بغداد ـ العرب اليوم
سواء كان بتصميم مسبق منه أم طبقا لمجريات الأحداث فإن عقد مؤتمر «بغداد للتعاون والشراكة» بحضور مميز لجيران العراق وأصدقائه الإقليميين كان بمثابة انتصار شخصي لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. فكل ما سبق القمة أو ما جرى خلالها أو ما بعدها من وقائع انتهت إلى أن الكاظمي تمكن من «تبريد» بعض من أزمات المنطقة وأعاد لبلاده التي كانت عازلة ومعزولة طوال 18 عاما جزءا مما كانت تتمتع به من مكانة في الإقليم.
وبرغم أن النجاح في السياسة الخارجية لا يعد من وجهة نظر الطبقة السياسية العراقية نجاحا بحد ذاته طالما لم تضع هي بصمتها عليه، فإن ردود فعل الشارع الإيجابية حيال عقد المؤتمر ومخرجاته أحرجت القوى والأحزاب، لا سيما خصوم الكاظمي، وهم في الغالب المقربون من إيران. الشيء الوحيد الذي أريد من خلاله دغدغة مشاعر الجمهورية العاطفية بشأن المؤتمر هو تسويق كتاب تم تسريبه من أمانة مجلس الوزراء بخصوص تكاليف القمة التي بلغت طبقا للكتاب نحو 3 مليارات دينار عراقي (بحدود مليوني دولار أميركي). لكن المفاجأة أن المواطنين لم يوجهوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي انتقادات حادة لإنفاق هذا المبلغ الذي بدا بالنسبة لهم طبيعيا لمؤتمر بهذا الحجم، أو حتى لو تم قياسه بحجم الأموال المنهوبة من العراق دون وجه حق فإنه يكاد لا يذكر.
وبالتزامن مع عقد القمة التي حظيت بمباركة من العدوين اللدودين الصديقين للعراق الولايات المتحدة الأميركية وإيران فإن الكاظمي أجرى اتصالا هاتفيا مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي وجه خلال الاتصال دعوة رسمية له لزيارة طهران. وقبل يومين لبى الكاظمي الدعوة وذهب إلى إيران بوفد وزاري كبير قوامه 7 وزراء. وفي طهران زف ما عده رئيسي بشرى ينتظرها الإيرانيون وهي رفع التأشيرة بين البلدين. هذا الإجراء سكتت عنه القوى السياسية الباحثة عن زيادة موارد الدولة عبر بوابة السياحة ومن بينها مبالغ تأشيرات الدخول فإنها أصلا كانت قبل إلغائها شبه مجانية وبالتالي فإن الكاظمي قدم هذه الهدية لرئيسي الذي يحتاجها في مفتتح رئاسته.
خصوم الكاظمي وإن لم يعلنوا موقفهم من زيارته إلى إيران عبر بيانات رسمية لأنهم قريبون من إيران لكنهم منحوا وسائل إعلامهم مساحة لتوجيه انتقادات أو إيحاءات بشأن ما قدمه الكاظمي للإيرانيين لمصلحته الشخصية وهي دعم إيران له لولاية ثانية وليس لمصلحة البلد، كما يرون.
ومثلما حصل في قمة بغداد التي صبت مخرجاتها لصالح الكاظمي حتى من حيث التوقيت، فإن توقيت زيارته إلى إيران قبل أقل من شهر على إجراء الانتخابات البرلمانية بدا مهما بالنسبة له وقاتلا بالنسبة لخصومه. فالكاظمي الذي لا ينتمي إلى أي كتلة برلمانية وليس مرشحا للانتخابات القادمة بدا سلاحه الوحيد لمواجهة خصومه، ومعظمهم مقربون من إيران، هو العمل باسم الدولة وما حققه من منجزات على صعيد السياسة الخارجية. وفي إيران التي يرى الكثيرون أن الولاية الثانية لأي مرشح لرئاسة الوزراء من المكون الشيعي (الكاظمي شيعي لكن ليس إسلاميا) لا بد أن تمر من البوابة الإيرانية. وطبقا لمسار الأحداث وآراء المتابعين للشأن السياسي العراقي فإن إيران وفي سياق علاقاتها التي بدأت تتحلل مع دول الخليج العربي وبقاء علاقتها ملتبسة مع الولايات المتحدة الأميركية، برغم قيام الكاظمي بنقل رسائل تطمين بين الطرفين، تحتاج الكاظمي لولاية ثانية لإكمال هذه الملفات التي قد لا يجيدها أو لا يتحمس لها غيره.
مع ذلك فإنه وطبقا للتجارب السابقة في طريقة اختيار رئيس الوزراء العراقي فإن إيران في النهاية هي من ترجح كفة المرشح الذي ترى فيه أكثر قربا منها، لكنه وطبقا للتحولات الجارية في المنطقة حاليا فإنها قد تبحث عن رئيس وزراء ليس بالضرورة مواليا لها بقدر ما هو قادر على مساعدتها في التغلب على أزماتها الخارجية.
السياسي العراقي وعضو البرلمان السابق حيدر الملا يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «حكومة الكاظمي نجحت في الاستثمار الصحيح في السياسة الخارجية حيث لا المحور الإيراني يمكن أن ينتهي ويتلاشى ولا المحور الأميركي يمكن أن ينتهي ويتلاشى ولا تزال هناك حاجة لإيجاد سياسة مقاربات في إطار مصالح مشتركة تنظم العلاقة بين المحورين وتعيد الاستقرار للمنطقة ويمكن أن يكون هناك استثمار ناجح».
وأضاف الملا أن «حكومة الكاظمي لعبت دورا واضحا في هذا الإطار وما زالت تلعب»، مبينا أن «قضية الولاية الثانية قد تكون جزئية صغيرة أمام فكرة إيجاد مقاربات بين المحاور المتخاصمة». وأشار إلى أن «الكاظمي بالتأكيد طامح في ولاية ثانية ويريد الاستثمار في النجاح الذي حققه على مستوى السياسة الخارجية وفي الملف الأمني».
من جانبه، يرى أستاذ الإعلام في جامعة أهل البيت بالكوفة الدكتور غالب الدعمي لـ«الشرق الأوسط» أن «إيران والولايات المتحدة الأميركية هما اللاعبان الرئيسيان في العملية السياسية العراقية ويلعبان دورا رئيسيا في تحديد هوية رئيس الوزراء، حيث إن أي رئيس وزراء في ظل هذه الظروف لن يتم تمريره ما لم يحظ بموافقة إيران أو الولايات المتحدة»، مضيفا «أحيانا يحصل شذوذ في هذه القاعدة مثلما حصل كما في كيفية مجيء عادل عبد المهدي أو العبادي نسبيا بينما على صعيد الكاظمي حين أُتي به رئيسا للوزراء كانت الموافقة الإيرانية على مضض». وأضاف الدعمي أن «الولاية الثانية للكاظمي فهي ليست مستبعدة أبدا حيث لا توجد شخصية حققت توافقا بمثل ما حققه الكاظمي وإن لم يحظ برضا أميركي تام لكنه الأفضل لها بينما إيران قد لا تجد فيه البديل الجيد لها لكنه لا يحمل ضغينة ضدها أو محاولة إحداث ضرر في العلاقات بين العراق وإيران».
قد يهمك ايضا
"طالبة الستوتة" تسرد قصتها وتكشف طموحها بعدما هزت صورتها العراق والسلطات تتدخل
مكتب رئيس الحكومة العراقية يعلن إحباط عملية لتزوير الانتخابات
أرسل تعليقك