أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب المثير للجدل شرارة "انقلاب" جذري على أحد الأقطاب السياسية والملفات الجيوسياسية الكبرى، تاركاً المجتمع الدولي في حالة ترقب وتخوف من قراره المرتقب، وعبر تغريدة بسيطة على صفحته على تويتر، استطاع ترمب أن يجعل العالم بأسره تتجه أنظاره إلى البيت الأبيض شاخصةً للحظة إعلانه عن موقفه من الاتفاق النووي الإيراني اليوم في تمام الساعة 18:00 بتوقيت غرينتش.
تؤكد مصادر مقربة من البيت الأبيض، أن الخيار الأقرب للواقع بشأن مصير الملف الإيراني، سيترجم بإعلان ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني ، وهذا يعني تقنياً أن الرئيس الأميركي لن يصادق على التقرير الدوري الذي ترفعه الإدارة الأميركية كل 3 أشهر ، لعدم التزام إيران ببنود الاتفاق الموقع عام 2015.
ماذا يعني "عدم المصادقة" من الناحية القانونية؟
بعد إعلان ترمب انسحابه من الاتفاق، ثمة 4 سيناريوهات مطروحة في كواليس الإدارة الأميركية، وفق المصادر:
- لا يصادق ترمب على التقرير الدوري، ولكن يبقى متريثاً في أي ردة فعل مضادة تجاه إيران ، مكتفياً بتسجيل موقفٍ جديّ بأنه لن يعتمد سياسة التساهل في الملف الإيراني ودعمها للإرهاب كما حدث في عهد الرئيس السابق أوباما.
- إعادة جزء من العقوبات الاقتصادية التي تم رفعها سابقاً إثر توقيع الاتفاق.
- أو أن يلجأ إلى إعادة فرض كل العقوبات الاقتصادية السابقة، ولكن هذا يستغرق ما بين 3 إلى 4 أشهر.
- أو أن تعمد الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات اقتصادية جديدة تصب في خانة عزل إيران اقتصادياً عبر 3 مفاصل: منع طهران من بيع وشراء النفط، حجبها عن الدخول في النظام المصرفي ، إلى جانب فرض عقوبات على كيانات إيرانية.
وستتبع الإجراءات وفق المصادر، خطوات تصعيدية لتشمل فرض عقوبات على كل طرف أو جهة تمد يد العون لإيران وحلفائها، تمامًا كما حدث في ملف كوريا الشمالية والصين وروسيا ، وذلك انطلاقاً من عزم ترمب توجيه رسالتين واضحتين في المعنى والمضمون:
أولاً – يريد أن يُظهر للإيرانيين أن لغة التساهل و"التغاضي" باتت من الماضي: فلا عودة لتخصيب اليورانيوم وإنتاج الصواريخ الباليستية، منع طهران من رعاية الإرهاب، ومن التدخل بشؤون البلاد المجاورة وسياساتها.
ثانياً - توجيه رسالة واضحة للأوروبيين بأنه لا وجود لخيار "التلكؤ" على الإدارة الأميركية من خلال دعم السياسة الإيرانية والأميركية في الوقت عينه.
ويعتبر ما يقف عائقاً أمام إصلاح شروط الاتفاق التي يطالب بها ترمب من الأوروبيين يترجم بنقطتين أساسيتين:
في حين أن الأوروبيين يعبرون عن انفتاحهم في إدخال "ملحق" بالاتفاق النووي وليس إلغائه، بما يمهد للدخول بمفاوضات مع الإيرانيين لمنعهم من تطوير الصواريخ الباليستية، إلا أن هذا الاقتراح لا يتماشى مع توجه ترمب "الرافض" بشكل قاطع الدخول بموجة مفاوضات عقيمة بل يريد آلية محددة تمنع الطرف الإيراني عن إنتاج القنابل النووية ودعم الإرهاب.
أمّا نقطة الخلاف الأخرى، تكمن في نظرة الأوروبيين عند التعاطي مع الملف النووي الإيراني، إذ ينظر الطرف الأول للتدخل الإيراني في لبنان عبر حزب الله، بمعزل عن تدخلهم في سورية كما بمعزل عن الملف الإيراني - الإسرائيلي.
بينما الرئيس الأميركي يتعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أنها "كيان" واحد داعم للإرهاب.
هل ستطال العقوبات الشركات الأجنبية؟
ويعتبر أن التهديد بـانسحاب الولايات المتحدة من النووي كان وحده كافياً لتخويف الشركات المتعددة الجنسيات التي تنأى بنفسها عن المخاطر، خوفًا من عودة العقوبات.وهذا ما ظهر جلياً بتأجيل تنفيذ بعض العقود التي أبرمت مع إيران سابقاً على غرار ما فعلت شركة "بوينغ" أخيرًا.
ويرى الخبير الإيراني لدى مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" في واشنطن بهنام بن طالبلو في حديث صحافي، أنه إذا انسحب الرئيس الأميركي ترمب كلياً مما يعرف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة " JCPOA" ، عبر إعادة "إحياء" جميع العقوبات الاقتصادية التي رفعت سابقاً، عندئذ ستكون الإدارة الأميركية في وضعٍ يمكّنها من التهديد بالقيام بفرض جزاءات ثانوية على الشركات والبنوك الأجنبية التي تربطها بإيران أعمالًا تجارية ومصالح اقتصادية.
إلا أن ذلك يتوقف إلى حد بعيد، وفق بن طالبلو، على طبيعة العقوبات التي ستفرض وتوقيتها. ولكن تبقى القضية "سياسية" بحتة أكثر مما هي قوى اقتصادية.
أرسل تعليقك