يخشى مزارعون في ولايات سودانية عدة من أن تعرّض الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، التي دخلت الآن شهرها الرابع، إنتاج المحاصيل الأساسية هذا العام للخطر، ما سينتج عنه تفاقم الجوع والفقر في البلاد.
وأفاد أكثر من 10 أشخاص، بينهم مزارعون وخبراء وعمال إغاثة، بحدوث تأخيرات في زراعة محاصيل مثل الذرة الرفيعة والدُخن، وذلك لأسباب مثل نقص الإقراض المصرفي وارتفاع أسعار مدخلات رئيسية كالأسمدة والبذور والوقود. وقال 4 مزارعين لوكالة «رويترز» إنهم ربما لا يستطيعون الزراعة على الإطلاق قبل هطول أمطار غزيرة متوقعة هذا الشهر، وهي فرصة تقليدية للري.
ووفقاً لثلاثة مصادر في هذا القطاع، تأثرت واردات الأغذية والسلع الأولية سلباً بسبب الحرب والانهيار المالي. كما حد القتال وعمليات النهب والقيود البيروقراطية من وصول المساعدات الخارجية، بينما اتهمت وكالات إغاثة الجانبين المتحاربين بعرقلة إيصال المساعدات بما في ذلك المواد الغذائية.
ويشي تدهور أوضاع المزارعين بأن أزمة جوع تلوح في الأفق قد تكون أشد وطأة مما تتوقعه الأمم المتحدة وعمال الإغاثة. ففي مايو (أيار) قالت الأمم المتحدة إن تقديراتها تشير إلى أن عدد الجياع في السودان سيرتفع إلى 19.1 مليون بحلول أغسطس (آب) من 16.2 مليون قبل الصراع الذي بدأ في 15 أبريل (نيسان). والنقص في المواد الغذائية الأساسية، الذي يفاقمه نهب المستودعات في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، من شأنه زيادة حدة أزمة الجوع الآخذة في التفاقم منذ سنوات.
شُح النقد الأجنبي
ومن شأن ذلك أيضاً الحد من وسائل الكسب وتجريد السودان من النقد الأجنبي اللازم لاستيراد سلع أساسية، إذ تشير أرقام البنك المركزي إلى أن محاصيل ذات قيمة تجارية مرتفعة مثل السمسم والفول السوداني أسهمت بواقع 1.6 مليار دولار في عائدات التصدير عام 2022. كما تفيد منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بأن ما يقرب من 65 في المائة من سكان السودان، البالغ عددهم نحو 45 مليون نسمة، يتصل عملهم بالقطاع الزراعي.
وبينما يقول خبراء من الأمم المتحدة إن من السابق لأوانه الإعلان رسمياً عن مجاعة في السودان، قال 4 مزارعين لـ«رويترز» إنهم يعتقدون أن الوضع يسير بالفعل في هذا الاتجاه. وقال عبد الرؤوف عمر، وهو مزارع وقيادي في تحالف للمزارعين في ولاية الجزيرة، وهي منطقة زراعية رئيسية في وسط السودان لم تشهد قتالاً: «كان يجب زرع الفول السوداني والذرة الرفيعة، لكن حتى الآن استعدادنا صفر... نعتقد أننا مهددون بالمجاعة فعلاً».
وذكرت «الفاو» الأسبوع الماضي أنها بدأت في توزيع طارئ لبذور الذرة الرفيعة والدُخن والفول السوداني والسمسم، وتأمل في مواجهة «تحديات أمنية ولوجيستية معقدة» لتوفير ما يكفي لتغطية احتياجات ما بين 13 و19 مليون شخص. وأفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بأنه سيواصل تحليل الوضع خلال الأشهر الستة المقبلة وبعد موسم الزراعة والحصاد.
فوات أوان الزراعة
وقال عمر إنه يخشى أن يكون أوان الزراعة قد فات بالفعل، وهي وجهة النظر التي يتبناها 3 مزارعين آخرين. وأضاف عمر أنه على الرغم من أن القتال لم يؤثر بشكل مباشر على مزارعهم، فإن هناك مشكلة رئيسية تتمثل في نقص التمويل وعدم الوفاء بوعود الإقراض أو الدعم العيني من البنوك.
