تصادف يوم غد الأحد، ذكرى استشهاد القائد ماجد أبو شرار عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، أمين سر مجلسها الثوري، مسؤول الإعلام المركزي الفلسطيني، الذي اغتالته عصابات الموساد الإسرائيلي في التاسع من تشرين أول/أكتوبر عام 1981.
استشـــهاده:
لم تستطع إسرائيل أن تحتمل أفكار أبو شرار التي يجود بها قلمه، كما لم تحتمل من قبل كتابات غسان كنفاني وكمال ناصر وكمال عدوان، فدبر له عملاء الموساد شراكا قاتلة، ففي صبيحة يوم استشهاده انفجرت تحت سريره قنبلة في أحد فنادق روما، أثناء مشاركته في فعاليات مؤتمر عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني فصعدت روحه إلى بارئها.
ونقل جثمان الشهيد إلى بيروت ليدفن في مقابر الشهداء، وهكذا انتهت رحلة الجوال الذي انطلق من مدينته دورا الخليل، إلى غزة، لمصر الكنانة، ثم السعودية والأردن، وإلى دمشق وبيروت، ومنها عبر الآفاق إلى معظم عواصم العالم، من هافانا في أقصى الغرب إلى بكين في أقصى الشرق.
أبو الكوادر الثورية:
إن الشهيد ماجد أبو شرار كان أبو الكوادر الثورية وله هدف واضح، ويرتبط برؤية منظمة واستراتيجية تنظيمية متطورة، رسم خط سير الأهداف التي أراد بها أن تنهض وتتطور حركة فتح، وعمل مع الكوادر في مدرسة صنع الإرادة الفتحاوية، فجهز الفدائيين الثوار الذين خاضوا معارك بيروت وابدعوا حتى شهد العالم كله أن الفلسطيني لا يستسلم، ولا يرتهن للقيود.
وأبدع الشهيد أبو شرار في زرع الأفكار النضالية وكسب محبة الجميع، وحدد المؤيدين والمقاومين لفكره وهزم فكرة الانشقاق في بداياتها، وأعاد ببراعته رسم الاستنهاض والثورية الحركية في قالب رؤية مقنعة نشرت الثقة في كل من تعامل معه، وفي كل عمل قام به .. وفي إحدى قصصه 'الخبز المر' يقول: (ذات صباح لم يحضر أبو خميس إلى العمل.. علمت أن المرض بدأ ينتصر، وذهبت إلى بيته... نوبات السعال بدأت تخمد وتهدأ، جذوة الحياة في عينية تخبو رويدا رويدا، ونظرة مسكينة محملة بألف معنى تواجهني كلما نظرت إلى عينيه، وسهيلة وأمها والبنات ينتحبن بصوت خافت، وأغمض عينيه ورفع كفه المعروقة، وانتفض، وسقطت كفه على صدره وأسدلت الغطاء على الوجه الهارب من الحياة..)، هذا خاتمة الخبز المر بتوقيع الشهيد ماجد أبو شرار.
لقد تعمق الشهيد في الحياة الاجتماعية وألقى عليها ظلال أدبية تكشف أن الكاتب إنساني ومحترف في لمس أوجاع الناس.. وحقا كان محترفا في لمس أوجاع فلسطين، فعشقها .. لكنه لم يكن مريضا بل كان فدائيا صامدا، فبجانب الحس الإنساني الذي برع فيه لقد عُرف عنه كفاءته في التنظيم والقدرة الفائقة على العطاء والإخلاص والانضباطية الثورية.. وكان يناضل دائما بالقلم والفكر والرصاص.
مـــولده:
ولد أبو شرار في بلدة دورا قضاء الخليل عام 1936، وعاش طفولته بين القمم الشماء التي تشتهر بها منطقة الخليل بما تمثله من صلابة وشموخ، وبين عناقيد العنب وغابات التين والزيتون، ترعرع ماجد وأنهى مرحلة الابتدائية في مدرسة قريته، وهو الأخ الأكبر لسبعة من الأبناء الذكور الذين رزق بهم والدهم الشيخ محمد عبد القادر أبو شرار، ومعهم ثلاث عشرة أختا.
والـــده:
كان والده يعمل فنيا للاسلكي في حكومة الانتداب البريطاني، حتى إذا كانت حرب 1947/1948 التحق بجيش الجهاد المقدس بقيادة الشهيد عبد القادر الحسيني ضابطا في جهاز الإشارة، وعندما حلت الهزيمة بالجيوش العربية صيف 1948 آثر مرافقة الجيش المصري الذي انسحب إلى قطاع غزة مع كل أفراد أسرته، على أمل أن يعاود ذلك الجيش باعتباره العمود الفقري للجيش العربي الكرة من جديد في محاربة الكيان الصهيوني الذي بدأ يفرض وجوده على الأراضي الفلسطينية المغتصبة.
