فلسطين من أوسلو إلى التهدئة والمصالحة
آخر تحديث GMT03:47:03
 العرب اليوم -

فلسطين من أوسلو إلى التهدئة والمصالحة

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - فلسطين من أوسلو إلى التهدئة والمصالحة

الوضع في غزة
غزة ـ العرب اليوم

من الذي أنهك الآخر، فلسطين أم الزمان؟ منذ ولادة الدنيا، جاء معها توأمها الروحي الدامي، الأسطورة (فلسطين)، حيث تعانقت أنوار الأديان السماوية، وتصادمت العقائد بالعقل والعضل. غابت فلسطين كثيراً عن الشفاه والآذان، لكنها بقيت في الضمائر والوجدان. حطب الصراع الذي لا يحترق، وإن حرق القرون في آتون الحروب الساخنة والباردة بين الأقوام والأديان. لكل حلقة من مسيرة البشر بؤرة تشد إليها العقول والضمائر. منذ بداية خمسينات القرن الماضي بدأت قضية فيتنام تزجي الحطب للحرب الباردة بين العملاقين في شرق الدنيا وغربها. تحولت إلى انفجار عالمي على المستويين العسكري والإنساني بعد تدخل الولايات المتحدة بقوتها العسكرية الضاربة ضد الفيتكونغ، قوات فيتنام الشمالية الشيوعية بقيادة هوشي منه المدعومة من الصين الشعبية والاتحاد السوفياتي. أصبحت تلك الحرب ناقوساً يضرب أسماع العالم سياسياً وإعلامياً، وتحولت إلى هاتف إنساني عبأ الدنيا ضد الولايات المتحدة. كان لذلك الناقوس صوت عاصف داخل الولايات المتحدة ذاتها. وبمرور الأيام والشهور تقهقرت القوات الأميركية ومعها قوات فيتنام الجنوبية، واندفعت قوات الفيتكونغ نحو سايغون عاصمة الجنوب، ورضخت أميركا وانحنت لعاصفة السلام وإنهاء الحرب، وتوحدت فيتنام بشمالها وجنوبها تحت قيادة الحزب الشيوعي، وطويت صفحة كبيرة من حرب دامية رهيبة بين الشرق والغرب، لكنها أبقت سطورها ناطقة في التاريخ والضمير الإنساني. تلك حلقة من التاريخ خلت، وأخذت معها بؤرة تجمع حولها تعاطف ملايين البشر من كل الدنيا، لكنها ساهمت في صناعة المصافحة التاريخية بين الزعيم الصيني ماو تسي تونغ والرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، وفتحت باب الترحاب لمرحلة من حالة سلام موصوف بين الشرق والغرب.

ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي الطويل، كانت انتفاضة شدَّت العقول والضمائر الإنسانية عابرة للجغرافيا والحدود القومية والدينية. تلك الثورة التي دفعت فيها الجزائر أكثر من مليون شهيد كانت مفتاحاً لباب الاستقلال في الكثير من الدول الأفريقية.

غابت عن سطح الاهتمام الإنساني العام قضية سياسية تقرع الضمير بمطرقة الإعلام يومياً إلى أن انفجر نضال شعب جنوب أفريقيا ضد العنصرية، وأصبح نيلسون مانديلا الاسم الذي يدخل البيوت والضمائر عبر وسائل الإعلام التي شهدت تطوراً غيَّر حواس البشر.

