يأخذ الصراع الممتد في سورية مقعدًا خلفيًا، في حين تحتل توترات الخليج مع إيران، والحروب التجارية العالمية محل الصدارة والاهتمام، مع اجتماع العشرات من قادة الدول والرؤساء في الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك، خلال الأسبوع الجاري.
ودخلت الحرب الأهلية السورية عامها التاسع الآن، ويخشى الكثير من المواطنين السوريين، أن الحرب التي لم تبلغ حد التسوية العسكرية ولا السياسية حتى اللحظة، باتت مجرد حاشية مهملة على قائمة طويلة من الأزمات والصراعات العالمية الناشئة، مع القادة المنهكين الذين رفضوا التعايش مع الرئيس السوري بشار الأسد، الجاثم بنظام حكمه على أطلال الدولة المحطمة والوطن المقسم حتى المستقبل المنظور.
يقول حسين علي، 35 عامًا، لمراسل وكالة "أسوشييتد برس"، وهو أحد السوريين النازحين داخليًا، والد لطفلين ويعيش مع أسرته في غرفة واحدة مستأجرة في بلدة عزاز الشمالية، الخاضعة لسيطرة المعارضة بالقرب من الحدود السورية التركية: "لقد نسي العالم قضيتنا ولم يعد هناك من يعبأ بسورية أو قضيتها. لقد أدى ظهور "داعش" إلى جذب انتباه العالم إلينا لفترة، ثم تلاشى ذلك الاهتمام بمرور الوقت".
تمكن عدد قليل للغاية من ستة ملايين لاجئ سوري، موزعين بين مختلف بلدان العالم، من العودة إلى وطنهم، ويخشى كثيرون منهم الاعتقال على أيدي قوات النظام إنْ عادوا إلى سورية، أو أنهم فقدوا منازلهم بكل بساطة فلم يعد هناك مكان يرجعون إليه. صارت مدن وبلدات وقرى بأكملها في حالة تامة من الخراب والدمار. ولن يسهم العالم الغربي أبدًا في خطط إعادة الإعمار ما بقي بشار الأسد على رأس السلطة في دمشق، وأصبحت الدول الأخرى غير مستعدة ولا هي راغبة في الاستثمار في غياب التسوية السياسية للأزمة الراهنة.
في محافظة إدلب، لا يزال هجوم القوات الحكومية المدعوم من القوات الروسية يواصل إزهاق الأرواح هناك لاستعادة السيطرة على المحافظة. وسقط المئات من القتلى حتى الآن مع نزوح أكثر من 400 ألف مواطن خلال الأشهر الأربعة الماضية فقط، في ظل الغارات الجوية المستمرة من سلاح الجو السوري والروسي. بيد أن حمامات الدم هناك قلّما تجد لها مكانًا بين ثنايا نشرات الأخبار على مستوى العالم.
يقول هايكو فيمين، مدير مشروع العراق وسورية ولبنان لدى المجموعة الدولية للأزمات: "أُصيب العالم منذ فترة طويلة بالضجر والسأم من الحروب المستمرة، ونأى بنفسه مختارًا عن النزاعات الممتدة المتجمدة، وصار قرار وقف إطلاق النار على مستوى البلاد هو أفضل ما يمكن الوصول إليه من سيناريوهات التسوية الممكنة".
اللجنة الدستورية
في حين لا يزال العالم المعاصر في حالة جمود شبه تامة بشأن الأزمة السورية، وتنعدم في أفق الأحداث المبادراتُ التي ربما تساعد في حلها. وكان غير بيدرسن، رابع دبلوماسي يشغل منصب مبعوث الأمم المتحدة الخاص للأزمة السورية، إثر استقالة المبعوثين الثلاثة السابقين من المنصب نفسه، بعد سنوات من المحادثات السياسية، لم تسفر عن أي نتيجة تذكر.
وأعلن عن اللجنة الدستورية السورية، الإثنين الماضي، وتتألف من 150 عضوًا، موزعين بالتساوي بين الحكومة، والمعارضة، والمجتمع المدني.
واللجنة الدستورية مكلّفة بصياغة مسودة الدستور السوري الجديد، ضمن المحادثات التي تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة في جنيف، ووصفها الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يبدو يائس للغاية من تحقيق انفراجة، بأنها تشكل "بداية المسار السياسي للخروج من المأساة نحو الحل".
ومن المقرر انعقاد الانتخابات الرئاسية السورية بحلول عام 2021. وتأمل منظمة الأمم المتحدة، أن تنجح المحادثات السياسية في تهيئة المناخ وإرساء آلية لإجراء عمليات التصويت المحايدة والنزيهة. ولكن مع القبضة العسكرية الحكومية الواضحة، فمن غير المرجح أن تقدم حكومة بشار الأسد، أي تنازلات، وأشار المسؤولون السوريون، إلى أن "الأسد" سيترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ووصف أحد الدبلوماسيين الغربيين، الأمر بأنه "خطوة مهمة" من حيث إن المحادثات التي تشرف عليها الأمم المتحدة ستوفر شكلاً من أشكال التدقيق الدولي على عملية الاقتراع.
وقال الدبلوماسي: "لا يمكن اعتبار الانتخابات حلاً للحرب الدائرة، وإنما مجرد وسيلة لتحريك المياه السورية الراكدة، ومحاولة أكثر شمولية من المحادثات غير المباشرة بين الأطراف المتصارعة"، في إشارة منه إلى جولات عدة من المحادثات بين الحكومة والمعارضة في جنيف، تحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي إشارة بالغة إلى عدم الثقة، قال النائب السوري، صفوان القربي، إن لجنة الدستور، تحمل "سمات حساسة وبالغة الخطورة. وما يُخطط له من خلال تلك اللجنة هي محاولة لسرقة القرار السياسي السوري، الأمر الذي فشلوا في فعله من خلال العمليات العسكرية المدمرة"، لافتًا إلى المعارضة السورية والأطراف الأجنبية المؤيدة لها.
الطريق الطويل
وفي حين يمكن الحديث عن انخفاض معدلات أعمال العنف في البلاد إلى حد ما، يقول المحللون، إنه من المحتمل للحرب أن تستمر لفترة طويلة.
وفي أوج الصراع السوري، شهد العالم بأسره أزمة هجرة دولية لا تزال مستمرة في إعادة صياغة وجه أوروبا والدول المجاورة التي فتحت حدودها ذات مرة لاستقبال الملايين من النازحين هربًا من الحرب الضروس.
وهدأت تلك الوتيرة كثيرًا خلال العام الماضي. لكن إثر معاناةٍ من الانكماش الاقتصادي وخشيةٍ من ارتفاع معدلات البطالة المحلية، اتجه المزاج العام السائد في كل من تركيا ولبنان والأردن، إلى التدهور مع دعوات إعادة اللاجئين مجددًا إلى ديارهم.
وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أن بلاده لم تعد قادرة على تحمل أعباء 3.6 مليون لاجئ على أراضيها. وكان الرئيس التركي، هدد في وقت سابق من أيلول/ سبتمبر الجاري، بفتح الأبواب والسماح لطوفان من اللاجئين السوريين بمغادرة تركيا باتجاه البلدان الغربية ما لم تتم إقامة "المنطقة الآمنة" في سورية في أقرب فرصة للتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية بهذا الشأن.
واستغل الرئيس إردوغان كلمته أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء الماضي، في تسليط الأضواء على التكاليف الإنسانية للحرب من خلال رفعه لصورة الطفل الغريق "إيلان كردي" البالغ من العمر ثلاث سنوات، والذي عُثر على جثته وقد فارق الحياة على أحد الشواطئ التركية العام 2015، محاولاً لفت انتباه العالم إلى محن ومعاناة اللاجئين.
وتدور رَحى الهجوم الحكومي السوري الشامل، بغية استعادة محافظة إدلب، الأمر الذي بات قاب قوسين أو أدنى من التحقق، والذي سوف تكون له تداعيات وعواقب وخيمة من اندفاع مئات الآلاف من اللاجئين مجددًا صوب الحدود التركية.
أخيرًا، يقول هايكو فيمين، من المجموعة الدولية للأزمات: "لن يغادر الأسد السلطة، ولم تعد الإطاحة به من الخيارات المطروحة على الطاولة، وينسحب الأمر على إعادة تأهيله أو ترويض نظام حكمه، أو إعادة إعمار البلاد في ظل وجوده. ومن المرجح لحالة الوضع الراهنة البائسة أن تستمر بلا أفق معلوم".
قد يهمك ايضا
الأسد يعلن عن تغييرات عسكرية وسياسية إيجابية في سوريا
الرئيس بشار الأسد مستعدّ للتعاون مع نظيره دونالد ترامب لضمان الاستقرار
أرسل تعليقك