ليس بالجمال وحدَه تحيا سيرين عبد النور. حتماً كان بهاء الطلّة سلاح البدايات، لكن مع حصاد الألقاب والنجاحات، أيقنت الفنانة اللبنانية أن ما يسكن داخل ذلك الرأس الجميل أهم وأبقى من ملامح الوجه والقوام المتناسق.
تخرج من مطبخ بيتها حيث أمضت نصف يوم وهي تعدّ الطعام لعائلتها الصغيرة. تشغلها تفاصيل ولدَيها تاليا وكريستيانو، تريد لهما الأفضل رغم تحديات الزمن والوطن. «إذا اقتضت مصلحة عائلتي أن أبتعد عن الفن، سأفعل ذلك طبعاً. ولن تكون المرة الأولى، فهذا حصل سابقاً عندما قررتُ إنجاب طفلي الثاني»، تؤكّد في حديثها تتعامل مع الواقع بواقعيّة، فالانغماس في الوسط الفني علمها أن لا مجدَ يدوم وأنه مهما لمع، فكل نجم معرّض لأن يخفت نورُه في وقتٍ من الأوقات. «حتى من كنتِ تظنينهم أصدقاء قد يبتعدون عنك إذا شحُب الضوء حولك»، تقول من دون عتب ولا خيبة. تضيف: «في الماضي كان لدي أصدقاء كثر، لكن مع الوقت تغربلوا. فمنهم من أحبني لشخصي، ومنهم من التصق بي لنجوميتي. أبهرني الضوء بداية ولم أعرف التمييز، لكن عندما تنخفض الأضواء تتضح الصورة».
غير أن اللحظة ليست للظل، بل للوقوف في قلب الضوء والاستمتاع بنجاح مسلسلها الجديد «العين بالعين». كل مساءٍ تجلس وزوجها فريد رحمة أمام شاشة منصة «شاهد»، تصوّب عيناً على أدائها والعين الثانية على ردّات فعل فريد: «هو داعمي الأول والأخير. يمنحني الثقة الكاملة ولَولاه لما خضت تجربة مسلسل (روبي) عام 2011، هو الذي دفعني باتجاهه بعدما ترددت بسبب إنجابي ابنتي تاليا».
«لأدائي في (العين بالعين) أضع علامة 80 على 100»، تقول بصراحة. وتضيف: «أنتقد نفسي بقسوة لذلك لا أتأثر بالنقد السلبي. لا يتطوّر مَن لا يشاهد أداءه ويشرّحه تفصيلاً وراء تفصيل».
المسلسل الذي أنتجته شركة «سيدرز آرت – صبّاح إخوان»، وتشاركت سيرين بطولته مع الفنان رامي عياش ومجموعة من الممثلين المخضرمين تحت إدارة المخرجة رنده علم، ظهّرها بحلّة جديدة. لم يخفَ الأمر على المشاهدين الذين لمسوا تحوّلاً في هويتها الدراميّة، واستوقفهم أداؤها الذي حاكى الواقع شكلاً ومضموناً. تتحدّث بشغف عن شخصية «نورا»: «شكّل هذا الدور تحدياً بالنسبة لي، لأنه الأول من نوعه في مسيرتي كما أنني وضعتُ فكرتَه. من أجله تخليت بالكامل عن كل ما له علاقة بالشكل الخارجي. لم أكترث نهائياً بالأزياء، ولا بالماكياج ولا بتصفيف الشعر».
لا تخفي إعجابها بـ«نورا»، تلك الصحافية الاستقصائية الجريئة التي تحسدها سيرين على شجاعتها: «فيها ما يشبهني، كالإصرار والصراحة، لكنها أشجَع مني فأنا أُجري حسابات كثيرة قبل اتخاذ القرارات». ومن أوجُه الشبه بين سيرين ونورا، تلك العلاقة الخاصة بين الابنة وأبيها. فالممثلة متعلّقة جداً بوالدها، وكما نورا، هي في قلق دائم على صحته. أسهم هذا الأمر في تعزيز الصدق ضمن مشاهد ذرفت فيها عبد النور دموعاً حقيقية، لكثرة ما استحضرت صورة والدها.
