المنامة ـ العرب اليوم
يحتفل الشعب المغربي بـ 30 تموز من كل عام، لتزامنه مع الذكرى الخامسة عشر لاعتلاء ملك المملكة المغربية محمد السادس عرش المملكة، وذلك استحضاراً منهم للإنجازات الكبرى التي تشكلت خلال تلك الفترة الزمنية.
كما أن ما تميزت به تلك الحقبة، يتضح جلياً في تنامي العلاقات الخارجية بين المغرب والبحرين خصوصاً، والتي تمتد منذ ما يزيد على أربعين سنة، إذ تحولت إلى نوع من التضامن المشبع بروح الأخوة والتعاون والتشاور الوثيق على أعلى المستويات.
ويزيد عدد الجالية المغربية بالمملكة عن 3500 نسمة، يتوزع نشاط أفرادها بين قطاع التعليم والخدمات والأعمال، لذلك تسعى السفارة المغربية بشكل حثيث إلى تحسين أدائها القنصلي طبقاً لنظم وقوانين بلد الاعتماد.
المسار الإصلاحي
أطلق جلالة الملك محمد السادس منذ توليه الحكم في 1999، سلسلة إصلاحات هيكلية وقطاعية أحدثت طفرة نوعية في بنية النسيج الاقتصادي، فبتوجيه ملكي، جرى اعتماد مقاربة تشاركية في رسم وتنفيذ السياسات التنموية، ترتكز على التعاقد بين الحكومة والقطاع الخاص على أساس برامج قطاعية محددة، وتتضمن التزامات كل طرف وفق جدول زمني واضح وعلى التوازن الضروري بين جهات المملكة وإعطاء كل منها حقها كاملا في التنمية والتطور.
ووفق هذه الرؤية طرحت مبادرات متعددة، منها تأسيس مفهوم جديد للسلطة يعتمد على سياسة القرب وإشراك المواطنين في تدبير الشأن العام، وترسيخ دعائم دولة الحق والقانون وحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك تكوين هيئة للإنصاف والمصالحة ، وتنظيم الحقل الديني ، وتحديث المنظومة القانونية للأسرة ووضع أسس النظام الجهوي، الذي كان منطلقا للخطاب الملكي التاريخي لـ 9 مارس 2011، الممهد لوضع هندسة دستورية خلاقة ومتوازنة للسلطات، ووطد دعائم الديمقراطية التشاركية والعدالة الاجتماعية والحكامة الجيدة علما أن هذه الإصلاحات تمت بروح التوافق والتشاور وبمساهمة كافة القوى الحية والنخب السياسية والاقتصادية والمهنية والفكرية والجمعوية.
وفي نفس السياق، تعززت شبكة البنيات التحتية من طرق وسيارة ومطارات وموانئ، منها ميناء طنجة المتوسطي، الذي أصبح من أكبر موانئ إفريقيا والبحر المتوسط.
وبحسب تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية فقد جذب المغرب 3.6 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة سنة 2013.
وبموازاة ذلك، يسعى المغرب لتجاوز الخلافات المفتعلة والتوجه نحو صنع مستقبل جماعي أفضل في نطاق نظام مغاربي جديد متحرر من الرواسب الإيديولوجية البائدة، ويستجيب لتطلعات وآمال شعوب الدول الخمس في التقدم والاستقرار والتنمية المشتركة. ومن هنا، يعد الخطاب الملكي أمام المجلس التأسيسي بتونس نداءً مخلصا وشجاعا للتماثل مع منطق التاريخ وحتمية مواجهة التحديات التنموية والمخاطر والتهديدات الأمنية المحدقة بالمنطقة.
التنمية البشرية
وفي 2005 أطلق جلالته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، المرتكزة على أن يكون المواطن في صلب الأولويات والسياسات العمومية، وذلك وفق منظومة قوية من القيم المتمثلة أساساً في احترام كرامة الإنسان، وتقوية الشعور بالمواطنة وتعزيز الثقة والانخراط المسئول للمواطن في التنمية المحلية.