قضية فلسطين ولدت في مهد القرن العشرين بوعد بلفور وكبرت بين صمت وصخب. تدفقت أحداث ودماء، وتغيرت خرائط السياسة والقوى التي واصلت رسمها بقوة السلاح والمصالح والتوازنات والصدام بين محاور وتحالفات لم تتوقف منذ الحرب العالمية الأولى إلى الحرب الثانية وارتداداتها السياسية والعسكرية والمالية، وكذلك الثقافية على مستوى العالم. كان قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين سنة 1947 بين اليهود والعرب فوهة نار لحرب لم تطل، استولى فيها اليهود على رقعة أوسع من تلك التي فوق خريطة التقسيم. القدس التي جعلها القرار الأممي منطقة دولية استولى اليهود على الجزء الغربي منها، لكن اليهود المتشددين رفضوا قرار التقسيم وكانت عيونهم وعقولهم نحو القدس الشرقية، حيث بيت المقدس والمسجد الأقصى الذي يعتقدون أن الهيكل اليهودي يربض تحته. من 1948 إلى 1967 غابت قضية فلسطين عن طوفان السياسة الدولية وصوت الرأي العام الدولي، لكن القضية الفلسطينية لم يخفت صوتها في الضمير والصوت والعقل الفلسطيني والعربي. جيل جديد من الفلسطينيين وُلد من رحم المعاناة في مخيمات اللاجئين والشتات، يأس من الأمل في الجيوش العربية التي هتفت الأناشيد والخطب الحماسية بقرب زحفها الكاسح لتحرير فلسطين. انطلق العمل المسلح، داخل الأراضي المحتلة وأعمال متنوعة خارجها، أدانها الكثير، لكنها أعلنت عن وجود مأساة اسمها فلسطين. كانت منظمة فتح بقيادة ياسر عرفات هي الطليعة المسلحة وصارت سياسية أيضاً. بعد أن قالت غولدا مائير: لا يوجد شيء اسمه فلسطين أو شعب فلسطيني، فرضت المقاومة هذا الاسم على خريطة العالم السياسية وبدأ الرأي العام ووسائل الإعلام العالمية يتحدث تعاطفاً، بل وتأييداً للقضية.

من مؤتمر مدريد إلى أوسلو، أصبح العمل السياسي عبر المفاوضات مع إسرائيل أداة أخرى من أدوات المقاومة وخياراً كبر مع كثافة الأحداث.

وُقّع اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية برعاية أميركية. اعترفت إسرائيل بالمنظمة، واعترفت المنظمة بدولة إسرائيل. الاتفاق كان ملغوماً وغامضاً. أجلت القضايا الأساسية وهي: الدولة الفلسطينية، واللاجئون والقدس، والمستوطنات والحدود، إلى ما سُمّي الحل النهائي. أخذ الفلسطينيون شيئاً واحداً اعتبروه إنجازاً ونصراً، وهو ـ السلطة الوطنية في غزة والضفة.
جرت الانتخابات وفازت حركة حماس، وترأست الحكومة، لكن الصدام بين الجسمين، «فتح» و«حماس» انفجر بسرعة وغادرت السلطة غزة.

اليوم، وبعد أن اعترف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأوقف الدعم المالي للسلطة، وتوسعت إسرائيل في بناء المستوطنات بلا كابح، وأصدرت قانوناً أساسياً بيهودية الدولة، أصبح «أوسلو» في غياهب الموت. السلطة الفلسطينية في سياسة نتنياهو مجرد بلدية شكلية تدير شؤون الخدمات الفلسطينية، تضبط الأمن في الضفة. وأصبحت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بقعاً متناثرة فوق جلد نمر، تراها إسرائيل مجرد حَوارٍ يحكمها مخاتير تحت رعاية بلدية رام الله.

غزة... تحت سلطة «حماس» ترفض كل ما هو في رام الله من حكومة ونظام، ولا ترى مساحة للتصالح أو حتى التفاهم معها. هي تؤمن بآيديدولوجيا إسلامية إخوانية ترفع شعار التحرير من البحر إلى النهر، وترفض الاعتراف بدولة إسرائيل.

