الصدفة وحدها جمعت النازحة السورية ناديا العلي بفارس احلامها الشاب اللبناني شادي المحمد، لترتبط معه منذ أكثر من سنتين، بزواج شرعي نقلها من خيمة نزوح مهترئة إلى منزل زوجي دافئ في بلدة "البيرة" في البقاع الغربي.
وقالت ناديا الفتاة العشرينية لوكالة أنباء ((شينخوا)) "كنت برفقة والدتي واخوتي الصغار نتسوق في سوق (المرج) الشعبي عندما لمحت شابا بوجه بشوش يحاول الاقتراب مني وبكل جدية وادب صارحني بالقول اريد التعرف عليك بقصد الزواج".
وأضافت "لم يخطر ببالي أن التقي في غربتي القسرية بعريس يحميني من غدر الزمان"، مشيرة إلى أن "فترة الخطوبة كانت قصيرة وتوجت بعقد قراننا بحضور المقربين من العائلتين".
من جهتها، حاولت جيهان العزيري (18 عاما) من ريف حلب بسورية التي عقدت قرانها على الشاب اللبناني عادل القادري ، حبس دموع انهمرت على وجنتيها الورديتين، وقالت إنها "دموع الفرح بتحقيق حلم الزواج ودموع الغصة على بلدي الجريح" ثم اعتذرت عن عدم قدرتها على متابعة الحديث.
أما النازحة سعاد ابو العزي من ريف حلب المتزوجة من الشاب اللبناني سليم السعدي منذ 6 أشهر فقالت ل(شينخوا) "لقد تكررت سبحة المصاهرات اللبنانية مع عائلات النازحات السوريات وأكثر من 20 نازحة في مخيمنا والمخيمات القريبة المحيطة بمدينة "شتورا" تزوجن من شبان لبنانيين".
ووصفت هذه الزيجات بأنها "ناجحة" بسبب "لهفة الفتاة السورية النازحة للاستقرار وقدرتها على المراعاة والتكيف مع ظروف شريك حياتها الاجتماعية والمادية مما يخفض من ميزانية تكلفة الزواج لدى الشاب اللبناني".
وتتقارب احصاءات الجهات المانحة والجمعيات الخيرية اللبنانية والمؤسسات المعنية بعمليات الإغاثة ودوائر المحاكم الشرعية في تقدير عدد زيجات النازحات بشبان لبنانيين بما بين 25 و 28 الف زيجة منذ بدء النزوح السوري إلى لبنان في العام 2011، لافتة إلى أن اكثر هذه الزيجات حصلت في مخيمات النازحين في الأرياف بشرق وجنوب وشمال لبنان.
وحول رأي أهالي النازحات السوريات في هذه المصاهرات روت سلمى ابو عجرم النازحة من ادلب إلى "راشيا الوادي" بجنوب لبنان وهي والدة فتاة متزوجة من شاب لبناني ل((شينخوا)) أنها تبارك وتشجع هذه الظاهرة لما لها من "مفاعيل ايجابية على المجتمع النازح بشكل عام وعلى الشاب اللبناني الذي يعاني من وضع اقتصادي صعب".
من جهته، قال حامد سليمان النازح من ريف دمشق والذي كانت ابنته سمر قد تزوجت منذ نحو عام من شاب لبناني في بلدة "جب جنين" في البقاع الغربي أن هذه الزيجات "ترفع من حالة احتضان بين النازحين والأنسباء الجدد اللبنانيين، كما من شأنها تمتين العلاقة التاريخية بين العائلات السورية واللبنانية".
وفي الجانب القانوني للزيجات، ذكر امير أحد موظفي مديرية الاحوال الشخصية بجنوب لبنان أن دائرته التي تغطي حوالي 27 بلدة تسجل شهريا حسب الأصول القانونية نحو 5 عقود زواج على أن تكون اوراقها الثبوتية صحيحة وتحمل التواقيع المعتمدة من كافة الجهات المعنية اللبنانية والسورية.
وأوضح الشيخ اسماعيل القاضي في احدى المحاكم الشرعية اللبنانية ان إنجاز معاملة الزواج لعروس سورية وعريس لبناني يستلزم تأمين العروسين الوثائق الرسمية العائدة لها بحسب الأصول القانونية المتبعة.
وأضاف ان المحاكم الشرعية ترفض إنجاز وتسجيل أي عقد قران بين سورية ولبناني من دون الوثائق الثبوتية وبشكل خاص حصول العروس على إخراج قيد مصدق من وزارتي الداخلية والخارجية السورية ومن السفارة السورية في لبنان ووزارة الخارجية اللبنانية، إضافة إلى تأكيد الدخول الشرعى إلى لبنان من الأمن العام اللبناني.
ولفت إلى أهمية هذه الوثائق في اثبات عزوبية وأهلية العروس للزواج وأنه "في حال تعذر الحصول على الوثائق الرسمية الخاصة بالزواج يمكن للعروسين اللجوء إلى "عقد زواج براني" يكون شرعيا ولكن غير قانوني لأن عدم اثباته وتسجيله يسبب مشاكل كبيرة لاحقا خصوصاً بالنسبة لتسجيل المواليد".