وفق ثلاثة محاور أساسية:
1- التصدي للعجز الاجتماعي بالأحياء الحضرية الفقيرة والجماعات القروية الأشد خصاصا. 2- تشجيع الأنشطة المدرة للدخل القار والمتيحة لفرص الشغل. 3- العمل على الاستجابة للحاجيات الضرورية للأشخاص في وضعية صعبة.
المغرب الأخضر
وقد أعلن الملك محمد السادس عن مشروع "مخطط المغرب الأخضر" لجعل الفلاحة المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد الوطني خلال الـ 15 سنة القادمة، وذلك بالرفع من الناتج الداخلي الخام وخلق فرص للشغل و محاربة الفقر وتطوير الصادرات.
ويهدف المخطط الذي أطلق في 2008، إلى جعل القطاع رافعة أساسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويعتمد على مقاربة شمولية ومندمجة لكل الفاعلين في القطاع الفلاحي.
ويستند المخطط المغربي على دعامتين، تستهدف الأولى الفلاحة العصرية ذات قيمة مضافة هامة، في حين تخص الدعامة الثانية الفلاحين في وضعية صعبة.
وتهدف الدعامة الأولى إلى تقوية وتطوير فلاحة ذات إنتاجية عالية وتستجيب لمتطلبات السوق عبر تشجيع الاستثمارات الخاصة. وتهم هذه الدعامة ما بين 700 و900 مشروع يمثل حوالي 110 إلى 150 مليار درهم من الاستثمارات على مدى 10 سنوات.
فيما تتوخى الدعامة الثانية محاربة الفقر في الوسط القروي عبر الرفع بشكل ملحوظ من الدخل الفلاحي في المناطق الأكثر هشاشة. وينتظر في إطار هذه الدعامة إنجاز 550 مشروعا تضامنيا، باستثمار يتراوح بين 15 و20 مليار درهم على مدى 10 سنوات.
الاستراتيجية السياحية
كما تتمثل الاستراتيجية السياحية 2011 - 2020، في نطاق رؤية 2020 في إحداث ست وجهات سياحية جديدة وإضافة 200 ألف سرير وخلق 470 ألف منصب شغل وتوظيف 100 مليار درهم من الاستثمارات، ورفع العائدات السياحية من 60 مليار درهم، حاليا، إلى 140 مليار درهم، سنة 2020، وجلب حوالي 20 مليون من السياح، وبالتالي مضاعفة حجم القطاع السياحي، ما سيجعل المغرب ضمن الوجهات السياحية العشرين الأولى في العالم ووجهة مرجعية في مجال التنمية المستدامة في الحوض المتوسطي. وتعتمد هذه الاستراتيجية على إنجاز 8 مناطق ترابية لضمان التناسق السياحي والجاذبية الضرورية لتحقيق التموقع الدولي وتثمين المؤهلات السياحية لكل المناطق، علما أن صناديق استثمارية خليجية تسهم في هذه المشاريع.
الطاقة
وتهدف مخططات الطاقات لاستيفاء 42? من حاجياته من الكهرباء عبر استغلال الطاقات المتجددة (الشمس والرياح والماء) في أفق 2020، ففي مجال الطاقة الشمسية، يهدف مخطط الطاقة الشمسية، الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس سنة 2009، إلى تطوير محطات إنتاج الكهرباء الشمسية بقدرة إجمالية تصل إلى 2000 ميغاواط في أفق 2019 بكلفة 70 مليار درهم (8.2 مليار دولار). وحددت خمسة مواقع لاستقبال هذه المحطات.
وفي سنة 2011 طرحت الحكومة صفقة مشروع إنشاء المحطة الأولى ضمن هذا المخطط في ورزازات بقدرة 160 ميغاواط، والتي تعد أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم. ورست الصفقة على شركة أكوا باور السعودية التي شرعت في إنشاء المحطة في أبريل (نيسان) 2013 بكلفة تناهز مليار دولار. وستدخل هذه المحطة حيز التشغيل في 2015.
