أكد فخامة العماد ميشال سليمان الرئيس اللبناني السابق ان تحقيق الاتصال الناجح والمفيد بين الحكومة والشعب لا يجد سبيلا إلا عبر ممارسة مميزة عصرية تعتمد على اللامركزية " المشاركة والاتصال " ..مشيرا الى ان المركزية في الحكم ترهق الحكومات والقيادات وتبعدهم عن الواقع الذي يعيشه الشعب وبالتالي عن تكوين رؤية شاملة للأهداف فيما تتيح اللامركزية الاتصال اللصيق بالشعب وحاجاته وآرائه.
وقال الرئيس اللبناني السابق ضيف شرف المنتدى - في كلمته بالجلسة الافتتاحية للدورة الرابعة من المنتدى الدولي للاتصال الحكومي باكسبو الشارقة - انه لم يعد هناك دور للوسيط كي يطلع الناس على مجريات الأمور والمستجدات وأصبح الفرد مجبرا على اتخاذ موقف معين بين طرفي نزاع حتى من دون معرفة أي طرف منهما.
وما تنامي نزعة الإرهاب والتطرف وإلغاء الآخر وقتله التي قوبلت بالانعزال والتقوقع ورفض الآخر إلا انعكاس سيئ لهذا الدفق من الأنباء والمعلومات والإعلام.
وفيما يلي نص الكلمة ..
// نأتي اليوم إلى إمارة مشرقة في إمارات مشرقة على وجهها المنير إمارات أمل وتباشير بأن الإنجاز العربي ممكن بل هو الآن واقع رائع.
صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
أيها الحفل الكريم يسرني أن أحل ضيف شرف على دياركم في المنتدى الدولي للاتصال الحكومي وألقي كلمة الافتتاح وسط نخبة من رجال السياسة ورواد الفكر والاجتماع والإعلام من كل أنحاء العالم.
السيدات والسادة شرح جان جاك روسو بعد أرسطو وأفلاطون فلسفة العقد الاجتماعي على أن الدولة والسلطة هي نتاج اتفاق عقدته الجماعة تقوم بموجبه الحكومة بإدارة حياة أفرادها وتقديم الخدمات لهم وفض نزاعاتهم وحمايتهم من الأخطار الداخلية والخارجية.
وعندما أصبحت نظرية العقد الاجتماعي نظرية علمية متكاملة لم يتبادر إلى ذهن واضعيها أن سلوك أفراد الشعب وتطور ذهنياتهم الناتجة من التقدم العلمي سيبلغ هذا الحد الذي نشهده اليوم.
كما أن تنامي الحاجات البشرية في أشكالها المختلفة سيتطلب من الحكومات ممارسة أسلوب مميز في الحوكمة يعتمد بشكل أساسي على الاتصال في وقت ستجد هذه الحكومات نفسها مدعوة الى جبه تحديات جمة في مناخ من العولمة وتسابق الإنسان مع الآلة.
التوسيع: أهمية التواصل بين الحكومة والشعب: إن تطور المجتمع الناتج من التقدم العلمي وبخاصة في مجالي تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الاتصال أثر بشكل فعال على أسلوب حياة الأفراد وذهنياتهم وتصنيف القيم لديهم.
فالمجتمع المعاصر هو مجتمع استهلاكي معولم تطورت فيه روح الانتقاد وتنامت كذلك الحاجة الى فهم الأمور والمعضلات..كما أن نزعة الانتقاد هذه غالبا ما تنقلب الى روح عدائية تجاه الحكومات والقادة ..وفيما أصبح التسلط مرفوضا فالتهاون وقلة الاكتراث والديماغوجية باتت مرفوضة بشكل أكبر دخل الإعلام المباشر وغير المباشر إلى عقول البشر وبيوتهم .. دخل إلى أماكن العمل إلى الحقل والمصنع والمؤسسة دخل إلى الثكنة وحفر الجنود والخنادق وأصبح الفرد يسمع ويرى المسؤولين يتوجهون إليه مباشرة.
لم يعد هناك دور للوسيط كي يطلع الناس على مجريات الأمور والمستجدات وأصبح الفرد مجبرا على اتخاذ موقف معين بين طرفي نزاع حتى من دون معرفة أي طرف منهما.
وما تنامي نزعة الإرهاب والتطرف وإلغاء الآخر وقتله التي قوبلت بالانعزال والتقوقع ورفض الآخر إلا انعكاس سيئ لهذا الدفق من الأنباء والمعلومات والإعلام.
هذا التحول في السلوك العام فرض تغيرا في طبيعة العلاقات بين الشريكين الحكومة والجمهور ورسم أسلوبا مميزا في ممارسة الحكم يعتمد بشكل أساسي على الاتصال بين الشريكين.
