تخونه سنواته العشر في تذكر تفاصيل رواية تصلح لأفلام الكبار فقط واستيعاب أحداث فرضتها الحرب على أطفال سورية كما فرضتها على شبابها وشيوخها.
حسام الحلاق أحدث القادمين إلى مركز الإقامة المؤقتة في ضاحية قدسيا بريف دمشق طفل لم يتجاوز العشر سنوات وصل المركز منذ عدة أيام وحيدا دون أسرة يحاول استرجاع ذكريات الأشهر الماضية.4
ويقول حسام في حديث لسانا “كنت مقيما في بلدة عربين مع أسرتي ونتيجة الأحداث فيها اضطررنا لمغادرتها إلى دوما حيث حاولت العمل هناك لأساعد والدي في تأمين قوت يومنا لكن مسلحين اختطفوني وسجنوني أكثر من عشرة أيام لسبب لم أعرفه وبعد خروجي لم أستطع التواصل مع أسرتي وهربت عبر المزارع إلى مخيم الوافدين ثم إلى مركز الإقامة في ضاحية قدسيا ولم أعد أعرف شيئا عن أسرتي”.
إلى جانب حسام يقف الطفل رامي بلو 11 عاما تجمعهما ذكريات الأيام الماضية المؤلمة ويقول “هربت مع أسرتي من بلدة حزة بالغوطة الشرقية حيث اجبرتنا التنظيمات الإرهابية على تناول الأعشاب البرية وأذلتنا إلى أن خرجنا بصعوبة ووصلنا إلى المركز منذ يومين” وبكلمات طفولية يتمنى بلو العودة إلى مدرسته التي يحب.
وفي زاوية من زوايا المركز ينشغل شاب في الثلاثينيات من عمره بهيئة رجل خمسيني بإطعام أطفاله الثلاثة ومراقبتهم فشعور الخوف من فقدانهم لا يزال مسيطرا عليه على حد قوله ويروي قصته “أخرجني المسلحون من منزلي الأساسي في حتيتة التركمان إلى حمورية ومن ثم إلى دوما حيث الجوع والقهر والذل فهؤلاء لم يتركوني أبحث عن لقمة عيشي بل فرضوا علي الانتساب لتنظيماتهم وخاصة أن مواليدي وهو العمر المناسب لهم”.10
ويتابع “في دوما يجبرون الشباب على الانتساب للمسلحين ومن يرفض ذلك يقودونه إلى سجن التوبة في دوما ويعطبون أرجله لذلك حاولت الهرب إلى حرستا لكنني لم أستطع الخروج فأرسلت اثنين من أبنائي إلى أقرب حاجز للجيش العربي السوري في مخيم الوافدين وبعد عدة ساعات من الليل خرجت برفقة ولدي الثالث على دراجة هوائية واستطعت الوصول إلى حاجز الجيش نفسه لألتقي بأولادي هناك وجئنا بعدها إلى المركز”.
وتنتهي رحلة نزوح صفا سعيد الطويلة في المركز أيضا وتقول “اضطررت وولدي للنزوح أكثر من مرة ولأكثر من بلدة حيث بدأت رحلتنا الشاقة من بلدة المليحة إلى زبدين إلى كفر بطنا إلى القاسمية ومن بعدها إلى مخيم اليرموك حيث الرعب والخوف المتواصل من المسلحين وبقينا في العراء مدة 15 يوما بأقسى الظروف استطعنا بعدها وبصعوبة الانتقال إلى مدرسة لإيواء المهجرين في المخيم ومنه إلى مركز الضاحية حيث يتوافر كل ما نحتاجه”.
وتنتشر في مزارع وقرى الغوطة الشرقية تنظيمات إرهابية مسلحة تنضوي معظمها تحت ما يسمى تنظيم جيش الإسلام الإرهابي قوامه العديد من المرتزقة الأجانب الذين يرتكبون أبشع الجرائم والانتهاكات بحق الأهالي دفعت الشهر الماضي وعلى مدى ثلاثة أيام متتالية أكثر من خمسة آلاف مواطن معظمهم من النساء والأطفال من دوما وجوبر والشيفونية وميدعا وحوش الفارة وحوش الضواهرة وحوش نصري إلى ترك منازلهم وأرزاقهم واللجوء إلى الجيش بحثا عن الأمن والطمأنينة إضافة إلى تسليم نحو 800 مسلح أنفسهم إلى الجهات المختصة لتسوية أوضاعهم وفق القوانين والأنظمة النافذة.12
وتختلف تفاصيل قصة أبو مصطفى الحلبي الذي انضم إلى تنظيم /جيش الإسلام/ الإرهابي أواخر عام 2012 لأنه كان الخيار الأفضل بين سجن التوبة أو الموت جوعا على حد قوله ويقول “كانت مهمتي مراقبة ورصد تحركات الجيش العربي السوري وخضعت لعدة دورات شرعية في الإسلام الذي يدرسونه على قياسهم وحسب مايرونه مناسبا”.
ويضيف “بقيت في جيش الإسلام نحو السنتين بينها 6 أشهر في سجن التوبة لأنهم اكتشفوا ميولي العلمانية والمعارضة لأمرائهم وبعد التعذيب وبشتى الوسائل خرجت من السجن وبقيت تحت المراقبة مع استمرار دورات الفقه على أمل بأن التزم بما يريدونه لكني استطعت الهروب بمساعدة بعض الشرفاء بدوما إلى أحد حواجز الجيش العربي السوري الذين أتوا بي إلى المركز”.
وحول مركز الإقامة المؤقتة بضاحية قدسيا في ريف دمشق والخدمات التي يقدمها بينت رانيا الشيخ عمر متطوعة في الفريق المدني الخيري “نحن متواجدون هنا لاستقبال الأهالي الوافدين من الغوطة الشرقية حيث جاء إلى المركز في اليومين السابقين ما يقارب 800 شخص أي نحو 290 عائلة ليصبح العدد الكلي نحو 1200 شخص”.2
وتقول عمر “قمنا بتقديم الخدمات اللازمة للوافدين منذ بداية وصولهم حيث تم توزيعهم على الغرف وتسليمهم الأغطية والسلل الغذائية وغيرها” مؤكدة أن المركز يقوم على خدمة الأهالي وتقديم الطعام لهم إضافة إلى وجود طبابة مناوبة للإسعافات الأولية وصيدلية كاملة للأدوية المزمنة كمرضى السكر والقلب والضغط.
وتضيف عمر “يتألف المركز من ثلاثة طوابق تحوي عدة غرف بكل غرفة عدد من العائلات إضافة إلى غرف ترفيهية وتعليمية لإعادة تأهيل للأطفال” ويعمل المركز على توزيع الهدايا والملابس للأطفال من خلال فعاليات متنوعة .
وكانت وحدات من الجيش والقوات المسلحة أمنت السبت الماضي خروج 30 عائلة تضم نحو 80 شخصا معظمهم من الأطفال والنساء من دوما ومزارعها عن طريق مخيم الوافدين كانوا لجؤوا إلى إحدى النقاط العسكرية هربا من إرهاب وجرائم التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي تتخذ من الأهالي دروعا بشرية وتنهب أرزاقها وممتلكاتها وتم نقل جميع العائلات إلى مركز الإقامة المؤقتة في ضاحية قدسيا بريف دمشق الغربي
أرسل تعليقك