وفي مجال استغلال الرياح، تصل القدرة الإنتاجية للمشاريع الموجودة وتلك التي توجد في طور الإنجاز إلى 1000 ميغاواط. وقد وضع برنامج لمضاعفة هذه القدرة في أفق 2020 بكلفة استثمارية تناهز 16 مليار درهم (1.9 مليار دولار).
العمق الافريقي
يعمل المغرب في إطار التعاون جنوب – جنوب وخاصة على الصعيد الإفريقي، وهو التوجه الاستراتيجي الذي تعزز مؤخراً بتدبير إنساني غير مسبوق، لتدفقات المهاجرين الأفارقة وحماية الأمن الجماعي ودعم استقرار الدول وتأمين حصانتها الروحية ضد التطرف والإرهاب.
ويعد المغرب ثاني مستثمر إفريقي في القارة (بأكثر من 400 مليون دولار) وفي صدارة البلدان التي تتقاسم معرفتها وتجربتها الوطنية، وخاصة في ميدان التنمية البشرية والاتصالات والقطاع المصرفي والري والتكوين الجامعي والتقني، حيث يتجاوز عدد الطلاب 13 ألف ينتمون لأربعين دولة، جلّهم يستفيدون من منحة مغربية.
وعرفت هذه الشراكة انطلاقتها منذ 2000 بإقدام المغرب خلال قمة إفريقيا – أوروبا بالقاهرة على إلغاء كافة ديون الدول الإفريقية الأقل نمواً عرفت زخما مستمرا بفضل الزيارات الملكية الموفقة لمجموعة من البلدان الإفريقية.
العلاقات الثنائية
إذا كان لي أن اختزل العلاقات النموذجية والمميزة بين المغرب والبحرين في كلمة واحدة فسأصفها بالتضامن المشبع بروح الأخوة والتعاون والتشاور الوثيق على أعلى المستويات.
فبدء تلك العلاقة انطلق مع استقلال البحرين قبل أكثر من أربعين عاماً، بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الشقيقين، والتي ظلت دائما خاضعةً وفق التوجهات ومحددات الدبلوماسية المغربية القائمة على احترام الشرعية واستقلال الدول وسيادتها الترابية ووحدتها الوطنية ورفض التدخل في شؤونها الداخلية وعلى أساس فضائل الانفتاح والاعتدال والاتزان وعرف ديناميكية مميزة في ظل التوجيهات السامية للملك محمد السادس وجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
وأضحت العلاقات المغربية البحرينية أكثر عمقاً وأوسع مدى في مجالات التعاون الثقافي والإعلامي والحقوقي والجامعي والتقني والأمني فضلا عن التنسيق المحكم في المحافل والمنتديات، حكومية وبرلمانية ومهنية، وخاصة ما يتعلق بالدفاع عن وحدة التراب الوطني لبلدين وقفا تاريخيا بإباء وكرامة وصمود ضد الأطماع الخارجية للمحافظة على كيانهما المستقل وشخصيتهما القانونية ضد الاحتلال الأجنبي.
الاقتصاد المتبادل
ويضاف لذك فإن البلدان يرتبطان باتفاقيات للتعاون الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات. وفي أيار 2012 وقع في المنامة مذكرة تفاهم بين المركز المغربي لإنعاش الصادرات المغرب تصدير وغرفة التجارة والصناعة لمملكة البحرين، لتنمية المبادلات التجارية وتشجيع تدفق حركية الاستثمارات، إلا أننا نتطلع لضرورة تحقيق حجم أكبر من المبادلات التجارية وخلق انفتاح أكبر بين الجانبين، من خلال المشاركة في المعارض التجارية وتبادل المعلومات والبيانات في الحقل الاقتصادي، وذلك يظل رهيناً بضمان حركة النقل البحري والجوي بين البلدين.
