يغمض الفتى ازدان عمر عينيه ويتمنى امنية ثم يقوم بقذف قطعة قماش على مذبح الحجر في داخل مزار لاليش احد اكثر المعابد قدسية لدى الطائفة الايزيدية في شمال العراق.
ويعود هذا التقليد، الى قرون بعيدة، ففي الاوقات السعيدة يتمنى زوار هذه المكان المقدس امنيات لجلب الحظ في الزواج او في موسم الحصاد، لكن هذا الشاب البالغ من العمر 14 عاما يصلي حتى تتمكن اسرته من العودة الى ديارها.
واسرته واحدة من عشرات الاسر الايزيدية الذين فروا من سنجار في شمال غرب العراق اثر هجوم تنظيم "الدولة الاسلامية" المتطرف على المنطقة.
وقال هذا المراهق لفرانس برس "جئت الى هنا حتى اؤدي الصلاة من اجل ان ينتهي هذا الظلم، وحتى يتمكن الايزيديون العودة الى ديارهم في سنجار".
ويحتاج عمر الى قطعة قماش يضعها على صخرة المذبح المرتفعة، حتى يضمن ان تحقق امنياته، وعليه ان يرميها بدقة حتى تصيب هدفه لتستقر على اعلى المذبح".
ويقع لاليش في منطقة جبلية على بعد 60 لكم شمال شرق مدينة الموصل التي استولى عليها المسلحون فيما لاتزال البلدات والقرى الايزيدية بعيدة عن انتباه هؤلاء الجهاديون.
ويضم معبدها قبر احد اكثر الرجال قدسية بالنسبة لهم، وهو قبر الشيخ عدي، ويتطلب من كل ازيدي زيارة هذا المقام مرة واحدة على الاقل في حياته.
وبينما يتجولون في المعبد، عمر واصدقائه الثلاثة يحرص الثلاثة على عدم المشي على الحجر الذي تتجزء دوائره المظلمة.
ويميلون باتجاها احداها، من اجل تقبيل القماش الاسود الذي يغطي معبد الشيخ بدر وهو رجل دين ازيدي مقدس اخر.
وبعد ذلك، ينزلون من درج وهو ممنوع لغير الايزيدين، حيث يشربون المياه من النبع المقدس.
وفي قاعة المعبد الرئيسية تصلي امرأة وهي ترتدي حجاب ابيض فضفاض بيأس من اجل العودة الى منزلها.
وتقول في تلاوة دعائها، "يا شيخ عدي، ارجوك حررنا ، حرر الناس في سنجار".
وقد اعطى هذا المقام ملاذا امنا لكلا الرجال والنساء (خدام الايمان) من الذين فروا من الهجوم الدموي الذي شنه عناصر الدولة الاسلامية على سنجار، التي تضم معبدا مقدسا هناك.
وقال فاضل خلف وهو يمسك مسبحته ويقول بعصبية "انشاء الله سوف سنعود الى ديارنا يوما ما، ونعود الى معبدنا هناك".
واضاف "الجهاديون طردونا من سنجار، لكنهم اذا جاؤوا الى هناك، فانا افضل الموت من اجل الدفاع عن هذا المعبد على مغادرة العراق".
بدوها، تردد سينار فارس (20 عاما) وهي خادمة في المعبد، كلمات خلف بكل ثقة.
وقالت "سنعود يوما ما الى ديارنا بكل تاكيد". واضافت ان "نساء مثلها تطوعن من اجل العمل في المعبد، موع مواصلة حياتهم الطبيعية".
واضافت "نحن نتزوج ونذهب الى المدرسة".
وعلى مسافة قريبة من المعبد تقع بلدة شيخان حيث يسكن مؤسس المركز الثقافي الايزيدي عيدو بابا شيخ وهو يقول ان معتقدنا اسيء فهمه بشكل واسع.
واوضح ان الايزيدية هي ديانة توحيدية، ويكنون الاحترام بشكل كبير للملائكة.
والشيطان باعتقادهم هو في اعلى رتبة الملائكة لكنهم يرون ان ذكر اسمه يعد تجديفا.
واضاف متحدثا لفرانس برس "نحن نعتقد ان كل الاشياء، جيدة كانت ام سيئة تاتي من الله، لذلك نحن لا نعتقد بان زعيم الملائكة يمكن ان يكون سيئا".
ويبلغ هذا الرجل الذي يرتدي بدلة غربية 57 عاما وهو الاخ الاصغر لثاني اكبر زعيم للطائفة بابا شيخ، والذي ياتي بعد امير الطائفة تحسين سعيد بيك الذي يعيش في المانيا.
وفي جواب له حول جذور الديانة الايزيدية يقول عيدو ان "هناك حسابين رئيسين، الاول اسطوري، والثاني، تاريخي".
واوضح "الاول ان الايزيدية كانت موجودة منذ بداية الزمن، والثاني، هو انها تعود الى الاف السنين قبل عصر الاسلام".
وقال عيدو ان "شيخ عدي الذي عاش في القرن الثاني عشر، احيا العقيدة الايزيدية وطقوسها".
واضاف انه "ليس من المعروف من اي بلد هو، لكن البعض يقول انه من قرية قرب بعلبك في شرق لبنان".
ويتلى قداس الايزيدية باللغة الكردية، لكن ليس لديهم كتاب مقدس.
ويعمل مجموعة من الاكاديميين في جامعة دهوك في شمال العراق على تسجيل تقاليدهم التي نقلت شفاهية جيلا بعد جيل.
ورد عيدو على سؤال حول شعوره، ازاء النزوح الجماعي الذي تعرضوا له في سنجار "لقد عانينا كثيرا من مثل هذه الهجمات على مر القرون".
واضاف "نحن نحمل الايمان في قلوبنا، اينما كنا، حتى لو دفعنا ذلك لمغادرة العراق، سنبقى على ايماننا".
أرسل تعليقك