يحضّر «مجلس الأمة» الجزائري لإصدار لائحة تطالب الحكومة الفرنسية بتنظيف المواقع، التي أجرت فيها تجارب نووية بداية ستينات القرن الماضي، قبيل الاستقلال، والتي استمرت بعده لسنوات. يأتي ذلك في وقت يشكل فيه «موضوع تجارب الذرة» أحد أهم الخلافات في العلاقات الجزائرية - الفرنسية، التي تمر بأسوأ حالاتها منذ الصيف الماضي.
وجرى استحضار قضية التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر، ومخلفاتها على الإنسان والطبيعة، أمس (الاثنين)، بمناسبة عرض مشروع قانون يتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها، من طرف وزيرة البيئة نجيبة جيلالي، حسب بيان لـ«مجلس الأمة»، الذي يرأسه صالح قوجيل، وهو الرجل الثاني في الدولة، بحسب الدستور.
وأكد قوجيل في كلمة بمناسبة تداول النص القانوني، أن بلاده «تطالب فرنسا بتحمل مسؤوليتها الثابتة، بخصوص إزالة نفايات التفجيرات النووية، التي أجراها المستعمر الفرنسي في صحراء الجزائر، إبان الفترة الاستعمارية»، داعياً إلى إبراز هذا الموقف في القانون، الذي يتم التحضير له. كما أشار إلى أن الجزائريين الذين يعيشون في المناطق المجاورة لمواقع التفجيرات «ما زالوا يعانون من مخلفاتها إلى يومنا»، في إشارة إلى تقارير طبية تتحدث عن تشوهات خلقية تظهر على مواليد جدد في تلك المناطق، حيث يعتقد خبراء أن للإشعاعات النووية يداً فيها.
ويرتقب أن يتضمن تقرير لـ«لجنة التجهيز والتنمية المحلية»، التابعة لـ«مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية)، عناصر عن آثار هذه التجارب، وسيعرض على أعضاء الهيئة البرلمانية بعد غد (الخميس).
الرئيس الجزائري طلب من الرئيس الروسي المساعدة في تنظيف مواقع التجارب النووية الفرنسية (الرئاسة الجزائرية)
من جهته، طالب عضو «مجلس الأمة» عن «الثلث الرئاسي»، جلول حروشي، أثناء مناقشة القانون، الحكومة الجزائرية، بـ«إعادة فتح ملف النفايات النووية في رقان، وأدرار وإينيكر بولاية تنمنراست (أقصى الجنوب)، والضغط على فرنسا للاعتراف بجرائمها وإزالة نفاياتها النووية».
وأجرت فرنسا تجارب نووية في صحراء الجزائر بداية ستينات القرن الماضي، واستمرت حتى عام 1967. ففي 13 فبراير (شباط) 1960، فجرت قنبلة بلوتونيوم في منطقة رقان (900 كلم جنوب) بقوة 70 كيلو طن، أي أقوى بثلاث أو أربع مرات من قنبلة هيروشيما. وكشفت وثائق رفعت عنها السرية في 2013، أن الآثار الإشعاعية للتفجير طالت غرب أفريقيا بأسره وجنوب أوروبا.
ويندرج موضوع التفجيرات النووية فيما يعرف بـ«ملف الذاكرة»، الذي كان محل اجتماعات بين باحثين في التاريخ من الجزائر وفرنسا منذ 2022، على أن تفضي هذه الاجتماعات إلى علاج لـ«أوجاع الماضي الاستعماري».
وقطع البلدان أشواطاً إيجابية في السنتين الأخيرتين في قضية استرجاع أرشيف ثورة التحرير الموجود بفرنسا. كما تطالب الجزائر، ضمن هذا الملف، بالاعتراف بالجرائم الاستعمارية، وتقديم اعتذار رسمي عنها، وإعادة الممتلكات الثقافية والتاريخية، التي تم نهبها من طرف القوات الاستعمارية الفرنسية، مثل القطع الأثرية والفنية، زيادة على دفع تعويضات مالية للضحايا وأسرهم، خصوصاً الذين تعرضوا للتعذيب والقتل، أو فقدوا ممتلكاتهم أثناء الاستعمار (1830 - 1962).
وعاد موضوع التجارب النووية الفرنسية ليطرح بقوة، منذ أن تدهورت العلاقات بين البلدين بشكل غير مسبوق، في نهاية يوليو (تموز) الماضي، بسبب إعلان قصر الإليزيه اعترافه بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء.
الرئيس الجزائري طلب من الرئيس الروسي المساعدة في تنظيف مواقع التجارب النووية الفرنسية (الرئاسة الجزائرية)
ونهاية العام الماضي، دعا الرئيس عبد المجيد تبون في خطاب أمام غرفتي البرلمان، فرنسا، إلى التحرك لتطهير المناطق، التي شهدت تجاربها النووي، حيث قال: «أنت أصبحت قوة نووية وتركتِ لي المرض... تعالي نظفي الأوساخ التي تركتها». ولما زار روسيا في يونيو (حزيران) 2023، عرض على فلاديمير بوتين إبرام اتفاقيات تتعلق بإزالة مخلفات التجارب النووية الفرنسية، وقال إن الجزائر «ترغب في الاستعانة بأصدقائنا الخبراء الروس».
أرسل تعليقك