غزة ـ العرب اليوم
عبّْرت أوساط شعبية وحزبية عن معارضتها لقوانين وحملات تفرضها حكومة حماس لتطبيق الشريعة الإسلامية. وقياديون من حركة حماس أيضاً يعتبرون أنها لا تصلح لعصرنا. DW عربية رصدت ردود الفعل حول هذه الحملات والقوانين.
تحت مسمى "نشر الفضيلة"، أصدرت حكومة حركة حماس في قطاع غزة عدة قرارات وشنت حملات لملاحقة الشباب الذين يرتدون "البنطال الساحل" وتوقيف وحلق شعر الشباب أصحاب قصات الشعر الغربية. كما قررت "تأنيث" مدارس الفتيات من خلال تشغيل المعلمات فقط في تلك المدارس.
هذا وقد أقرت كتلة حماس البرلمانية في المجلس التشريعي بغزة مُسودة قانون عقوبات جديد يتضمن تطبيق إقامة "الحدود الشرعية"، مثل قطع يد السارق وعقوبة الجلد لعدد من الجرائم والجنايات كالزنا وشرب الخمر ولعب القمار. وتسمح هذه المسودة أيضاً بتزويج الفتاة عند بلوغها الخامسة عشر من العمر، فضلاً عن توسيع عقوبة الإعدام لتشمل عدداً من الجرائم.
مسودة القوانين هذه واجهت معارضة من قبل منظمات أهلية وحقوقية وشعبية، إضافة إلى بعض نواب حركة، الذين اعتبروها "تشريعات تقوض الوحدة القانونية في ظل الانقسام الداخلي". لكنها في نظر البعض "شرعية ولها مبرراتها".
يرى حقوقيون وبعض نواب حماس أن تطبيق الشريعة الإسلامية "لا يصلح في عصرنا الحالي"
"فرض أيديولوجيا السيطرة على السلطة والشارع والقوانين"
ويشير المواطن محمد حماد إلى أن بعض هذه القوانين يتم تطبيقه حالياً، إذ "عندما يريد المرء الخروج مع خطيبته أو زوجته أو حتى أخته، يتحتم اصطحاب أوارق ثبوتية تثبت صلته برفيقته". من جانبها، تقول شرطة حماس إن "الحملة جاءت ترجمه لقرار مسبق يتم تطبيقه قرب شاطئ البحر وحالات الاشتباه في الشوارع المنفردة، أو وجود رجل وامرأة في سيارة بمفردهم. وكإجراء احترازي يتم الاتصال بعائلات الفتيات في حالة الشبهة للتأكد من علاقتها بمن يرافقها، ولا تتم لعامة الناس"، وفق تعبيرهم.
لكن ما أثار الجدل الأكبر داخل القطاع بخصوص مسودة القوانين تلك هي البنود المتعلقة بإقامة "الحدود الشرعية"، والتي أرسلت إلى الفصائل ومنظمات المجتمع المدني والجامعات وعدد من المشايخ لإبداء الرأي قبل عرضها على المجلس لإقرارها بالقراءة الثانية.
وتعتبر النائبة عن حماس هدى نعيم أن "من حق حزب حماس (الذي يشكل) الأغلبية في البرلمان أن تصبغ القوانين بأيديولوجيتها". لكن الباحث السياسي أحمد عيطة يرى، في حديثه مع DW عربية، أن "حماس تحاصر غزة بفرض أيديولوجيتها وتوصل رسالة للمجتمع الدولي أنها المسيطرة على القوانين والسلطة والشارع".
طالبت 120 منظمة أهلية فلسطينية بوقف إصدار التشريعات والقوانين في ظل حالة الانقسام الداخلي
"تطبيق الشريعة لا يصلح لعصرنا ولا يجوز شرعاً"
وحتى بين أعضاء الكتلة البرلمانية لحركة حماس في المجلس التشريعي – والذي يُعقد فقط بنواب حماس – تثير بنود تطبيق الحدود الشرعية جدلاً واختلافاً في الرأي، إذ يقول النائب عن حماس في المجلس التشريعي سيد أبو مسامح لـDW عربية: "الخلافة الإسلامية وفق المفكرين الإسلاميين لن تعود كما السابق، فهي مرحلة صلحت في حقبة تاريخية قديمة، لكنها لا تصلح لعصرنا". ويستند أبو مسامح إلى الرأي الفقهي القائل بأن "الديمقراطية والحريات الحقيقية هي الأساس وتسبق الشريعة، التي لا يجوز شرعاً تطبيقها"، مؤكداً على حتمية البحث عن قواسم مشتركة تعتمد على القيم والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والحريات العامة.
ويرى النائب عن حماس في "المشروع الإسلامي مدخلاً لمشروع حضاري إنساني فيه قيم إنسانية مشتركة تقوم على السلم الاجتماعي العالمي واحترام ثقافات الشعوب وحرياتها".
دعوات للتصدي لهذه القوانين
هذا وكانت 120 منظمة أهلية في فلسطين قد طالبت بوقف إصدار التشريعات والقوانين في ظل الانقسام، معتبرة أن ذلك يعمقه ويساهم في تقويض الوحدة القانونية والتشريعية الفلسطينية. ويشير الباحث القانوني خالد عطا الله، في حوار مع DW عربية، إلى أن "مهمة الحكومات تنحصر في المجال العام لا التدخل في الحريات العامة". ويعتبر عطا الله أن سن قوانين بشكل منفرد من قبل نواب حماس خارج الإجماع الفلسطيني "سابقة خطيرة جداً مخالفه للدستور الفلسطيني الأساسي".
الناطق الإعلامي باسم حكومة حماس، إيهاب الغصين، حمل على الشرطة استخدام العنف، إلا أنه دافع عن أهداف "حملة الفضيلة"
ومن جهتها، تعتبر الناشطة الحقوقية زينب الغنيمي أن قطاع غزة يشهد حالة حصار سياسي واقتصادي وفقر وبطالة ولايُوفر له الأمن والأمان، مؤكدة أن "أصل التشريع لدينا هو الشريعة الإسلامية ولا نختلف (على ذلك). لكن التطبيق الحرفي لظاهر النص هو الذي نختلف عليه، لأن حد السرقة لم يطبق في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان الناس يعانون من الفقر ويضطرون للسرقة من أجل إطعام أنفسهم وأبناءهم".
كما أكدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من أن هذه القوانين غير قائمة في ظل غياب انعقاد المجلس التشريعي، وأن سن التشريع بنصاب غير مكتمل وبأقلية النواب هو أمر غير قانوني. لكن استطلاعاً للرأي أجرته وكالة "سما" الإخبارية المحلية على موقعها الإلكتروني أظهر نتائجاً مغايرة، أيد 53 في المئة من المشاركين في الاستطلاع "حملة الفضيلة" التي تنفذها حكومة غزة، فيما عارض 42.6 في المئة تلك الحملة.
وفي معرض تعليقها على الحملة التي تنفذها حكومة حماس في القطاع، أشارت نائبة مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، سمر زقوت، إلى أنه "لا شك أن غزة باتت الآن أكثر توجهاً للطابع الإسلامي، وأن الأمور في القطاع تزداد سوءاً منذ تولي حماس الحكم في القطاع". أما مدير المركز الإعلامي لحكومة حماس، إيهاب الغصين، فقد حمل بشدة على سلوكيات الشرطة ولجوئها إلى أساليب عنف، إلا أنه دافع عن الغاية من وراء الحملة.
أرسل تعليقك