وتعرضت البنوك للنهب، واضطرت للحد من أنشطتها مع اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى في إقليمي دارفور وكردفان. وعلى الرغم من أن معظم المناطق الزراعية في السودان هادئة نسبياً، فإن سلاسل التوريد المتمركزة في العاصمة تعطلت إلى حد كبير. وأفاد شهود بتعرض بعض مستودعات مدخلات الأسمدة والبذور والمبيدات للنهب.
وفي ولاية الجزيرة، يمر مزارعون بصعوبات مالية منذ سنوات مع زيادة انزلاق البلاد في أزمة اقتصادية وسياسية. وقال محمد بلة، القيادي في تعاونية زراعية، إنهم يواجهون الآن صعوبات في سداد القروض من أجل الحصول على تمويل جديد، مضيفاً أن ما تم تجهيزه للزراعة نسبة صغيرة فقط من الأراضي.
المدخلات الزراعية
ويعاني المزارعون في مناطق أخرى من السودان من محنة مماثلة. ويقول محمد عجب صديق، وهو مزارع في ولايات سنار والنيل الأزرق والنيل الأبيض، إنه يواجه صعوبات في الحصول على تمويل من أجل المدخلات لزراعة نحو 10 آلاف فدان بالذرة الرفيعة والسمسم. وكان يعتمد عادة على إيرادات بيع المحاصيل التي يحصدها في الموسم السابق، لكن الصراع المسلح جعل الأمر شبه مستحيل؛ إذ إن السوق مركزية في الخرطوم حيث تدور الحرب بعنف.
وفي مايو (أيار)، أصدر مجلس الوزراء توجيهاً باستمرار الإعداد للموسم الزراعي الصيفي وتذليل العقبات التي قد تعوق العملية. ويشمل ذلك تحديد المساحات المستهدفة بالموسم الصيفي ووضع خطة لتوفير المدخلات الزراعية المطلوبة.
وصديق مثل مزارعين آخرين تلقوا وعوداً بالحصول على بذور ووقود من البنك الزراعي، لكن بحلول أوائل الشهر الحالي كان لا يزال في الانتظار. وقال إن هناك احتمالاً كبيراً ألا يحصل على هذا الدعم. وأشار مزارعون من القادرين على الحصول على تمويل إلى ارتفاع حاد في أسعار المدخلات التي تشمل البذور والأسمدة والمبيدات والوقود، وفقاً لما قاله برنامج الأغذية العالمي.
تضاعف الأسعار
وقال مهدي أحمد وهو مزارع في شمال كردفان: «الوقود يباع بالسعر الأسود، وتضاعفت الأسعار 300 في المائة... للأسف هذه كلها تدل على فشل الموسم الزراعي». وفي مناطق غرب البلاد حيث تقول جماعات الإغاثة إن مخزونات الأغذية تتناقص، أكد أحمد ومزارع آخر، محمد عبد الله، من شمال دارفور أن المزارعين تعرضوا للنهب والسرقة على يد عصابات مسلحة.
ويقول آدم ياو مندوب منظمة «الفاو» بالسودان، إن هناك أنباءً عن تأخيرات في مزارع تجارية أكبر تنتج للتصدير وتنتج كذلك الذرة الرفيعة والدُخن. وتابع قائلاً: «أي تعطل... سيكون له تأثير ضخم على اقتصاد البلاد وعلى سبل عيش الشعب السوداني أيضاً».
وفي ولاية الجزيرة التي استقبلت نحو 170 ألفاً من النازحين الفارين من القتال في الخرطوم، جرى الإبلاغ عن نقص بعض المواد الغذائية، ويقدم برنامج الأغذية العالمي الدعم هناك لأول مرة. وقالت المسؤولة الإعلامية لدى برنامج الأغذية العالمي في السودان ليني كينزلي: «هذا يزيد من الضغوط على الموارد الأساسية في تلك المنطقة».
ويواجه من بقوا في ولاية الخرطوم نقصاً في الإمدادات وارتفاعاً في الأسعار مع نضوب السيولة. وقال اثنان من السكان إن كل المخابز في الحيين اللذين يقطنان فيهما أغلقت ابوابها.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك