أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد مؤخرا أمرا رئاسيا يتعلق بضبط التدابير الاستثنائية، التي كان قد قررها في الـ25 من يوليو/ تموزالماضي. وجاء في الأمر الرئاسي أيضا، الإقرار بمواصلة تعليق جميع اختصاصات البرلمان، إضافة إلى وضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيسه وأعضائه، إلى جانب تعليق جزء من الدستور والاكتفاء فقط بالتوطئة والبابين الأول والثاني، معلناً إشرافه على إعداد مشاريع تعديلات متعلقة بالإصلاحات السياسية صحبة لجنة سيتم تنظيمها بأمر رئاسي.القرارات جاءت بعد خطابٍ قدمه رئيس الجمهورية يوم 20 سبتمبر/ أيلول الجاري في محافظة سيدي بوزيد، أعلن خلاله اعتزامه وضع مشروع قانون انتخابي جديد عبّر عنه سعيّد في كلمته بأنه سيجعل من النائب مسؤولا أمام ناخبيه، في إشارة إلى مشروع "الديمقراطية المباشرة" الذي نادى به الرئيس منذ حملته الانتخابيّة.
جدل دستوري منعرج جديد فرضته قرارات الرئيس الأخيرة التي أثارت جدلاً واسعاً في أوساط فقهاء القانون الدستوري وكذلك على مستوى الطبقة السياسيّة، التي باتت تجهل كلياً ملامح النظام السياسي الذي يرتسم في ذهن الرئيس والذي يسعى إلى تكريسه باعتماد ما أسماها "التدابير الاستثنائية". الدعوات لتعديل القانون الانتخابي ليست وليدة قرار الرئيس قيس سعيد فقط حيث طالبت عديد القوى السياسية منذ سنوات بضرورة إحداث تنقيحات على هذا القانون نظراً لعدة اعتبارات. شخصيات سياسية أخرى طالبت في العديد من المناسبات بضرورة تعديل هذا القانون على غرار رئيس كتلة الإصلاح بالبرلمان المجمّدة أشغاله حسونة الناصفي، الذي دعا منذ أواخر العام الماضي، إلى ضرورة انكباب مجلس نواب الشعب على تعديل القانون الانتخابي في 2021، معتبرًا أنه في حالة لم يتم تنقيحه السنة القادمة، سيصبح من الصعب التوصل إلى اتفاق بشأنه فيما بعد.
مطلب أغلب القوى السياسية في هذا السياق قال الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي في تصريح لـسبوتنيك أنّ الرهان الحقيقي لا يكمن في تغيير القانون الانتخابي فحسب بل لابدّ من تغيير المنظومة الانتخابية برمتها بما في ذلك من قوانين الأحزاب والجمعيات وإحداث هيكل تشريعي ينظم عمليّة سبر الآراء وكذلك إحداث قانون لتنظيم الدوائر الانتخابية وتنظيم التمويل العمومي للأحزاب السياسية. وارجع المغزاوي الحاجة الملحة لتغيير القانون الانتخابي إلى تقادم هذا النص وعدم ملاءمته ومتطلبات المرحلة، حيث صاغته هيئة عياض بن عاشور بغاية تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، الذي كان يستدعي ضرورة تمثيل مختلف الأطياف السياسية من أجل صياغة الدستور، ولكن المعادلة اليوم مختلفة وفقا لقوله، مضيفا "نحن بحاجة إلى نوّاب شعب يتم انتخابهم بأغلبية لا ببقايا الأصوات".
وبخصوص إعلان رئيس الجمهوريّة اعتزامه تنقيح القانون الانتخابيّ علّق المغزاوي قائلاً نّ إحداث تحويرات جذريّة لهذا النص التشريعي يعتبر من أبرز الإصلاحات التي يجب المرور بها في صورة الحديث عن إصلاحات حقيقية، كما يجب تشريك مختلف الأطياف السياسية والمجتمعيّة والاعتماد على تجارب مقارنة من أجل صياغة قانون جديدٍ .ويرى المغزاوي أنه من بين المفارقات الغريبة أنّ الانتخابات البلديّة تضع عتبة 3 بالمائة من الأصوات من أجل الفوز بمقعدٍ في المجلس البلدي، بينما لا يشترط الفوز بمقعد في مجلس نوّاب الشعب أي عتبة وهناك من أصبح نائباً فقط بـ 265 صوتاً.
وختم المغزاوي قائلاً " ضعف القانون الانتخابي الذي كان معمولا به طيلة السنوات الماضيّة يعتبر أحد الأسباب التي أدت إلى استفحال الفساد السياسي، وكان ملاحظا تبعا لذلك، اتفاق عدد كبير من القوى السياسية المتعارضة في بعض الأحيان على ضرورة مراجعة هذا النص.
ثغرات قانونيّة
من جهته اعتبر نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر في تصريح لـسبوتنيك ، أنه في صورة وجود رغبة حقيقية في إجراء تغيير إيجابي على القانون الانتخابي فلابد من مراجعة أغلب أبوابه وفصوله، وعموماً فإن أكبر المشاكل التي طرحها هذا القانون هي ما يسمى بإدماجية الناخبين أي القيام بتسجيل اختياري من أجل المشاركة في العملية الانتخابيّة وهذا ما ساهم في عزوف العديد عن الانتخاب بخلاف مرسوم سنة 2011 الذي كان يسجل آليا كل مواطن تونسي يبلغ من العمر 18 سنة ليصبح ناخباً ولا يحتاج إلى القيام بعملية التسجيل.
وأضاف بوعكسر بأنّ شروط الترشح تعتبر من الهفوات الكبيرة للقانون الانتخابي مقترحا أن يتم تضمين شرط النقاوة من السوابق العدلية وضرورة الإدلاء بالبطاقة عدد3 عند التقدم للانتخابات، إضافة إلى تقديم المترشح تصريحاً بالمكاسب وتضارب المصال، مؤكدا على هذين الشرطين نظراً لأن عدداً كبيرا من أصحاب السوابق العدلية أو من علقت بهم شبهات قد تترتب عنها عقوبات قضائية اتجهوا نحو مجلس نواب الشعب من أجل اكتساب الحصانة والتهرب من القضاء.
ولفت بوعسكر إلى أنّ الجانب الإعلامي يحظى بأهمية قصوى إذ يجب مراقبة الإشهار السياسي الذي يعتبر من بين أبرز المشاكل خلال انتخابات 2019 إلى جانب المال السياسي.من بين المعضلات التي أشار إليها بوعسكر خلال حديثه لسبوتنيك، معضلة القضاء وبطء إصدار الأحكام القضائيّة الذي يتجاوز في بعض الأحيان الخمس والست سنوات وبالتالي يصبح دون معنى بعد انقضاء العهدة البرلمانية، علاوة على مراقبة تمويل الحملات الانتخابية الذي أقرّ القانون الانتخابي السابق هذه المهمة إلى عدة هياكل "ولكن لاحظنا كهيئة انتخابات أنها تعمل دون تنسيق لذلك نقترح إحداث هيكل موحد يضطلع بهذه المهمة".من جانبه قال الناشط في المجتمع المدني معز عطية في تصريح لسبوتنيك "يوجد ثلاث مقترحات لتغيير القانون الانتخابي كانت مقدمة من حركة النهضة وحزب ائتلاف الكرامة ومقترح اخر قدمه مجموعة من النواب لكن هذه المقترحات لم تشمل كل الثغرات التي يحملها القانون الانتخابي ولا تمس جوهر نظام الاقتراع. "
وبخصوص أهم هذه الثغرات ينبه معز عطية خاصة الى عملية تنظيم الحملة الانتخابية ورقابتها ورقابة تمويلها، ففي القانون الحالي لا توجد عقوبات ردعية تمنع الاشهار السياسي او تجاوز سقف الانفاق الانتخابي بل هي مجرد خطايا انتخابية لا تزعج القائمات المترشحة.
وينبه معز عطية الى كل ما يتعلق بالإشهار السياسي خاصة منه على شبكات التواصل الاجتماعي 'الفايسوك' باعتباره يبقى فضاء غير مراقب ويقول "طالبنا سابقا هيئة الانتخابات بالتواصل مع ادارة الفايسبوك لتنظيم العملية لكن ذلك لم يحصل". ويختم عطية بمسألة التمويل الاجنبي خاصة للقائمات المترشحة خارج تونس والتي يصعب مراقبة مصادر تمويلها أو حملات المناصرة واللوبيينع مثل التي اكتشفناها عن طريق مؤسسة رسمية أمريكية لثلاث قائمات مترشحة ولم يقع البت فيها الى غاية اليوم وهذا يحيل الى موضوع آجال التقاضي في الجرائم الانتخابية، الأمر الذي يستوجب ايجاد طريقة للبت في الجرائم الانتخابية قبل اعلان النتائج النهائية للابتعاد عن كل الشبهات مثلما هو سائر في عدة دول.
قد يهمك ايضا
الإعلان في تونس عن تأسيس جبهة تطالب بـ"عزل الرئيس"
قيس سعيد يوسع صلاحياته في أمر رئاسي خاص بالتدابير الاستثنائية
أرسل تعليقك