يراوح أحد أبرز مشاريع القوانين المتعلقة بمحاربة الفساد في العراق، والمعروف باسم "من أين لك هذا"، مكانه للأسبوع الرابع على التوالي في أروقة البرلمان، في وقت شملت إجراءات قانون العفو العام الذي أقره مجلس النواب في آب/أغسطس الماضي أكثر من أربعين سياسيًا مدانًا بعمليات اختلاس للمال العام بعدما سرقوا ما يزيد على أربعة مليارات دولار خلال السنوات القليلة الماضية.
ويخول مشروع القانون السلطة القضائية والحكومة العراقية إحالة المسؤولين الحكوميين والسياسيين إلى التحقيق والمساءلة عن مصدر أموالهم أو أموال أفراد أسرهم، تحديدًا الأقرباء من الدرجة الأولى، مع إجبار البنوك على كشف حركة تعاملات المسؤولين والسياسيين حين يطلب منها ذلك، بما في ذلك معاملات وحركات الأموال منذ عام 2003 (احتلال العراق).
وتعارض كتل سياسية عدّة بعض بنود مشروع القانون، معتبرة أنه قد يتحول إلى سكين استهداف سياسي، إلا أن هذا الاعتراض لم تعلنه أي جهة برلمانية سياسية حتى الآن خوفًا من ردة فعل الشارع. ووفقًا لمصادر تحدثت من داخل البرلمان العراقي، فإنه يوجد محاولات لعرقلة مشروع القانون من قبل بعض الكتل السياسية أبرزها حزب الدعوة الإسلامية الذي يصنف عددٌ من قياداته وشخصياته البارزة ضمن خانة الأثرياء الجدد في البلاد.
ويتضمن مشروع قانون "الكسب غير المشروع"، متابعة أموال موظفي الدولة من مدير عام فما فوق، وأنّ أي أموال يمتلكها لا تتناسب مع راتبه الرسمي، تعد مثار شبهة. وينص مشروع القانون على فتح تحقيق بجميع أموال المسؤول التي اكتسبها بعد شغله للمنصب، على أن تخضع الأموال للتحقيق القانوني ويلزم المسؤول بتقديم كشف لذمته المالية، بين فترة وأخرى، وأن يحاسب في حال عدم تقديمه، كما يحاسب على أي أموال لم يثبت مصدرها.
وتكمن خطورة قانون "الكسب غير المشروع" على الفاسدين، في أنه يكشف عن ملفاتهم السابقة أيضاً وليس عن الملفات الحالية، إذ يفسح المجال لمتابعة كل الملفات الأمر الذي جعل الكثير من المسؤولين يستبعدون إمكانية تمريره، أو العمل على تعديله.
وفي ذلك الأثناء شملت إجراءات قانون العفو العام الذي أقره مجلس النواب في آب/أغسطس الماضي أكثر من أربعين سياسيًا مدانًا بعمليات اختلاس للمال العام بعدما سرقوا ما يزيد على أربعة مليارات دولار خلال السنوات القليلة الماضية. وبحسب لجنة النزاهة البرلمانية إن بعضًا من هؤلاء المدانين بدأوا بتسديد ما بذمتهم من أموال إلى خزينة الدولة معتمدين بذلك على فقرات في قانون العفو تشترط إطلاق سراح مختلسي المال العام بعد تسديد ما بذمتهم من أموال.
وكشف نواب أن حجم الأموال التي سددت من قبل هؤلاء المدانين وصلت إلى ما يقرب من (500) مليون دولار. ويؤكدون شمول وزير التجارة السابق فلاح السوداني في إجراءات قانون العفو في حال سدد ما بذمته من أموال.
وبيّن رئيس لجنة النزاهة البرلمانية طلال الزوبعي عن "شمول أكثر من أربعين سياسيًا مدانًا بعمليات هدر واختلاس للمال العام في إجراءات قانون العفو العام الذي شرّعه مجلس النواب"، مؤكدًا أن "هذه الإجراءات تشترط تسديد ما بذمتهم من المال العام مقابل إطلاق سراحهم".
وصوّت البرلمان، نهاية آب /أغسطس 2016، على قانون العفو العام الذي استثنى 13 فئة من الجرائم، منها: الجريمة الإرهابية التي نشأ عنها قتل أو عاهة مستديمة، وجرائم الاتجار بالبشر، لكنه شمل عمليات الاختلاس شريطة تسديد الأموال المختلسة. ويبيّن الزوبعي أن "هناك عددًا من السياسيين المدانين بعمليات اختلاس شملوا بقانون العفو العام وأعادوا ما بذمتهم من مال عام يزيد على (500) مليون دولار"، كاشفًا أن "الأموال التي ستعود إلى خزينة الدولة من هؤلاء المختلسين تتراوح بين 3/4 مليارات دولار".
وكان رئيس هيئة النزاهة حسن الياسري قد أبدى أسفه لما سببه قانون العفو العام من إطلاق سراح الكثير من المحكومين بقضايا فساد، مبينًا أن ذلك القانون تسبب "بمقتلنا" بعد شمول 3542 متهمًا ومحكومًا عن 113 قضية.
ويبرر الزوبعي تضمين قانون العفو العام بفقرات تسمح بالإفراج عن مختلسي المال العام بالقول إنه "لا طريقة أمامنا بعد فشل كل مؤسسات الدولة العراقية في استرجاع ما يقرب من أكثر من ألف ملف استرداد"، مؤكداً أن "هؤلاء السياسيين والمختلسين لا يحقّ لهم المشاركة في الانتخابات بعد صدور قيد جنائي بحقهم". ونشرت هيئة النزاهة، تقريرها السنوي لعام 2017 وتضمن "استرجاع أكثر من 132 مليارًا إلى خزينة الدولة خلال عام 2017". مؤكدة أن "أنشطة الدوائر التابعة للهيئة أثمرت عن الحفاظ على أكثر من ترليون و300 مليار دينار من الضياع والهدر".
ويؤكّد النائب عن اتحاد القوى العراقية أن "قانون العفو العام يشمل وزير التجارة السابق المدان فلاح السوداني في حال سدد ما ترتب بذمته من أموال وفقاً لأحكام قانون العفو العام". بالمقابل، يستذكر عضو في اللجنة القانونية البرلمانية كيف قامت "الكتل البرلمانية النافذة بعقد صفقات فيما بينها انتهت بتضمين قانون العفو العام مواد وفقرات تجيز إطلاق سراح مختلسي المال العام بعد تسديد ما بذمتهم من أموال"، لافتًا إلى أن "التعديلات تضمنت عدم اشتراط تنازل الممثل القانوني للدائرة المصابة بالضرر عن جرائم المال العام إنما بمجرد تسديد قيمة الضرر".
وتنص المادة الأولى/2 من التعديل على أنه لا يشترط تنازل الممثل القانوني عن الحق العام إذا ثبت ما يلي تسديد ما ترتب بذمة المشمولين بأحكام قانون العفو العام من أموال ترتبت بذمتهم في الجرائم الواردة في الباب الخامس من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل المخلة بالثقة العامة. ويؤكد عضو اللجنة القانونية طالبًا عدم الكشف عن هويته أن "الوزراء والمسؤولين المدانين بعمليات اختلاس للمال العام أغلبهم من الكتل الكبيرة النافذة التي أصرت على تمرير فقرة الاختلاس في قانون العفو العام لضمان إطلاق سراح أعضائها الفاسدين".
وصوّت مجلس النواب، في آب/أغسطس الماضي على التعديل الثاني لقانون العفو العام الذي استثنى جرائم الخطف، وبعض المستفيدين من إجراءات العفو السابق. وكذلك شمل التعديل جرائم الإرهاب التي وقعت قبل سقوط الموصل، واستبدال محكومية مزوّري الشهادات الدراسية ببدلات مالية. وتشمل التعديلات أيضا الوزراء والمحافظين المتورطين بقضايا فساد مالي وإداري.
وصحح مجلس النواب خطًأ فادحًا بعد إقحام بعض البنود لم يصوت عليها في نسخة قانون العفو العام التي نشرت في جريدة الوقائع، وأدى هذا الخطأ الى شمول 200 محكوم بالعفو. ورفعت اللجنة القانونية النيابية تعديلا ثانيا على قانون العفو العام إلى رئاسة مجلس النواب يتضمن معالجة بعض الأخطاء التي وقعت في التعديل الأول وتمريرها خلال الجلسات البرلمانية المقبلة بعد دراستها.
وبيّن عضو اللجنة القانونية زانا سعيد أن "التعديل الثاني سيعالج الجنح والمخالفات لمن شملوا في قانون عام 2008 ولم تحسم قضاياهم"، لافتًا إلى أن "القانون السابق ركز على شمول مَن حسمت قضاياهم وحكم عليهم بأقل من سنتين". ويلفت إلى أن "البعض من المشولين لم تحسم قضاياهم كونهم كانوا موقوفين حينها وبالتالي حرموا من الاستفادة من قانون 2016".
أرسل تعليقك