باريس - العرب اليوم
لحد الآن، وبعد أسبوعين من الغزو الروسي، بقيت المعركة محددة جغرافياً بأوكرانيا، ولم تمتد إلى أي من دول الجوار من أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لمعرفة أطراف النزاع أن ذلك قد يقود إلى حرب شاملة مدمرة، وهذا ما عبر عنه الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي قال إنه يجب تجنب المواجهة المباشرة بين القوات الأميركية والروسية في الصراع الأوكراني، لأنها قد تقود إلى حرب عالمية ثالثة. وكتب بايدن في تغريدة يوم الجمعة: «أريد أن أكون واضحاً: سندافع عن كل شبر من أراضي حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالقوة الكاملة للحلف المتحد والمحتشد».
وأضاف: «ولكن لن نخوض حرباً ضد روسيا في أوكرانيا». وأوضح الرئيس الأميركي أن «مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا هي حرب عالمية ثالثة. وشيء يجب أن نجتهد لمنعه». وخلال فعالية للحزب الديمقراطي في ولاية بنسلفانيا، علق بايدن أيضاً على الجدال بشأن التسليم المقترح لطائرات مقاتلة إلى أوكرانيا. وأضاف بايدن: «فكرة أن نرسل معدات هجومية وأن تكون لدينا طائرات ودبابات وقطارات تدخل بطيارين أميركيين وأطقم أميركية، لا تخدعوا أنفسكم، أياً كان ما تقولونه، هذه تسمى حرباً عالمية ثالثة»، رغم معرفة الرئيس الأميركي أن الحسم في نهاية المطاف سيكون عسكرياً وليس دبلوماسياً، وربما سيكون لصالح روسيا، نظراً لتفوقها في هذا المجال.
وقال المحلل المتخصص في شؤون روسيا بمجموعة الأزمات الدولية أوليغ إغتانوف، إنه بعد أكثر من أسبوعين من بدء الغزو وبعد أن فشلت موسكو في تحقيق تقدم حاسم على الرغم من تفوقها العسكري «لا روسيا ولا أوكرانيا مستعدة لتقديم تنازلات». وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «الجانبين يعتبران أن السيناريو العسكري هو السيناريو الرئيسي: أوكرانيا لا تخسر الحرب وروسيا لا تكسبها». وتابع: «في هذا الوضع سيستمر القتال»، معتبراً أن «كل شيء سيتوقف على ما سيحدث على الأرض». ويرى إغتانوف أنه على الرغم من أن المحادثات الأولية رفيعة المستوى بين روسيا وأوكرانيا في تركيا أحيت أملاً عابراً في التوصل إلى حل تفاوضي بين البلدين، فإن الصراع ستتم تسويته بشكل أساسي عسكرياً على الأرض.
وخرج وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأوكراني دميترو كوليبا، اللذان اجتمعا برعاية نظيرهما التركي مولود تشاوش أوغلو، الخميس، بعد أقل من ساعتين من المفاوضات من دون الإعلان عن إحراز تقدم، لكنهما تعهدا بمواصلة الحوار.
وقال تشاوش أوغلو في أنطاليا (جنوب غربي تركيا) إنه لم يكن أحد يتوقع حصول «معجزة»، لكن كل شيء «بحاجة إلى بداية»، مشيراً حتى إلى احتمال عقد قمة بين الرئيسين الروسيين فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. من جهتها، تؤكد ناتيا سيسكوريا الباحثة الجورجية بمعهد «رويال يونايتد سيرفس» في لندن، أنه بينما يتواصل الجدل حول موضوع فتح ممرات إنسانية لإجلاء سكان المدن المحاصرة ،«من الصعب مناقشة أي حل للنزاع على الإطلاق، أو حتى وقف لإطلاق النار». وأضافت: «في هذه المرحلة، تحاول روسيا تحقيق أهدافها القصوى في أوكرانيا، وإذا نجحت في إجبار الأوكرانيين على قبول شروطها على طاولة المفاوضات، فستحصل على ما تريد. ولكن إذا لم يتحقق ذلك فستستمر الحرب».
وأعربت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، التي زارت رومانيا الجمعة، عن أسفها، لأن الرئيس الروسي «لا يظهر أي مؤشرات إلى التزام بالانخراط في دبلوماسية جدية».
ويذكّر السفير الفرنسي السابق في سوريا ميشال دوكلو بأن «هناك كثيراً من المعتقدات الخاطئة حول الدبلوماسية، لكن الدبلوماسية لا تشكل إطلاقاً بديلاً لميزان القوى». ويوضح الدبلوماسي الفرنسي أن موسكو تفاوض على «مفهوم للدبلوماسية يقضي بإخضاع الآخر، وبالتالي فهي دبلوماسية الإنذار».
وأضاف: «نحن في مرحلة يواجه فيها الروس صعوبات لكنهم يتمسكون بفكرة الإنذار». ويتابع أنه من وجهة نظر روسيا، تهدف محادثات مثل تلك التي جرت في أنطاليا إلى «التأثير على معنويات الأوكرانيين، وإحداث بعض الارتباك لكل من العالم الخارجي والأوكرانيين».وترى الباحثة ناتيا سيسكوريا أن الكرملين الذي ذهب وزير خارجيته إلى حد التأكيد في هذا الاجتماع أن موسكو «لم تهاجم أوكرانيا»، يعمل أيضاً على إقناع الرأي العام بغياب بديل للقوة. وتضيف أن «روسيا تبحث أيضاً عن ذريعة لتكون قادرة على القول إنها جرّبت الدبلوماسية، لكن تلك الدبلوماسية فشلت، لأن أوكرانيا رفضت مطالبها (...)، مبررة بذلك أعمالها العسكرية المقبلة». مع ذلك، يرى المحلل أوليغ إغتانوف أن محادثات من هذا النوع تسمح لكل من الطرفين بتقييم مواقف الطرف الآخر، مشيراً إلى أن «أوكرانيا تأمل في أن تتمكن من وقف العملية العسكرية الروسية بوسائل دبلوماسية»، بينما روسيا «تريد فهم الموقف الأوكراني». ويتفق ميشال دوكلو على أن لمثل هذه المحادثات «وظيفة جس نبض». وقال إن «الأوكرانيين بحاجة إلى معرفة موقف الروس بالضبط».
ويشير الدبلوماسي الفرنسي السابق إلى أنه من الممكن أن تؤسس موسكو شكلاً من المفاوضات يمكن تشبيهه بعملية آستانة الخاصة بسوريا التي تجمع بين روسيا وإيران وتركيا. ويؤكد أن صيغة من هذا النزع سيكون لها في نظر موسكو «ميزة إعطاء الانطباع بأن هناك عملية سلام، بالإضافة إلى إقصاء الغربيين عنها».
قد يهمك ايضاً
أرسل تعليقك