إسرائيل ومعها الولايات المتحدة لهما استراتيجية واضحة، وهي، إنهاك السلطة في رام الله بقطع المساعدات المالية، ومحاصرة نشاطها السياسي الدولي وتوسيع الشقة بين الأطراف الفلسطينية، وجعلها جسماً هزيلاً يذوي مع مرور الزمن. الرئيس محمود عباس هو آخر الشخصيات في القيادة الفلسطينية التاريخية، والمجهول قادم من بعده وفقاً للرؤية الإسرائيلية، والدولة الديمقراطية الواحدة التي تجمع اليهود والعرب فوق أرض فلسطين وبحقوق وواجبات متساوية، طمرها تراب الزمن. تسرب أخيراً أن أحد العرب أعاد طرحها على الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رد ساخراً: إن ذلك يعني أن يكون رئيس وزراء إسرائيل بعد سنوات قليلة اسمه محمد. الوصفة الاقتصادية المقدمة إلى غزة ذات لون إنساني، تهدف إلى (مأسسة الانفصال) بين جناحي فلسطين الضفة وغزة، باستثمار المعاناة الكارثية التي يعيشها الغزيون وتقديم مشروع اقتصادي برّاق يجعل من القطاع مساحة للرخاء من خلال سوق حرة مزدهرة يهفو إليها حلم الفلسطينيين، وتتراجع هبَّات المواجهة مع إسرائيل.

المصالحة بين طرفي الجسم الفلسطيني، مسيرة طويلة، من لقاء مكة إلى الخرطوم وجولات كثيرة في القاهرة، أكدت أنها ركض وراء ما يمكن أن نسميه حلماً مراوغاً. ما يفرق الطرفين أكثر وأقوى بكثير مما يجمع. لقد تراكمت حجارة الخلاف الذي وصل إلى حد الصدام الدامي، وفرضت السلطة عقوبات على غزة التي اعتبرتها تحالفاً مع إسرائيل ضدها. التهدئة التي تعني هدنة طويلة المدى بين إسرائيل و«حماس»، ستجعل القطاع إمارة فلسطينية بلون إسلامي مدجن بقوة الانفراج الاقتصادي.

ذلك هو الحل النهائي الذي تدفع وتندفع نحوه إسرائيل، والعداوة الحادة بين الأطراف الفلسطينية تصنع الحجارة التي تبني الجدار العازل بين السلطة و«حماس».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين من أوسلو إلى التهدئة والمصالحة فلسطين من أوسلو إلى التهدئة والمصالحة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:33 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 العرب اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 العرب اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 02:56 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيرة في إيلات
 العرب اليوم - الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيرة في إيلات

GMT 13:04 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

غوغل تطلق خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات
 العرب اليوم - غوغل تطلق خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 03:50 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض.. لغة قوية تنتظر التنفيذ

GMT 14:56 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أداة ذكية لفحص ضغط الدم والسكري دون تلامس

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 22:52 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

سامباولي مدرباً لنادي رين الفرنسي حتى 2026

GMT 02:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يعلن أن إيلون ماسك سيتولى وزارة “الكفاءة الحكومية”

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مدربة كندا تفصل نهائيًا بسبب "فضيحة التجسس"

GMT 12:45 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة أنجولو لاعب منتخب الإكوادور في حادث سير

GMT 05:40 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بايرن ميونيخ يتعرض لغرامة مالية بسبب الالعاب النارية

GMT 06:07 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يعتزم حضور مباراة كرة القدم بين فرنسا وإسرائيل

GMT 20:35 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

العاهل البحريني يجتمع مع الملك تشارلز الثالث في قصر وندسور

GMT 22:44 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

غرامة مالية على بايرن ميونخ بسبب أحداث كأس ألمانيا

GMT 05:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية تقتل 46 شخصا في غزة و33 في لبنان

GMT 20:55 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إلهام علي تكشف عن ملامح خطتها الفنية في 2025

GMT 17:27 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة على أطراف بلدة العدّوسية جنوبي لبنان

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي حاضرة في منافسات سينما ودراما 2025

GMT 07:11 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأميرة آن تُغير لون شعرها للمرة الأولى منذ 50 عاماً

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إسبانيا تستعد للمزيد من الأمطار بعد الفيضانات المدمرة

GMT 19:42 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف قاعدة جوية جنوب حيفا لأول مرة

GMT 10:46 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع الدولار إلى أعلى مستوياته خلال عام

GMT 01:16 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاق نار على طائرة ركاب أميركية في هايتي

GMT 01:44 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف أميركي بريطاني يستهدف محافظة الحديدة في اليمن

GMT 02:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab