وكان يحذرنا فيما لو تم الاتصال مع أخي أو أطفالي في بغداد، وفِي هذه الفترة كان وضعي النفسي بغاية السوء وكنتُ اتمنى فقط سماع صوت أطفالي.
وتستطرد الموصلي بحديثها: بعد ستة أشهر من العناء واليأس والمرارة وفِي ساعة متأخرة من الليل تفاجأت بوالدتي وهي تمسك بموبايل صغير وقديم انتابني شعور بالغضب لكونها لم تخبرني مسبقاً والفرح لأنني عرفت أنها كانت كل اسبوع تكتب لأخي وتطمأن عليهم في بغداد. مردفة "في نفس الوقت، كان معها حق لتكتم الموضوع، لأن الوضع كان خطيراً ومُريباً والثقة معدومة تماماً، فعقلها الباطن لم يكن يتحمل أن بناتها الاثنتين متزوجتان من قتلة ومجرمين، وكانت تخبئ جهاز الموبايل كل اسبوع، بمكان، مرةً بكيس الرز وبعدها بكيس السكر، وهكذا خوفاً من المحذور فلم نكن نعلم أياً من أهالي المنطقة انتمى مع المتطرفين أو من معهم".
وأكدت "أنه وبعد هذا اليوم أعصابي بدأت تهدأ واستطعت أن ارتّب افكاري استعداداً للانتقام من الذين كانوا السبب باستشهاد زوجي ووفاة والدي وابتعادي عن أطفالي وتعذيبي، وإرغامي على الزواج من وحشٍ بشري تفوح منه رائحة الغدر والخيانة والعمالة". ووفق تلك التطورات طلبت وسن من أخيها الذي يسكن في بغداد عبر رسالة (موبايل) البحث عن طريقة تصل فيها إلى جهة أمنية، تؤمّن لهم الإحداثيات اذ لم يعد أمامها من طريقة للخلاص غير ذلك. وبالفعل استطاع أخوها وعن طريق الصدفة التعرف على ضابط شرطة بمنطقة حي الجامعة، فحكى له حكايته مع التنظيم وبعد عشرة أيام تقريباً، وجدت رسالةً من اخيها جاء فيها (ضروري تكتبون أو تتصلون).
وتوضح وسن "فقمنا بالكتابة لأنها الوسيلة الأسلم لعدّة أسباب أهمها ضعف الشبكة والخوف مِن سماع الصوت، إذ فهمنا من الرسائل بضرورة التواصل في وقتٍ لاحق وبوقت معلوم لموضوع مهم وضروري. مضيفة: اتفقنا على الموعد بعد ثلاثة ايام وفِي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وبالفعل تم التواصل بالرسائل وكان حاضراً ضابط من خلية الصقور الاستخبارية وكانت هذه الخطوة الأولى بالاتجاه الصحيح للثأر من هؤلاء القتلة.
عن ذلك التعاون والاتصال يقول مصدر استخباري رفيع المستوى بخلية الصقور: تم ترتيب كيفية الاتصال من حيث اختيار الوقت المناسب كما تم الاتفاق على تغيير اسلوب التعامل تدريجياً نحو الأفضل والذي من شأنه كسب معلومات إضافية تساعد في ضرب التنظيم. مضيفاً: إذ استطاعت وسن تزويد الخلية بمعلومات دقيقة كونها سيدة متعلمة وتعرف كيف تستحصل على المعلومة وكيف تنقلها حيث تم قصف ١٣ هدفاً مهماً جداً في الموصل وبمناطق مختلفة دون أن يصاب أي مدني من بينها مضافة سرية جداً للانتحاريين كان التنظيم يمررهم بين فترة واُخرى إلى شمال بغداد. مشيراً: الى مضافة أخرى كان التنظيم يتخذ منها مستودعاً للمواد الكيميائية المطوّرة من قبل ما تسمى هيأة البحث بالتنظيم.
وأضاف المصدر الاستخباري: كما تم التعرف على عدد من القيادات العراقية من الذين كان عملهم خافياً على الأجهزة الأمنية. عازياً ذلك لأن التنظيم كان يتحفظ تماماً بأن لا يعرفهم حتى عناصر التنظيم أنفسهم، والسبب أن هؤلاء كانوا يدخلون الى بغداد بحذرٍ شديد وكانوا دائماً ملثمين حتى بالموصل. مؤكداً: انهم كانوا ينزعون اللثام في بيت اختها التي تزوره بين آونة وأخرى، وذات مرة شاهدتهم واستطاعت وصفهم وصفاً دقيقاً، وبالتالي تم رسمهم من قبل خبراء الخلية والتعرف عليهم وهم ثلاثة، حيث تم إلقاء القبض على اثنين منهم في بغداد، بعد شهر وكان أحدهم قيادياً بارزاً ومهماً بالتنظيم.
بعد اشتداد الضربات الجوية ومقتل العديد من قيادات داعش فكرت وسن بطريقة للثأر، فانطلقت فكرة رغم المخاوف الكبيرة من فشلها، الا انها أصرت على تنفيذها، إذ اقترحت على "زوجها" المتطرف الملقب (ابو عبدالله ) أن يأتي عدد من (الإخوة) كما وصفتهم بحديثها معه الى بيتهم كونه كبير المساحة وخارج نطاق الشك. موضحة: لم يستغرب من الطلب لأنني تغيرت في أسلوب التعامل بحسب الاتفاق مع الاستخبارات عجبته الفكرة، وقام مراراً بجلب هؤلاء الى البيت وكنتُ قد أخبرت الاستخبارات بذلك ومع كل وجبة جديدة كُنتُ احاول جاهدة الحصول على أوصافهم وأسمائهم وكنت تارةً انجح وتارةً افشل. مردفة: إلا أن جاء يوم وذقت ذرعاً بكل الذي يجري وفقدت حلمي واعصابي، وقررت قتلهم جميعاً فتحججت بمرض والدتي وأخذتها مع أختي للفحص حيث أرسل (ابو عبدالله) لنا سائق تكسي وكان من عناصره.
وتضيف الموصلي: وفعلاً ذهبنا للطبيبة وفِي نفس اليوم اشتريت افضل انواع (السم) القاتل للقوارض من السوق بخمسة آلاف دينار، وكان السائق يراقبنا بحذر ولكنه لم يكتشف شيئاً ثم رجعنا للبيت. وبعد يومين جاءني قائلاً، أن هناك (إخوة) مهمين سيأتون معي إذا كان لا يزعجك وسيبقون لبعض الأيام، واتضح انهم مهمون فعلاً، لأن زوج اختي كان حاضراً ولم يكن يفارقهم تقريباً. متابعة: فتحججت مرةً اخرى بالتعب وأخبرته أن يأتي بأختي لتساعدني والغريب أنه وافق ولم يُعارض وكان هذا من حُسن الحظ، فعزمت على تنفيذ خطتي دون إخبار والدتي وأختي التي كان لها طفل واحد من زوجها المتطرف وكانت تكرهه كره العمى.
وتسترسل وسن أثناء تحضير وجبة الغداء أفرغت علبة السم كلها وما أن بدأوا بتناوله حتى أحسّوا بالغثيان والتقيؤ وكانت اللحظة الحاسمة التي فقدت فيها عقلي وجننت فأخذت بندقية أحدهم وأفرغتها بهم وسط ذهول والدتي وأختي وصُراخ طفلها وعددهم سبعة من بينهم زوج اختي أيضاً. مضيفة: ومن حسن حظي مرتين، الأولى حينما لم يحضر أو يسأل أحد عن مصدر الصوت على الرغم من إنني أطلقت بحدود العشرين إطلاقة، والثاني شبكة الموبايل التي استطعت أن اتصل من خلالها بأخي وإخباره. متابعة: بدوره أخبر رجال الخلية الذين أرسلوا لي عنواناً بمنطقة تبعد نحو ١٥ كم عن حي الزهور الذي نسكنه وعلى الفور أخذت والدتي وأختي وطفلها وخرجنا من المنطقة.
وتستطرد الموصلي: كان الهدوء شديداً فيها واستأجرنا تكسي للعنوان، وكان محل أسواق مواد غذائية فيه رجل كبير السن ذو لحية كثيفة وجلباب قصير بادئ الأمر تخوفنا منه كون هيأته تدل على انه واحد منهم. مستدركة: لكن بمجرد أن دخلنا للمحل عرفنا بنفسه ومباشرةً صعدنا معه بسيارته، فقد وصلته بعض التفاصيل من الخلية واتضح انه رجلٌ وطني وشجاع ومتعاون مع الأجهزة الأمنية والاستخبارية في بغداد ومصدر موثوق لديهم. مضيفة: أخذنا إلى بيتهِ وكانت زوجته امرأة كبيرة بالعمر باستقبالنا وابنته الأرملة وأطفالها الذي يتّمهم المتطرفين .
وتؤكد السيدة العراقية الموصلية: قضينا اليوم الأول ونحن في غاية الاضطراب على الرغم من حسن معاملة العائلة الطيبة، لأننا كنا نريد أن نعرف ما الذي جرى وحصل، وجاء الجواب في عصر اليوم الثاني، بعد أن سأل مضيّفنا أنه تم قتل سبعة من قيادات داعش في أيسر الموصل فقاموا بإغلاق المناطق بحثاً عنا ونشروا جواسيسهم من الرجال والنساء وحتّى الأطفال. مبينة: انهم قاموا بنهب ممتلكات البيت كله وتفجيره وماهي إلا ثلاثة أشهر حتّى بدأ اقتحام الساحل الأيسر من قبل القوات العسكرية وبمجرد اقترابها للمكان الذي كنا نختبئ فيه قامت مجموعة خيرة من خلية الصقور بإخلائنا وإرجاعنا إلى بغداد واللقاء بأطفالي.
وتنهي وسن حديثها كُنتُ مترددة أن أتكلم عن تجربتي، ولكنني رأيت من واجبي الإنساني والأخلاقي أن أذكر مهنية هذا الجهاز وبطولة وشجاعة تلك الأسرة الكريمة والذي جمعني، وإياهم من جديد بيتٌ في بغداد كأسرة واحدة متحابين، ولابد أن يعرف القاصي والداني أن هذا التنظيم المتطرف لديه مخطط تخريبي لهدم البنية الاجتماعية قبل البني التحتية.السيدة وسن من مدينة نينوى في نهاية الثلاثينيات من العمر، أمٌ لطفلين توأم وَلَدٌ وبنت، حاصلةٌ على شهادة الماجستير باللغة العربية وكانت تُحاضر في إحدى الكليات الأهلية في بغداد، فقدت زوجها في آذار/مارس عام ٢٠١٢ أثر تفجير انتحاري بعجلة مفخخة في منطقة العلاوي وسط بغداد.
وسن عانت من ذلك التغيير الصادم بحياتها التي لم تكن تقليدية ولا تراتبية بل كانت متجددة، ولم تكن تحتاج أحداً أبداً، وفجأةً انتهى الحلم الذي كانت تعيشه ودخلت في كابوس مظلم، كان قرارها الأول تأجير البيت والانتقال للعيش مع أهلها في الموصل، بسبب ظروف المعيشة الصعبة في بغداد وفقدان فرصة الحصول على وظيفة مناسبة ودخول الأطفال المرتقب إلى المدارس وتكاليف الدراسة والنقل، يضاف إلى كل ذلك رفض بسمة الترويج لمعاملة التعويض لشعورها بالإهانة من المراجعة، إلى الدور والاستهانة بروح زوجها.
وفي نهاية عام ٢٠١٢، ومع بدء العام الدراسي، انتقلت وسن إلى الموصل وقامت بتسجيل أطفالها بمدرسة نموذجية، على الرغم من علمها أن الموصل ليست ملائمة للعيش والاستقرار لكن الضرورة تحكم أحياناً. والموصلي تروي قصتها التي بدأتها من تعودها العيش في بيت أهلها الكبير المساحة وفي منطقة هادئة، وتعتبر من المناطق الراقية في الجانب الأيسر، ساعد في سرعة اعتياد اطفالها العيش.
وقالت "لا يوجد في البيت سوى والدتي ووالدي وأخي الأصغر طالب بكلية الهندسة وأخ كبير خارج العراق وأخت صغرى متزوجة، ففكرت بمشروع من شأنه يساعدني على المعيشة، وبنفس الوقت املأ وقت الفراغ الذي كاد أن يقتلني من شدة التفكير، فتواصلت مع شركة لصناعة العباءات النسائية في دبي.
وأضافت صاحبة الشركة لبنانية تكلمت معها وتعاطفت معي وساعدتني بالأسعار وكانت البضائع لا تتأخر عندي لجودتها وسعرها المناسب، وفتحت محلاً صغيراً من نفس البيت لعرض البضائع، فأستبشرت خيراً لأن ما خططت له لاح أمامي، فترتيب وضعي المادي كان من أولوياتي ليتسنى لي بعد خمس سنوات على الأكثر، السفر خارج العراق والاستقرار في إحدى الدول، التي يمكن أن أكفل بها مستقبل أطفالي.
وتستدرك الموصلي "لكن القدر لاحقني من جديد وكانت النكبة السوداء حينما دخل التنظيم المتطرف إلى نينوى، واحتل مدنها تباعاً ولكوني اعرف جرائم هذا التنظيم ومافعلهُ بالعراق عامةً وبغداد على وجه الخصوص، اتخذنا قرار الرحيل من الموصل". وتابعت فأرسلنا بطلب أحد الأقارب وكانت لديه سيارة أجرة بعد أسبوعين تقريباً من دخول التنظيم. متابعة "اتفقنا معه على إخراجنا وقد أبلغت الذين استأجروا بيتي، في حي الجامعة بضرورة إفراغه واستجابوا لطلبنا لمعرفتهم بالذي جرى وحاول السائق جلب سائق آخر معه ولكن لم يفلح.
ونوّهت وسن "فصار الاتفاق أن يكون الرحيل على وجبتين، فأرسلت اخي وأطفالي مع بعض الحاجيات الضرورية ليوصلهم وبعدها يرجع يأخذنا. مستدركة "لكن رحلتهم إلى بغداد كانت شاقة ومرهقة ومتعبة استمرت ثلاثة أيام، وبعد أن أوصلهم، رجع السائق بعد خمسة أيام تقريباً وبمجرد دخوله للموصل خطفهُ التنظيم وبعد أسبوعين، افرجوا عنه بعدما أخذوا تعهداً منه بعدم إخراج أية عائلة إلا بعد أخذ موافقتهم".
وتسترسل الموصلي "شعرت من جديد أن الزمن قد توقف وإن القادم أسوأ لا محالة وحاولتُ جاهدة أن أخرج وأهلي من الموصل، ولكني لم انجح والمفاجأة الأكثر إيذاءً أنه وبعد أن استنجدت بزوج اختي كونهُ الرجل الوحيد الباقي معنا، قام الأخير بتحذيرنا وتهديدنا فيما لو قمنا بمثل هذه المحاولات. مؤكدة كانت الصدمة كبيرة خاصة بعد معرفة إنه كان مسؤولاً لإحدى الخلايا الأمنية النائمة التابعة للتنظيم، حتّى أن اختي لم تكن تعلم به، فلم يتحمل والدي مارآه وسمعه فضربته جلطة وأصابه شلل. مستطردة وبعد شهرين ولقلّة العلاج والعناية الطبيّة توفّى، وبوفاة والدي انتهى الأمل لديّ، لم احتمل أن أفقد زوجي ووالدي وأخي، وأطفالي بعيدون عني ومصيرهم مجهول.
لكن وسن لم تيأس فكررت المحاولة للهروب واتفقت مع أحد سائقي الأجرة بالخفاء، بمبلغ قدره ستة آلاف دولار، ولكن المتطرف زوج اختها، كان قد اكتشف الموضوع، وقام ومن معه بقتل السائق بحجة تهريب أفراد الجيش والشرطة، فتأكدت أن نهايتها قد حانت، خاصةً وأن زوج اختها نفذ تهديده هذه المرة وحاول قتلنا لولا وقوف اختها بوجهه ومنعه، طيلة تلك الفترة كانت أخبار أطفالها وأخيها تأتي متقطعة، بسبب رداءة شبكة الاتصالات ما ضاعف معاناتها.
ومع كل هذه الضغوط غير العادية تمكن اخوها طالب كلية الهندسة من تسجيل اطفالها بالمدرسة وقدم أوراقه ليستمر بدراسة الهندسة، واستطاع شراء سيارة أجرة بالتقسيط ليعيل نفسه وأطفال اخته، فكان أماً لهم وأباً، واعتبرهم المجلس البلدي بمنطقة حي الجامعة من النازحين وقدموا لهم المعونات الغذائية متى ما وصلت. إذ تبيّن وسن " أن وضعهم مهما كان، افضل من وضعنا بالموصل، فلم تكن المدينة إلا مدينة أموات متمثلة بالأهالي الذين لم ينتموا ولم يبايعوا التنظيم وأشباح ملثمون بالمتطرفين وأنصارهم، الذين قتلوا كل شيء جميل بالموصل، وبات أهلها فاقدين للثقة بعضهم ببعض، فالبنية الاجتماعية تغيرت تماماً بعد احتلال التنظيم لمدن نينوى.
نهاية عام 2015 وتحديداً في شهر كانون الأول/يناير، في أحد الأيام كان البرد، والمطر قد اشتد، قبلها خرجت وسن لتنظيف حديقة وكراج البيت، وماهي إلا دقائق حتى هجم عليها عناصر ما تسمّى الحسبة على البيت وكسروا الباب الخارجي ودخلوا يصرخون ويلعنون كانوا ثلاثة، اثنان عرب حسبما تشير لهجتهما لدول شمال افريقيا، وواحد عراقي. مضيفة "ركضت لأحتمي بوالدتي بالمطبخ ولكنهم واصلوا الدخول إلى باب المطبخ الخارجي، وكان الموقف بغاية الصعوبة".
وفلم يكن مني إلا المواجهة وصرخت بهم على مافعلوه لأقتحامهم البيت دون حساب لحرمته، واتضح سبب دخولهم هو لأني لم أكن ارتدي الحجاب والزي الشرعي الكامل الذي أمروا به. متابعة "إذ كانوا يقومون بالمراقبة والتجسّس من وراء جدار البيت وازداد صراخهم وبلغت حد الشتائم، فلم اتمالك أعصابي فقمت بضرب أحدهم بسكين كبيرة، والآخر دلوت عليه زيت الطبخ الذي كان على الطباخ فحرقت وجهه كله، فأنهال العراقي بالضرب. لافتة "الى خروجهم وهم يتوعدون بعد عشر دقائق، جاءت امرأتان يرتديانَ زياً أسود شرعياً كما يسمّونه، اعتصبتا عيني وضربتا والدتي وذهبتا بي إلى جهة مجهولة".
هنا بدأت مرحلة أخرى من حياة وسن، إذ تعرضت على مدى أربعة أيام للتعذيب الشديد على يد نساء التنظيم عربيات وعراقيات، حتّى فقدت وعيها إثر التعذيب والجروح التي ملأت جسدها، لكن كل ذلك لم يشفع لها حين عُرضت على ما يسمّى القاضي الشرعي والذي أصدر حكماً بالقصاص ذبحاً لتكون وبحسب تعبيره (عبرة لمن تسول له نفسه التطاول على جنود الخلافة).
عن تلك المرحلة تقول السيدة الموصلية "بقيت بأحد السجون مع إمرأتين، كان التنظيم قد اتهمهما بالسرقة وبقيت بحدود الشهر بالسجن، إلا أن جاء شخص ذو لحية كثيفة قصير القامة قبيح الشكل يدعى (ابو عبدالله) قدم عرضاً الموت دونه رحمة عرض الزواج مني قبال إخراجي من السجن، فرفضت رفضاً قاطعاً فقاموا بتحويلي الى سجن آخر، وبقيت بغرفة لوحدي لمدة أسبوع.
وتابعت "خلال هذه الفترة عرض نفس الشخص الموضوع مرة ثانية، ورفضت بقوة وفي خضم الوحدة والألم فكرت منطقياً وعقلانياً وابتعدت عن المشاعر والعاطفة، فوجدت أن موتي لا يحل المشكلة ولا يغير شيئاً من الواقع بمجتمع هانت عليه نفسه، فتكلمت مع السجّانة وكانت من دول جنوب شرق آسيا، وأرسلت بطلب نفس الشخص وأبلغته موافقتي. مستدركة "لكن شريطة أن يكون العقد علنياً وشرعياً على يد رجل دين معروف لدى المجتمع الموصلي بتدينه وعدالته بالبداية رفض ولكنه استسلم بعد حين، والشرط الثاني أن ابقى ببيت أهلي مع والدتي. ولم أكن أعلم أن المتطرفين لم يعتادوا الزواج بهذه الطريقة إلا أنه اعترف بأن (جمالي سحره) وقد استغليت هذا الاعتراف لصالحي".
وتبيّن وسن "لم اكن اتعامل مع هذا المتطرف إلا بخشونة وبوجه عابس، ولكن مع ذلك لم يكن يأبه وهذا طبيعي فهم بلا شعور أو أحاسيس. مضيفة "والأكثر من ذلك أن زوج اختي كان يأتي كل أسبوع تقريباً ويفتش البيت تفتيشاً دقيقاً بحثاً عن موبايل أو جهاز ستلايت. متابعة: وكان يحذرنا فيما لو تم الاتصال مع أخي أو أطفالي في بغداد، وفِي هذه الفترة كان وضعي النفسي بغاية السوء وكنتُ اتمنى فقط سماع صوت أطفالي.
وتستطرد الموصلي بحديثها: بعد ستة أشهر من العناء واليأس والمرارة وفِي ساعة متأخرة من الليل تفاجأت بوالدتي وهي تمسك بموبايل صغير وقديم انتابني شعور بالغضب لكونها لم تخبرني مسبقاً والفرح لأنني عرفت أنها كانت كل اسبوع تكتب لأخي وتطمأن عليهم في بغداد. مردفة "في نفس الوقت، كان معها حق لتكتم الموضوع، لأن الوضع كان خطيراً ومُريباً والثقة معدومة تماماً، فعقلها الباطن لم يكن يتحمل أن بناتها الاثنتين متزوجتان من قتلة ومجرمين، وكانت تخبئ جهاز الموبايل كل اسبوع، بمكان، مرةً بكيس الرز وبعدها بكيس السكر، وهكذا خوفاً من المحذور فلم نكن نعلم أياً من أهالي المنطقة انتمى مع المتطرفين أو من معهم".
وأكدت "أنه وبعد هذا اليوم أعصابي بدأت تهدأ واستطعت أن ارتّب افكاري استعداداً للانتقام من الذين كانوا السبب باستشهاد زوجي ووفاة والدي وابتعادي عن أطفالي وتعذيبي، وإرغامي على الزواج من وحشٍ بشري تفوح منه رائحة الغدر والخيانة والعمالة". ووفق تلك التطورات طلبت وسن من أخيها الذي يسكن في بغداد عبر رسالة (موبايل) البحث عن طريقة تصل فيها إلى جهة أمنية، تؤمّن لهم الإحداثيات اذ لم يعد أمامها من طريقة للخلاص غير ذلك. وبالفعل استطاع أخوها وعن طريق الصدفة التعرف على ضابط شرطة بمنطقة حي الجامعة، فحكى له حكايته مع التنظيم وبعد عشرة أيام تقريباً، وجدت رسالةً من اخيها جاء فيها (ضروري تكتبون أو تتصلون).
وتوضح وسن "فقمنا بالكتابة لأنها الوسيلة الأسلم لعدّة أسباب أهمها ضعف الشبكة والخوف مِن سماع الصوت، إذ فهمنا من الرسائل بضرورة التواصل في وقتٍ لاحق وبوقت معلوم لموضوع مهم وضروري. مضيفة: اتفقنا على الموعد بعد ثلاثة ايام وفِي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وبالفعل تم التواصل بالرسائل وكان حاضراً ضابط من خلية الصقور الاستخبارية وكانت هذه الخطوة الأولى بالاتجاه الصحيح للثأر من هؤلاء القتلة.
عن ذلك التعاون والاتصال يقول مصدر استخباري رفيع المستوى بخلية الصقور: تم ترتيب كيفية الاتصال من حيث اختيار الوقت المناسب كما تم الاتفاق على تغيير اسلوب التعامل تدريجياً نحو الأفضل والذي من شأنه كسب معلومات إضافية تساعد في ضرب التنظيم. مضيفاً: إذ استطاعت وسن تزويد الخلية بمعلومات دقيقة كونها سيدة متعلمة وتعرف كيف تستحصل على المعلومة وكيف تنقلها حيث تم قصف ١٣ هدفاً مهماً جداً في الموصل وبمناطق مختلفة دون أن يصاب أي مدني من بينها مضافة سرية جداً للانتحاريين كان التنظيم يمررهم بين فترة واُخرى إلى شمال بغداد. مشيراً: الى مضافة أخرى كان التنظيم يتخذ منها مستودعاً للمواد الكيميائية المطوّرة من قبل ما تسمى هيأة البحث بالتنظيم.
وأضاف المصدر الاستخباري: كما تم التعرف على عدد من القيادات العراقية من الذين كان عملهم خافياً على الأجهزة الأمنية. عازياً ذلك لأن التنظيم كان يتحفظ تماماً بأن لا يعرفهم حتى عناصر التنظيم أنفسهم، والسبب أن هؤلاء كانوا يدخلون الى بغداد بحذرٍ شديد وكانوا دائماً ملثمين حتى بالموصل. مؤكداً: انهم كانوا ينزعون اللثام في بيت اختها التي تزوره بين آونة وأخرى، وذات مرة شاهدتهم واستطاعت وصفهم وصفاً دقيقاً، وبالتالي تم رسمهم من قبل خبراء الخلية والتعرف عليهم وهم ثلاثة، حيث تم إلقاء القبض على اثنين منهم في بغداد، بعد شهر وكان أحدهم قيادياً بارزاً ومهماً بالتنظيم.
بعد اشتداد الضربات الجوية ومقتل العديد من قيادات داعش فكرت وسن بطريقة للثأر، فانطلقت فكرة رغم المخاوف الكبيرة من فشلها، الا انها أصرت على تنفيذها، إذ اقترحت على "زوجها" المتطرف الملقب (ابو عبدالله ) أن يأتي عدد من (الإخوة) كما وصفتهم بحديثها معه الى بيتهم كونه كبير المساحة وخارج نطاق الشك. موضحة: لم يستغرب من الطلب لأنني تغيرت في أسلوب التعامل بحسب الاتفاق مع الاستخبارات عجبته الفكرة، وقام مراراً بجلب هؤلاء الى البيت وكنتُ قد أخبرت الاستخبارات بذلك ومع كل وجبة جديدة كُنتُ احاول جاهدة الحصول على أوصافهم وأسمائهم وكنت تارةً انجح وتارةً افشل. مردفة: إلا أن جاء يوم وذقت ذرعاً بكل الذي يجري وفقدت حلمي واعصابي، وقررت قتلهم جميعاً فتحججت بمرض والدتي وأخذتها مع أختي للفحص حيث أرسل (ابو عبدالله) لنا سائق تكسي وكان من عناصره.