سيرين عبد النور بدور «نورا» في «العين بالعين»
في لعبة العرض والطلب، تحافظ سيرين على علاقة احترام وموَدّة مع شركات الإنتاج كافة لكنها لا تطرق باب أحد. فبعد 22 سنة في المجال، تدع أدوارها تتحدّث باسمِها، ومن بين تلك الأدوار هي تميّز «روبي» التي نقلتها من الشاشة اللبنانية إلى العالم العربي، و«نايا» من مسلسل «لعبة الموت» لأنها كرّست حضورها الدرامي وثبّتته عربياً. أما مسلسل «دور العمر» فكان اسماً على مسمّى بالنسبة لها: «كان دور عمري. شخصية شمس طلّعتني من حالي... عندما كنت أشاهد، سألت نفسي مراراً: مين هَي؟»، تقول مبتسمة.
في هذه المرحلة من مسيرتها، وصلت عبد النور إلى قناعات عدّة، أولها أن تكرار الأدوار لن يضيف شيئاً إلى رصيدها، وثانيها أن النجاح لا يكتمل سوى بالشراكة. تقول في هذا السياق: «يعلّمك النضج أن التمثيل عمل مشترك ومتكامل العناصر، من الإنتاج والإخراج والسيناريو مروراً بالتصوير والإضاءة والموسيقى، وصولاً إلى الممثلين. ليس البطل أو البطلة من يصنع نجاح المسلسل، بل الحلقة المترابطة بين كل تلك العناصر».هي لم تتخلَّ نهائياً عن الغناء، لكنها أودعته جانباً في زمنٍ لا تعمّر الأغاني في الذاكرة بقدر ما تعيش المسلسلات، وفي وقت قررت أن تستثمر كل طاقتها تمثيلياً.
سيرين عبد النور مع عائلتها
من أسباب اعتزاز سيرين عبد النور بمسيرتها، أنها وضعت لها العواميد الأساس في فترة ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي؛ تعتبر هذا الأمر نعمة وغنى لسيرتها الذاتية. هي آتية من سنواتٍ كان الجهد الواقعي هو الحَكَم خلالها، وليس النشاط الافتراضيّ.
مع ذلك، فهي تحترف لعبة السوشيال ميديا: «ما أعكسُه عبر صفحاتي على منصات التواصل حقيقي. لا شيء يضطرّني إلى افتعال الإيجابية. أنا ممتنّة لأنّ صحتي وصحة عائلتي بخير، وهذا كافٍ حتى أعيش بفرح وأحاول أن أنشره من حولي». تضيف هنا مبرّرة هذا الرضا: «التجربة التي مرّ فيها ابن شقيقتي مع مرض السرطان علّمتنا جميعاً في العائلة أن لا قيمة لشيء من دون الصحة».
شكّل هذا الامتحان الشخصي الذي خرج منه ابنُ شقيقتها معافى، منعطفاً في حياة سيرين. بدّل أولوياتها ونظرتها إلى الحياة: «تعلمت مع مرور السنوات أن أترفع عمّا هو ماديّ. صرتُ أختصر الجمال بالأثر الطيّب الذي أتركه عند الناس. الجمال هو أن أتلقّى نظرات المحبة من الناس، وليس الإعجاب بشكلي فحسب». تتابع: «اليوم صار الجمال بمتناول الجميع بفضل التجميل، أما الأخلاق فهي عبارة عن مجهود فرديّ».
كل تلك الصلابة الداخليّة التي صقلتها سيرين عبد النور بالإيمان والصلاة، لا تعني أنها لا تضعف وتنهزم أحياناً. تفصح بأنّ ما يكسرها هو «غدر أشخاص وثقت بهم ومنحتهم فرصة ثانية». وفي السياق تقول: «حوربتُ نعم، مثلي مثل أي شخص ناجح. كانت المحاربة من خلال التعتيم والتغييب لكنني أستمر على قاعدة أنّ الباب الذي يفتحه الله، لا يقوى إنسان على إغلاقه».
بسلاح التجاهل تواجه أيضاً، وبين الجولة والثانية يكون الردّ الأقوى من خلال الأعمال الناجحة التي تنال رضا الناس، وهو الأثمن بنظر سيرين.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك