بيروت – جورج شاهين
اختتم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي زيارته الرعوية لرعايا أبرشية بيروت المارونية في المتن الأعلى، والتي رافقه فيها رئيس آساقفة بيروت المطران بولس مطر والنائب البطريركي العام المطران بولس صياح، بقداس إلهي في ساحة المتين, بعدما زار بيت الموحدين الدروز في المتين وكنيسة سيدة الخلاص في مشيخا وكنيسة مار شربل ومركز الصليب الأحمر في وطى المروج- غابة بولونيا وكنيسة مار مخائيل في بنابيل.
وشارك في الذبيحة الإلهية أكثر من ثلاثة آلاف شخص, بينهم وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال فادي عبود والنائبان سليم سلهب ونبيل نقولا ووفد من الموحدين الدروز في المتين والجوار ورئيس الرابطة المارونية سمير أبي اللمع ورئيس بلدية المتين زهير أبي نادر.
وبعد الإنجيل، ألقى الراعي عظة جاء فيها: من هنا، من هذه البلدة التاريخية ومن هذه المنطقة المخلصة للبنان، ندعو الأفرقاء السياسيين عندنا لتحمل مسؤوليتهم التاريخية الحاسمة. فلا يمكن أن يستمر لبنان في حالة من التفكك في أوصاله الدستورية والاقتصادية والاجتماعية. فإذا كانوا حقاً رجال دولة، بكل أبعاد الكلمة، بات لزاماً عليهم الخروج من متاريسهم الهدامة، وأحكامهم المسبقة ومشاريعهم المضمرة، ونواياهم غير المعلنة، وشبهات خياراتهم، والجلوس إلى طاولة الحوار بروح المصارحة والمصالحة، من دون إغفال دور المثقفين وسائر فعاليات المجتمع اللبناني وهيئاته الاقتصادية والإنمائية والتربوية.
ورأى أن لبنان اليوم قبل الغد، في حاجة إلى إعادة إنتاج كيانه في دولة منظمة وقادرة، تساهم فيها كل مكوناته، من دون إقصاء لأحد. فلا بد من اتخاذ خيارات وبدائل جديدة انطلاقاً من الميثاق الوطني لعام 1943، من شأنها أن تبلور وثيقة الوفاق الوطني الصادرة في أعقاب اتفاق الطائف بنصها وروحها، وتملأ الثغرات الدستورية، وتعتمد آليات الحؤول دون تعطيل عمل المؤسسات الدستورية، وآليات تفعيلها الكفيلة وحدها بتوطيد الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي. ما يقتضي إسناد المراكز الحكومية والإدارية والقضائية إلى من يتميزون بالكفاية والنزاهة والخبرة، واحترام أحكام القضاء من قبل الإدارة، وتعزيز عمل المجالس والأجهزة الرقابية، منعاً لهدر المال العام. وتحقيق الموازاة بين المسؤوليات العامة والصلاحيات، وتعميم المهل الدستورية والقانونية على مستويات القرار كافة ( شرعة العمل السياسي ص 32).
لقد دعا فخامة رئيس الجمهورية إلى اتخاذ هذه الخيارات والبدائل، التي حدد مساحاتها في خطاب عيد الجيش في أول آب/أغسطس الجاري بكل صراحة ووضوح، كرئيس للبلاد، مسؤول عن حماية الدستور ووحدة الشعب اللبناني وكيان الدولة، من أجل خير لبنان وكل اللبنانيين.
إنها خيارات وبدائل استراتيجية داخلية وخارجية، إقليمية ودولية. وقد كتب عنها الكثير، وألقيت عليها أضواء، وطرحت حلول. إن الوضع في لبنان لا يتحمل التأجيل والانتظار، ولا يمكن ربطه بما ستؤول إليه الأحداث في سورية ومصر والعراق. بل ينبغي العمل من قبل الجميع على بناء الدولة القادرة والفاعلة، وفقاً لنصوص اتفاق الطائف وروحه. بحيث تكون دولة ذات حكم توافقي قائم على سلطة مركزية قوية، تشارك فيها جميع القوى الوطنية، وعلى لامركزية إدارية موسعة.
وأضاف: ينعم لبنان بخصوصية جعلت منه قيمة حضارية ثمينة وإحدى منارات البحر الأبيض المتوسط، المنفتح على حسن العلاقات الثقافية والتجارية مع دول الشرق والغرب. فيه تلاقت المسيحية والإسلام وجعلتا منه أرضاً نموذجية لحوار الحضارات والعيش المشترك على قاعدة المساواة والتنوع. ومنه انطلق الحوار الثقافي بين الشرق والغرب، والنهضة الثقافية في العالم العربي، وانتشرت أفكار الحداثة بواسطة المدرسة والجامعة والصحافة. وفي رحابه تقوم المبادرات المسكونية بين الكنائس التي تعيش حوار الحقيقة والمحبة، وفي دستوره يقر الحريات العامة، ولاسيما حرية الرأي والتعبير والعبادة والمعتقد، ويلتزم شرعة حقوق الإنسان، والنظام الديمقراطي.
وقال "كم يؤسفنا أن يوصم الأمن اللبناني، أمس الأول، على طريق مطار بيروت بوصمة عار تشوه وجه لبنان، بخطف الطيارين التركيين بدقة واتقان احترافي، فيما أمن الدولة غائب ومغفل. إننا نندد بشدة بهذا الخطف المشين والمسيء للبنان وندينه. ونقول للمسؤولين في الدولة اللبنانية, كفى استهتاراً بالأمن ومصالح الناس واحترام الغرباء. كفاكم خلافات شخصية على حساب لبنان ومؤسساته وشعبه. إننا نطالب بالإفراج عن الطيارين المخطوفين في أسرع وقت ممكن. ونجدد النداء بالإفراج عن اللبنانيين المخطوفين في أعزاز، والمطرانين بولس يازجي ويوحنا إبراهيم والكهنة الثلاثة المخطوفين في الأراضي السورية. ونصلي على هذه النية.
ودعا "من هذا المكان الغني بالتراث الوطني اللبناني إلى جمع الشمل والقوى من أجل إعادة إحياء لبنان في كيانه وهويته ورسالته وفي علاقته بمحيطه العربي وبالأسرة الدولية. إن موقعه الجغرافي ونظامه السياسي المميز عن كل محيطه، يقتضي إبعاده عن سياسة المحاور الاقليمية والدولية، وعن التمحور في أحلاف خارجية تخوض صراع مصالح ونفوذ على أرضه وعلى حسابه، مع الحرص على انفتاحه وتفاعله مع محيطه والعالم. بالتالي ينبغي الوصول إلى إعلان حياد لبنان مع تعزيز قدراته الدفاعية، بحيث يكون ملتزماً قضايا السلام والعدالة وحقوق الإنسان وترقي الشعوب، اقليميا ودوليا".
أرسل تعليقك