ليس هناك أكثر وجعاً على النفس البشرية من الفقد، ولا شيء يدمي القلب، سوى فقد الابن الذي يرهق الروح اشتياقاً، وينهك البدن ألماً كلما مرت ذكراه.
هذه تراجيديا إنسانية حقيقية كُتبت بالدموع لأبوين يشكوان الفقد، ويديران ظهرهما لكل شيء في الحياة، ويلتقيان عند قبري ابن وابنة في مقبرة بالرياض، ليتنفسا أكسجين الذكريات.
هذه القصة جمعت أبو دانة القحطاني وأبو جمال الفلسطيني اللذين أصبحا صديقين في المقبرة، ليعبر كل منهما للآخر عن حرقته وهو يحكي عذابات الفراق حين وداعه لفلذة كبده ومهجة روحه.
يقول أبو دانة القحطاني الذي فقد ابنته دانة في شهر رمضان الماضي إنه ومنذ وفاة ابنته دانة، وهو يذهب للترحم عليها وزيارتها، موضحاً أنه خلال وجوده في المقبرة تعرف على الفلسطيني أبو جمال الذي كان يشاركه الألم في وفاة ابنه.
وأضاف: “قصة صديقي أبو جمال موجعة، فقد ابنه جمال البالغ من العمر 12 عاما، قبل سنة تقريبا، والتقينا صدفة وعرف كل منا بقصة الآخر”.
وأشار أبو دانة وهو يتحدث عن صديقه إلى أن أبو جمال أصيب بمرض في القلب لشدة حزنه على ابنه، الذي كان يزوره في اليوم أكثر من 5 مرات.
وتابع حديثه: “أبو جمال مقيم في السعودية وهو من مواليد السعودية، وعاش هو ووالده الذي كان أيضاً يعمل معلما في السعودية طوال السنوات الماضية هنا”.
وأكمل القصة: “كان ابنه جمال يشكو من عيب خلقي في عضلة القلب، ولم يدخر والده جهدا أو مالاً في علاجه على نفقته الخاصة إلا أن المنية وافته قبل عام تقريبا، وعلى الرغم من أن أبو جمال لديه أبناء وبنات، إلا أن الله سخر جميع مشاعره لابنه الذي يزوره في الفجر وفي العصر والظهر والمساء ويقف بجوار سور المقبرة ليلاً لكي يدعو له”.
وعن اللقاء الأول بينهما قال أبو دانة إن أبناء أبو جمال حكوا لوالدهم عن قصة ابنتي المعروفة في مواقع التواصل الاجتماعي وأثناء زيارته لقبر ابنه صادف وجودي في المقبرة، وجاءني أبو جمال وبدا لي منهكاً من شدة الحزن وفي قلبه غصة، وتعرفنا على بعض ولازمته من حينها.
وأضاف: “أقوم في كل يوم اثنين وجمعة بزيارة ابنتي دانة وأدعو لها ولجميع الموتى بالرحمة والمغفرة”.
وتابع أبو دانة: “اكتشفت أيضاً أنه يسكن بجواري ويقوم بزيارات عديدة لابنه في اليوم، حتى إنه يمر بجوار المقبرة ليلا أو كلما ضاقت به الظروف وأطبقت الدنيا في وجهه أبوابها، يأتي بجانب سور المقبرة ومن حسن حظه أن قبر ابنه قريب من السور وأحيانا يقضي طوال الليل في انتظار فتح المقبرة للذهاب إلى ابنه والسلام عليه والدعاء له”.
وأشار أبو دانة إلى أنه حاول أن يسلي عن صديقه، الذي يجتمع معه في رابطة الحزن، على حد وصفه.
وأن يأخذ بيده رغم أنه يتألم لوفاة ابنته فجأة، وكان موتها فاجعة بالنسبة له.. ثم ردد: “يشهد الله أننا من الصابرين والمحتسبين”.
كما أوضح أبو دانة أن أبو جمال منذ أن غاب عنه المعزّون لا يجد سلواه إلا عند قبر جمال، وأهمل بيته وعمله وساءت ظروفه وشكله بسبب هذا الحزن.
وأضاف: “نجتمع معاً ويصبر كل منا الآخر، ألمي نفس ألمه”.
وفي لقاء مع أبو جمال الذي عرفنا باسمه بسام حسن السويدان، سألناه عن قصته، تحدث وهو يجهش بالبكاء ويتذكر ابنه قائلاً: “سمّيته على اسم شقيقي المتوفى منذ 20 عاماً وكان اسمه جمال”.
مضيفاً: “روحي متعلقة بهذا الولد، كان يصبرني على مصاعب الحياة، ويزرع في نفسي الأمل، أجريت له 3 عمليات في القلب”، ثم لم يستطع الحديث من البكاء.
سكت قليلا وتماسك ثم أكمل: “أجريت لجمال 3 عمليات في القلب مثلما أخبرتك، فقد كان يعاني من ضمور في الجهة اليسرى من القلب بذلت الكثير من أجل أن يعيش ويبقى بيننا.. كان ينام بجواري واليوم أقوم من النوم ناسياً كي أغطيه بالبطانية فلا أجده، فأمسك برأسي وأقول اللهم ثبت عقلي وصبرني على ابتلائك بفقدان ابني”.
وعن طبيعة وجوده في السعودية أوضح أبو جمال: “نعيش في السعودية في أمن وأمان وهي بالنسبة لي وطني وأنا مولود هنا، وشعبها كريم نبيل”.
وعن أمنياته في الحياة، أضاف: “إن كان هناك أمنية فأتمنى مساعدتي في علاج قلبي، وعودة أولادي إلى الدراسة، وهذا كل شيء لي بعد الله في هذه الدنيا”.
ولفت إلى أنه لن يتوقف عن زيارة إبنه طالما بقي حياً ولن ينساه، على حد وصفه.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
مؤلف "سقوط حر" وائل حمدي يُعلن أنَّه استهدف البحث في النفس البشرية خلال المسلسل
أرسل تعليقك