تونس - العرب اليوم
إلى جانب الأزمة السياسية التي تعصف بتونس، تشهد البلاد جدلا حول سباحة المرأة في شهر رمضان. إذ ظهرت فتاوى تدعو التونسيين إلى الالتزام بضوابط لم يعتادوها قبل الثورة. فهل ينحاز التونسيون إلى الفتاوى المتشددة أم إلى البحر؟
واصل التونسيون قصة غرامهم مع البحر المتوسط، الذي تمتد ضفافه التونسية على طول 1300 كلم غير مهتمين بما تتداوله الصحف من تصريحات لبعض الشيوخ، الذين ظهروا بعد الثورة، والتي تحرّم السباحة في رمضان نهارا.
فقد تناقلت الصحف التونسية أن عادل العلمي، رئيس الجمعية الوسطية للتوعية والإصلاح، التي عرفت سابقا بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد أفتى بعدم ارتياد الشواطئ طيلة شهر رمضان بالنسبة للصائمين لكي لا يفسدوا صيامهم. واعتبر العلمي "أن ذلك حرام، إذ كيف لصائم أن يتوجّه إلى البحر وهو يعلم أنه سيشاهد أجساد النّساء عارية".
اخترنا زيارة شاطئ منطقة قرطاج بالضاحية الشمالية للعاصمة مع نهاية الظهيرة عندما هدأ الحر وخرج الناس من بيوتهم لقضاء شؤونهم وشراء حاجياتهم. لم نكن نتوقع أن نجد عددا كبيرا من المصطافين في يوم عادي من رمضان وفي وسط الأسبوع. كان شاطئ صلامبو، الذي اخترنا زيارته، يعج بأناس من جميع الأعمار جاؤوا لقضاء أوقات منعشة على ساحل البحر.
على رمال شاطئ قرطاج الساحر تشد الزائر فسيفساء المصطافين الرائعة التي تشكلها فتيات وشباب ونساء كهول وأطفال وعائلات كاملة تتقاسم باحترام ومرح كبير الشاطئ والبحر.
تحدثنا إلى محمد وزوجته وإحدى قريباته. جاء محمد لقضاء الوقت مع ابنيه الصغيرين وزوجته، سألناه عن الفتوى، نفى علمه بها وقال "إن الأمر لا يستحق التعليق. والناس الذين قدموا للسباحة في البحر لا أحد منهم يهتم للأمر أو قد سمع بالفتوى أصلا".
زوجة محمد محجبة وتلبس لباسا للبحر داكن اللون يحاول أن يتماشى واللباس الإسلامي. أما قريبته الشابة فتلبس لباسا قصيرا بألوان جذابة يظهر كل مفاتنها. لما سألناها عن السباحة في رمضان، قالت "إن الأمر حرية شخصية وليس لأحد مهما كان موقعه في الحكم أو في المعارضة أن يتدخل فيها"، لم تعلق أكثر على الموضوع واختارت أن تجيب على سؤالنا بالارتماء بين أحضان البحر.
غير بعيد عن عائلة محمد اختارت شابتان تلبسان البكيني التمدد على الشاطئ والاستمتاع بنسيم البحر وشمس الأصيل تحت عيون بعض الشباب، الذين كانوا يلعبون الكرة بالقرب منهن. ورغم ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية عن سعي بعض الأطراف الدينية المتشددة لفرض رأيها بالقوة على رواد البحر والترويج لمشروعها المجتمعي ورؤيتها للحياة والدين، يبدو أن الشباب التونسي لا يعير اهتماما لما يروج في وسائل الإعلام ولا لدعاة التشدد الديني، الذين احتلوا الفضاء العام بعد الثورة.
واختار بعض كبار السن الجلوس على الشاطئ للاستمتاع بنسيم البحر والهروب من حر الصيف. ويقول عم محمد، الذي كان يجلس على الرمال قبالة البحر، إنه هرب من حر شقته وضيق جدرانها وضوضاء الشارع الذي تطل عليه. ويعتبر عم محمد أن البحر هو البحر في رمضان أو غيره.
سألنا الشباب الذين كانوا يلعبون الكرة عن نظرتهم للباس المرأة على الشاطئ. ورغم اختلاف آرائهم حول نوع اللباس الملائم للسباحة للمرأة، يتفق أغلبهم على أن اللباس حرية شخصية. ويرون أن البكيني أو لباس البحر الإسلامي أو غيره من أنواع اللباس الذي تختاره المرأة التونسية لا يعدو كونه اختيارا فرديا، ولا يجب أن تتدخل سلطة دينية أو مدنية في ممارسة الأفراد للحرية الشخصية.
ويرى عديد الشباب أن من ينظر إلى جسد المرأة على أنه مثير للغرائز ومستفز للصائمين، قاصر فكريا ويخفي كبتا متوارثا، وأن إنسانية الإنسان أرقى من أن تلخص النظرة للمرأة في جسد ومفاتن.
ويؤكد أسامة فارس، الباحث في المذاهب الإسلامية، في حديث لـ DWعربية بجواز السباحة في حال الصوم. ويقول، إن كبار العلماء قد أفتوا بذلك ولم يحرموه. ويرى أن التونسيين في أغلبهم مسلمون وأنهم يصومون شهر رمضان ويقيمون لياليه. ويعتبر أن التشهير بغير الصائمين غير معقول، فكثيرا ما يرجع المسلم إلى دينه وباب التوبة مفتوح أمام المسلم غير المتدين.
وفي المقابل يرى فارس أنه من غير المعقول أيضا المجاهرة بالإفطار في شهر الصيام على شواطئ البحر واحترام حرية الصائمين وتقاليد البلد وأعرافه السائدة. ويضرب فارس مثلا أحد التقارير التلفزية الذي أظهر بعض الشباب وهم يفطرون في شهر رمضان على شاطئ حلق الوادي الشعبي الشهير، ويرى أن هذا الشكل من السباحة والمجاهرة بالإفطار غير مقبول من قبل أغلب التونسيين.
ويتفق التونسيون، مهما كانت فئاتهم الاجتماعية، على أن تداعيات التجاذب السياسي وظهور بوادر تيارات دينية متشددة لن تمنعهم من السباحة في رمضان أو غيره ولن تغير من نمط عيشهم الذي ألفوه.
أرسل تعليقك