التعليمي والثقافي
وفي إطار تعزيز الدبلوماسية الثقافية التي تعتبر من أولويات العمل الدبلوماسي، وإبراز مقومات الحضارة المغربية، نظمت أيام ثقافية مغربية بالمنامة خلال الفترة ما بين 18 و21 آذار 2013، وتُوِّجت بالتوقيع على مذكرة تفاهم بين المكتبة الوطنية للمملكة المغربية ومركز عيسى الثقافي، كما تم تدشين جناح الكتاب المغربي بالمركز، وستحل البحرين ضيف شرف برسم سنة 2014 على موسم أصيلة.
كما وقعت مذكرة تفاهم بين جامعة القرويين وجامعة البحرين في تشرين الثاني 2013، والتي من المنتظر أن يشرع في تفعيلها بإذن الله خلال الموسم الجامعي المقبل، والمتعلقة ببرنامج الماجستير كمرحلة أولى، من خلال شعبة خاصة بالقرويين، تحت اسم الدراسات الإسلامية وقضايا العصر .
الأمني والحقوقي
وفيما يتعلق بمجال حقوق الإنسان، فإن زيارة وزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان في أيار 2014، عقد خلالها لقاءات مع قطاعات الخارجية و الداخلية، والعدل وحقوق الإنسان، فضلا عن استقباله من طرف كل من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ورئيس مؤسسة الوسيط. وأبرمت اتفاقية تعاون أمني وتقني بين البلدين خلال زيارة وزير الداخلية الشيخ راشد آل خليفة للمغرب في مارس الماضي، وذلك على هامش حضوره لاجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب بمراكش.
ووقعت مذكرة تفاهم في كانون الأول 2013 في مجال الحكامة الإدارية. وبموازاة ذلك، لا بد من الإشارة للتعاون البرلماني المشترك بين البلدين الشقيقين، إذ قام وفد من مجلس النواب البحريني لنظيره المغربي.
المحور الاجتماعي
وفيما يتعلق بالجالية المغربية العاملة في المملكة بقطاعات التعليم والخدمات والأعمال، إذ يبلغ عددهم داخل المملكة أكثر من 3500 نسمة، وتسعى السفارة المغربية بشكل حثيث إلى تحسين الأداء القنصلي طبقا لنظم وقوانين بلد الاعتماد، كما وتتقدم ببالغ الشكر والامتنان للسلطات البحرينية على حسن تعاونها مع أبناء الجالية وتذليل ما قد يعترضهم من مصاعب.
ولم يدخر المغرب وسعاً لتوفير آليات متقدمة للشراكة المغربية -الخليجية في نطاق الخطة المتعددة الأبعاد 2012-2017 الموقعة بالمنامة في تشرين الثاني 2013،
عيد العرش المجيد
إن احتفال الشعب المغربي بهذا الحدث المجيد، إنما هو لحظة استحضار لهذه الإنجازات الكبرى على طريق تثبيت الوحدة الوطنية والسيادة الترابية للمملكة، فقد شكلت امتدادات هذه الديناميكية قوة دفع حقيقية لإضفاء مزيد من الإشعاع للدبلوماسية المغربية ونشاطاتها في خدمة الأمن والتنمية المستدامة في العالم. كما أن العمل الدبلوماسي أضحى فعلاً تضامنياً ملموساً على عدة أوجه، بدءاً بالدفاع عن القضية الفلسطينية والمحافظة على الطابع المتفرد للقدس الشريف كفضاء للسلام والتعايش بين الأديان السماوية بفضل الجهود الموفقة والمبادرات العملية للملك محمد السادس رئيس لجنة القدس التي عقدت دورتها 20 في كانون الثاني الماضي بمراكش ووضعت خطة عمل متكاملة لدعم هذه المدينة السليبة.
المصدر: بنا
أرسل تعليقك