ب - أسلوب الحكم /القيادة/ المعاصر: إن تحقيق الاتصال الناجح والمفيد بين الحكومة والشعب لا يجد سبيلا إلا عبر ممارسة مميزة عصرية تعتمد على اللامركزية المشاركة والاتصال /Communication/.
- اللامركزية: إن المركزية في الحكم ترهق الحكومات والقيادات وتبعدهم عن الواقع الذي يعيشه الشعب وبالتالي عن تكوين رؤية شاملة للأهداف فيما تتيح اللامركزية الاتصال اللصيق بالشعب وحاجاته وآرائه .. واللامركزية في هذا المعنى تخفف الأعباء عن الحكومة المركزية وعبر إدامة الاتصال مع القاعدة تحقق الليونة وتعمل على ربح الوقت وزيادة التحفيز وتأتي قرارتها أكثر ملاءمة للاوضاع المتغيرة ولكن يقتضي الاحتفاظ بوسائل الاسترجاع /Feedback/ لمعرفة الأحداث التي تجري والمستجدات والقدر المناسب من الصلاحيات لتمكين الحكومة المركزية من القيام بواجب تنفيذ متطلبات العقد الاجتماعي عندما يتجاوز الوضع قدرة الحكومات اللامركزية. هذه اللامركزية تتطلب أيضا إشراك المختصين والمسؤولين والهيئات الشعبية في صنع القرارات.
- المشاركة: إن مناخ العولمة يسود الكون وينتشر كالنار في الهشيم ليطاول كل نواحي الحياة الاجتماعية الثقافية السياسية والحياتية حيث أدى الى تقارب في مفاهيم كثيرة والى تباعد ساحق في أخرى.
هذا المناخ ألبس المشاركة لباسا فضفاضا يبدأ بإشراك المرؤوسين والموظفين والعمال والفلاحين إلى إشراك المؤسسات إلى جانب بعضها البعض وصولا إلى إشراك الشعب في اختيار ممثليه وتقرير مصيره وإشراك الهيئات المنبثقة منه في التعبير عن رأيها في إدارة الشأن العام.
ولن نغالي إذا قلنا إن هذه المشاركة أصبحت ملزمة ايضا مع الحكومات الأخرى والمنظمات العالمية لإيجاد حلول للمعضلات الكبرى كالبيئة والفقر والصحة والطاقة والإرهاب والتطرف وغيرها.
هذه المشاركة في داخل الكيانات يجب أن تراعي كل مكونات الدولة دون النظر فقط الى أحجامها العددية أو قدراتها الاقتصادية بل أيضا وأولا قدراتها الحضارية والثقافية والانسانية.
**********----------********** إن إشراك كل الشرائح التي سبق ذكرها يحقق الاتصال بين الحكومة والجمهور وعلى الحكومة تأمين إدامة هذا الاتصال توخيا للفائدة القصوى.
- الاتصال: تقوم الحياة البشرية برمتها على الاتصال أي العلاقات الانسانية بما في ذلك العلاقات العاطفية والدينية والعسكرية والسياسية كذلك التجارية والمهنية والعائلية والاجتماعية.
فإذا كان على الحكومة من جهة إقناع الجمهور بأهدافها فعلى الجمهور من جهة ثانية دفع الحكومة الى تبني هواجسه وتطلعاته وتلبية حاجاته المتزايدة فلا سبيل الى ذلك إلا في الاتصال.. ورغم أن الإعلام ما يزال وسيلة ناجحة في الإقناع فهو يبقى عملا في اتجاه واحد وبخاصة إذا لم تكن الوسائل الإعلامية حرة وموضوعية.
إما الاتصال فهو فكرة أغنى وأكثر إنسانية هي التبادل وردة الفعل والمشاركة .. وإن كانت أبلغ اشكال الاتصال هي اللغة والكلام الانساني والوجه الذي هو نافذة "الأنا" على الآخرين والايماءات والحركات والمظهر الخارجي والصوت فلم يعد الاتصال يقتصر على الخطابة فقط بل على الوسائل الحديثة وأساليب الحكم العصرية أيضا.
من هنا يشكل انعدام أقنية الاتصال وتهرب الحكام والقادة والحكومات من الدخول في الاتصال مع الجمهور والفئات العاملة ابتعادا ذهنيا وماديا /جسديا/ ويخلق حواجز تؤدي الى البيروقراطية في الادارة والمؤسسات.
والاتصال المرجو المبني على الثقة والفاعلية ينبغي أن يجيب عن حاجات الجمهور ليتلاءم مع مستوى الإدراك والاهتمام لدى الذين يتوجه اليهم ويتميز بالصراحة والدقة والشفافية والموضوعية المفترضة. وينبغي أيضا أن يكون سهل الاستيعاب مستداما شاملا وفي الوقت المناسب.
إذا كان الاتصال الممنهج يمهد الطريق للامركزية والمشاركة فإن استعمال الأساليب الملاءمة يعبد هذا الطريق إلى أسلوب أفضل للحوكمة والقيادة.
ج - أساليب الاتصال: إن الانسان هو العنصر المحوري في تحقيق الإتصال ومن المهم جدا إشراك المرأة إلى جانب الرجل في هذه العملية وعلى الحكومات والقادة توفير الأساليب والوسائل وعلى الجمهور ايضا مسؤولية الانخراط والتفاعل مع الحكومة عبر هذه الوسائل والأساليب لإقناعها بمطالبه.
وجل ما نبتغيه في مؤتمرنا هذا هو بناء "ثقافة التواصل" انطلاقا من برامج العلاقات العامة للتواصل الحكومي للقيام بوظائف الحكومة الاعلامية التفسيرية التسهيلية التثقيفية الاقناعية والتقييمية.
ينبغي الاعتماد ليس فقط على التقنيات الحديثة بل ايضا على الطرق المتنوعة وحتى التقليدية منها التي مارسها منذ القدم الملوك والأمراء والشيوخ ورؤساء العشائر عبر اللقاءات والتجوال بين الناس بالأزياء التنكرية.
أبرز الوسائل والأساليب هي: *اللقاءات والاجتماعات وجلسات الحوار /الديوانيات/ والخطابات.
*الاعلام بالاتجاهين عبر الوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة والاعلام الالكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي والهواتف النقالة.
*الهيئات الناظمة الموازية مثل حكومات الظل برلمانات الشباب وسيط الجمهورية النقابات المجالس الاقتصادية المدنية الجمعيات وهيئات المجتمع المدني.. الخ.
سأتوقف هنا لأن غدا ستظهر وسائل اخرى أكثر تطورا الأمر الذي يفرض تحديات جمة على القادة والحكومات كما يلقي ايضا مسؤوليات كبرى على عاتق المرجعيات الوطنية والدينية حتى لا يقودنا الاتصال الى الشر وتدمير المجتمع والخروج من جوهر العقد الاجتماعي.
د- التحديات التي تواجه الاتصال الحكومي: /1/- إن تأثير الاعلام أدى الى غياب الوسيط بين الجمهور والقيادات وبالتالي الى الشعور بالعزلة لدى الأفراد وعلى الحكومات والقادة واجب إزالة الحواجز والمسافات المادية والنفسية التي تفصلهم عن المواطنين عبر الاتصال.
/2/- في مناخ العولمة يدفع جنون الاستهلاك والتحريض الاعلامي القيم الى الحضيض ويبقى في ضمير المسؤولين والقادة والحكومات واجب المحافظة على حقوق الانسان والحريات المسؤولة والقيم الانسانية والاخلاقية والسياسية التي تتطلب حضورا أكبر للدولة.
/3/- بناء ثقافة التواصل لدى المسؤولين والجمهور وتهيئة البيئة المناسبة لذلك عبر: /أ/- فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتحقيق توازنها لأن الدمج يقود الى الاستبداد.
/ب/- سن القوانين التي تحمي الاتصال من الغطرسة السياسية وهيمنة الافكار الرجعية التي تخشى أحكام الجمهور.
/ج/- إزالة الرقابة الصارمة عن الاعلام وعدم تكبيل الصحافة بعقائد ديكتاتورية.
/د/- هدم الابراج العاجية التي تحيط بالمسؤولين الابتعاد عن الغطرسة وإعتماد الشفافية عبر اتاحة السبل للجمهور من خلال الاتصال التعرف الى عادات وتقاليد القادة الذين يتولون شؤونه كما الاطلاع على طريقة حياتهم ومعيشتهم وفهم عواطفهم وردود فعلهم.
السيدات والسادة التطور مستمر والاجيال تتفاعل معه افرادا وجماعات.
يتسابق الانسان مع التقنية وتتجه المؤسسات نحو نظام التحكم الآلي.
لكن يبقى الانسان صمام الأمان يمنع الشر ويقدم الخير يقف بوجه الباطل ويعلي شأن الحق.
يبقى القادة الذين يعيشون حاضر أمتهم ليسيطروا على الآلة ويقودوا سفينتهم الى شاطىء الأمان من خلال تحميل المواطنين المسؤولية بتطبيق اللامركزية ومشورتهم والحوار معهم عن طريق السماح لهم بالمشاركة واقناعهم بالاهداف المرجوة بتأمين الاتصال الدائم معهم.
إخواني ..
منتداكم الدولي هو الاول من نوعه على مستوى المنطقة والعالم.
أنا واثق من أنه سيكون على قدر الهمم والعزائم والتطلعات مساهما في تقدم مجتمعاتنا وأمتنا العربية وإعطاء الصورة النقية عن هذه المنطقة وعن الاسلام والمسيحية في وقت تمعن الظلامية والارهاب في تشويه قيمنا وشيمنا.
صاحب السمو: أحيي ريادتكم في كل المجالات واشكر لكم مبادرتكم ..
المصدر: وام
أرسل تعليقك