لكن الرجل بقي في غزة، واستقال من الخدمة العسكرية عندما ران الجمود على جبهات القتال وألقت الهدنة الدائمة بظلالها الكئيبة على حدود فلسطين المغتصبة، واستفاد أبو ماجد من دبلوم الحقوق الذي كان يحمله، فعمل مسجلا للمحكمة المركزية بغزة ثم قاضيا، ثم تقاعد وعمل محاميا أمام المحاكم الشرعية حتى وفاته عام 1996 بمدينة غزة.
دراســـته:
وفي غزة درس ماجد المرحلة الثانوية، وفيها تبلورت معالم حياته الفكرية والسياسية ثم التحق عام 1954 بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية ومنها تخرج عام 1958، حيث التحق بأمه وإخوانه الذين كانوا قد عادوا -من أجل الحفاظ على أملاكهم- إلى قريتهم دورا قضاء الخليل/جنوب الضفة الغربية، بينما بقي الوالد مع زوجته الثانية وأنجالها في قطاع غزة.
تطور وعيـــه الوطني:
في الأردن، عمل ماجد مدرسا في مدرسة 'عي' قضاء الكرك ثم أصبح مديرا لها، ثم سافر إلى الدمام ليعمل محررا في صحيفة 'الأيام' اليومية سنة 1959. وكان ماجد في غاية السعادة حين وجد نفسه يمتلك الوسيلة العصرية للتعبير من خلالها عن أفكاره السياسية والوطنية، وفي أواخر عام 1962 التحق بحركة 'فتح' حيث كان التنظيم يشق طريقه بين شباب فلسطين العاملين في تلك المنطقة، التي عرفت رموزا نضالية متميزة في قيادة فتح أمثال المهندسين الشهيدين عبد الفتاح حمود، وكمال عدوان، وأحمد قريع، وسليمان أبو كرش، والشهيد صبحي أبو كرش، ومحمد علي الأعرج وغيرهم.
تفرغه في الإعـــلام:
في صيف 1968، تفرغ ماجد أبو شرار للعمل في صفوف الحركة بعمان في جهاز الإعلام الذي كان يشرف عليه مفوض الإعلام آنذاك المهندس كمال عدوان، وأصبح ماجد رئيسا لتحرير صحيفة 'فتح' اليومية، ثم مديرا لمركز الإعلام، وبعد استشهاد كمال عدوان أصبح ماجد مسؤولا عن الإعلام المركزي ثم الإعلام الموحد، وكما اختاره إخوانه أمينا لسر المجلس الثوري في المؤتمر الثالث للحركة .
ماجـــد والتوجيه السياسي:
لقد كان ماجد من أبرز من استلموا موقع المفوض السياسي العام، إذ شغل هذا الموقع في الفترة ما بين 1973-1978، وساهم في دعم تأسيس مدرسة الكوادر الثورية في قوات العاصفة عام 1969، عندما كان يشغل موقع مسؤول الإعلام المركزي، كما ساهم في تطوير مدرسة الكوادر أثناء توليه لمهامه كمفوض سياسي عام .
ماجـــد رجل المواقف:
مثل ماجد قيمة فكرية ونضالية وإنسانية وأدبية، وعرف عنه كفاءة في التنظيم وقدرة فائقة على العطاء والإخلاص في الانتماء، وقد اختير عام 1980 ليكون عضوا في اللجنة المركزية لحركة (فتح)، وكانت لماجد مواقف حازمة في وجه الأفكار الانشقاقية التي كانت تجول بخلد بعض رموز اليسار في صفوف حركة 'فتح'، فلا أحد منهم يستطيع المزاودة عليه فهو ذو باع طويلة في ميدان الفكر، وكان سببا رئيسيا في فتح الكثير من الأبواب المغلقة في الدول الاشتراكية أمام الثورة والحركة، ومن هنا لم يستطع أصحاب الفكر الانشقاقي أن يقوموا بارتكاب تلك الخطيئة الكبرى - المحاولة الانشقاقية عن فتح تمت في سنة 1983- ، إلا بعد رحيل صمام الأمان ماجد أبو شرار.
ماجـــد المفكر والكاتب:
ماجد كفاءة إعلامية نادرة، كما هو قاص وأديب، ولقد صدرت له مجموعة قصصية باسم 'الخبز المر'، كان قد نشرها تباعا في مطلع الستينيات في مجلة 'الأفق' المقدسية'، ثم لم يعطه العمل الثوري فسحة من الوقت ليواصل الكتابة في هذا المجال .
وكان ماجد ساخرا في كتاباته السياسية في زاويته 'جد' بصحيفة 'فتح'، حيث اشتهر بمقالاته: 'صحفي أمين جدا'.. و'واحد غزاوي جدا'، و'شخصية وقحة جدا'.. و'واحد منحرف جدا'.
أرسل تعليقك