وتضيف الموصلي: وفعلاً ذهبنا للطبيبة وفِي نفس اليوم اشتريت افضل انواع (السم) القاتل للقوارض من السوق بخمسة آلاف دينار، وكان السائق يراقبنا بحذر ولكنه لم يكتشف شيئاً ثم رجعنا للبيت. وبعد يومين جاءني قائلاً، أن هناك (إخوة) مهمين سيأتون معي إذا كان لا يزعجك وسيبقون لبعض الأيام، واتضح انهم مهمون فعلاً، لأن زوج اختي كان حاضراً ولم يكن يفارقهم تقريباً. متابعة: فتحججت مرةً اخرى بالتعب وأخبرته أن يأتي بأختي لتساعدني والغريب أنه وافق ولم يُعارض وكان هذا من حُسن الحظ، فعزمت على تنفيذ خطتي دون إخبار والدتي وأختي التي كان لها طفل واحد من زوجها المتطرف وكانت تكرهه كره العمى.
وتسترسل وسن أثناء تحضير وجبة الغداء أفرغت علبة السم كلها وما أن بدأوا بتناوله حتى أحسّوا بالغثيان والتقيؤ وكانت اللحظة الحاسمة التي فقدت فيها عقلي وجننت فأخذت بندقية أحدهم وأفرغتها بهم وسط ذهول والدتي وأختي وصُراخ طفلها وعددهم سبعة من بينهم زوج اختي أيضاً. مضيفة: ومن حسن حظي مرتين، الأولى حينما لم يحضر أو يسأل أحد عن مصدر الصوت على الرغم من إنني أطلقت بحدود العشرين إطلاقة، والثاني شبكة الموبايل التي استطعت أن اتصل من خلالها بأخي وإخباره. متابعة: بدوره أخبر رجال الخلية الذين أرسلوا لي عنواناً بمنطقة تبعد نحو ١٥ كم عن حي الزهور الذي نسكنه وعلى الفور أخذت والدتي وأختي وطفلها وخرجنا من المنطقة.
وتستطرد الموصلي: كان الهدوء شديداً فيها واستأجرنا تكسي للعنوان، وكان محل أسواق مواد غذائية فيه رجل كبير السن ذو لحية كثيفة وجلباب قصير بادئ الأمر تخوفنا منه كون هيأته تدل على انه واحد منهم. مستدركة: لكن بمجرد أن دخلنا للمحل عرفنا بنفسه ومباشرةً صعدنا معه بسيارته، فقد وصلته بعض التفاصيل من الخلية واتضح انه رجلٌ وطني وشجاع ومتعاون مع الأجهزة الأمنية والاستخبارية في بغداد ومصدر موثوق لديهم. مضيفة: أخذنا إلى بيتهِ وكانت زوجته امرأة كبيرة بالعمر باستقبالنا وابنته الأرملة وأطفالها الذي يتّمهم المتطرفين .
وتؤكد السيدة العراقية الموصلية: قضينا اليوم الأول ونحن في غاية الاضطراب على الرغم من حسن معاملة العائلة الطيبة، لأننا كنا نريد أن نعرف ما الذي جرى وحصل، وجاء الجواب في عصر اليوم الثاني، بعد أن سأل مضيّفنا أنه تم قتل سبعة من قيادات داعش في أيسر الموصل فقاموا بإغلاق المناطق بحثاً عنا ونشروا جواسيسهم من الرجال والنساء وحتّى الأطفال. مبينة: انهم قاموا بنهب ممتلكات البيت كله وتفجيره وماهي إلا ثلاثة أشهر حتّى بدأ اقتحام الساحل الأيسر من قبل القوات العسكرية وبمجرد اقترابها للمكان الذي كنا نختبئ فيه قامت مجموعة خيرة من خلية الصقور بإخلائنا وإرجاعنا إلى بغداد واللقاء بأطفالي.
وتنهي وسن حديثها كُنتُ مترددة أن أتكلم عن تجربتي، ولكنني رأيت من واجبي الإنساني والأخلاقي أن أذكر مهنية هذا الجهاز وبطولة وشجاعة تلك الأسرة الكريمة والذي جمعني، وإياهم من جديد بيتٌ في بغداد كأسرة واحدة متحابين، ولابد أن يعرف القاصي والداني أن هذا التنظيم المتطرف لديه مخطط تخريبي لهدم البنية الاجتماعية قبل البني التحتية.
أرسل تعليقك