وحول "عقد الزواج البراني"، قالت حوراء النازحة من ريف دمشق أنه "يوقع النازحات في حيرة فعلية لكن لا خيار أمامنا سوى المغامرة في هذا الزواج غير الشرعي أو تأجيل الزواج بسبب افتقاد بعض السوريات أوراق هوية رسمية وهو الأمر الذي قد يتعذر تأمينه لدى بعض اللواتي لظروف مختلفة ما يجعلهن يغامرن ب"البراني" هروبا من شقاء النزوح".
وفي رأي الشباب اللبناني بهذه الزيجات، أعرب احمد ابو علي المتزوج من نازحة في مخيم سهل مرجعيون، عن سعادته وارتياحه بزواجه، مؤكدا أن "الفتاة السورية تتميز بتفانيها وبحرصها على زوجها وأسرتها وبأنها ربة منزل ممتازة ولاهتمامها بالمظهر".
واعتبر ان استمرار الزيجات اللبنانية/ السورية من شأنه "تعزيز حالة القرابة القائمة تاريخيا بين العائلات على طرفي الحدود مما ينعكس ايجابا على الواقع الاجتماعي والحياتي بين البلدين".
ولفت إلى أن "الكثير من الشبان اللبنانيين يعجز عن تأمين شروط وتكاليف الزواج من فتاة لبنانية، في حين أنها أقل وطأة وتطلبا لدى الفتاة السورية التي تنشد الاستقرار في الغالب".
وأشار إلى أن مواطنته اللبنانية تركز على "التحصيل العلمي كأولوية لتحقيق طموحات تعليمية ووظيفية وأن النتيجة تكون بعد دخولها سوق العمل مبالغة في شروط المهر والسكن وحفل الزفاف في وقت يشهد فيه لبنان أوضاعا اقتصادية متردية وغلاء المعيشة وارتفاعا جنونيا في أسعار الشقق".
أما الشاب جمال المتزوج من نازحة سورية في مخيم "الوزاني" بجنوب لبنان فقال ل((شينخوا)) إن "عدة عوامل تكمن خلف تزايد الزيجات اللبنانية/السورية أخيرا ومنها شعور الشاب اللبناني بأن الزواج من اللاجئات هو شكل من أشكال الشهامة وإتمام لواجب ديني".
في المقابل وحول عدم اقبال الفتيات اللبنانيات على الزواج من السوريين النازحين بقدر نظرائهم الشبان اللبنانيين، أعادت المدرسة اللبنانية جمال القادري (24 عاما) السبب إلى حالة عدم الاستقرار المادي والحياتي التي يعيشها الشبان النازحون والتي تمنعهم من تأمين ادنى متطلبات الزواج في الاستقرار والحد الأدنى من رغد العيش".
واستدركت القادري بابتسامة عريضة ، انه "في حال كان النازح من الطبقة المكتفية ماديا في سوريا، وهم كثر، فعندها يكون عرض الزواج، عرضه للبحث والدرس".
بدورها، أشارت المرشدة الاجتماعية المتخصصة في علم النفس والاجتماع زينة عماشة ل((شينخوا)) إلى أن ما يحصل من زيجات بعد النزوح السوري إلى لبنان ليس جديدا وأن هناك تاريخيا تداخل كبير بين المجتمعين اللبناني والسوري على مستوى المصاهرة والزواج وخصوصا بين العائلات المسلمة السنية والدرزية والمسيحية الأرثوذكسية وخصوصا العائلات اللبنانية ذات الأصول السورية التي كانت هاجرت إلى لبنان في القرن الماضي في اعقاب التطورات السياسية والاقتصادية التي شهدها سوريا.
وقالت إن ظاهرة تنامي زواج النازحات السوريات بشبان لبنانيين تدخل في اطار التواصل الثقافي والاجتماعي المستمر بين لبنان وسوريا، يضاف اليه العامل الاقتصادي بتوجه الشاب اللبناني للزواج بنازحة بهدف الوصول إلى حياته الزوجية بكلفة مادية يعجز عن تأمينها لفتاة لبنانية وذلك في وقت تنظر فيه الفتاة السورية إلى الشاب اللبناني نظرة تقدير لتنعمه بميزات اجتماعية تهز مشاعرها".
ولفتت عماشة إلى شوائب ترافق زيجات النازحات، وأشارت إلى أن احصاءات صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" تكشف أن نحو 32 بالمائة من حالات الزواج بين النازحات في لبنان هي لفتيات دون سن الثامنة عشر.
وذكرت أن نسبة كبيرة من النازحات السوريات اللواتي في لبنان تتراوح أعمارهن بين 15 و19 سنة كن قدمن من الأرياف حيث ينخفض مستوى التعليم، وأنهن تزوجن من لبنانيين دون شروط بسبب تزويج بعض الأسر لفتياتها الصغيرات بسبب الفقر أو التقاليد أو الرغبة في توفير الحماية لبناتها.
يذكر أن عدد النازحين السوريين في لبنان يصل إلى حوالي مليون لاجئ مسجل على قوائم مفوضية اللاجئين الأممية في حين ان السلطات اللبنانية تقدر عددهم بحوالي مليون ونصف مليون نازح يقيم معظمهم في أكثر من الف و 400 مخيم عشوائي موزعة على مختلف المناطق اللبنانية.
أرسل تعليقك