برزت شريحة لافتة من الأغنياء في محيط مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، وسط حالة من البذخ والإنفاق على خدمات التسلية، بينما تشكو الأغلبية الساحقة في المنطقة، ضيق ذات اليد، حتى أن الناس يشقون ويكدون في سبيل تأمين مواد أساسية كالخبر والسكر. وتنتشر العشرات من النوادي الليلة والمنازل الفاخرة والمرافق الترفيهية والمخازن الكبرى في كامل محيط مدينة القامشلي، رغم أن غالبية الناس يعانون زيادة مستويات البطالة والكساد.
ويقال إن هذه الظاهرة التي يُمكن لأي قادم إلى المدينة أن يُلاحظها، برزت بالأساس من جراء صعود طبقة جديدة من الأغنياء الجدد في الحياة العامة للمدينة، ولكامل منطقة شمال شرق سوريا. وهذه الطبقة تنفذ مشاريع كبرى، وتُسيطر على أسواق العقارات والتجارة العامة وتحتكر المواد الأساسية والخدمات الضرورية، بما في ذلك تجارة الأدوية والمؤسسات الصحية، فأضحت تعيش نمطاً خاصاً من الحياة المرفهة.
وتلقى هذه الظاهرة انتقادات حادة من الناشطين والفاعلين والسياسيين في تلك المنطقة، لا سيما وسط عائلات ضحايا الحروب التي تم خوضها في هذه المنطقة، حيث تقول الإحصاءات إن أكثر من 12 ألف مقاتل سقطوا كضحايا لتحرير هذه المنطقة من التنظيمات المتطرفة. منطقة شمال شرق سوريا، التي تُقدر مساحتها بقرابة ثُلث مساحة سوريا، والخارجة من سُلطة الحكومة السورية فعلياً منذ العام 2013، وتُديرها إدارة ذاتية محلية، محمية من قوات سوريا الديمقراطية، ومتعرضة لحصار سياسي واقتصادي ثنائي، من تُركيا والحكومة السورية على حدٍ سواء.
وشهدت المنطقة واحدة من أطول الحروب المحلية في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي وغيره من القوى المتطرفة التي لا تزال تملك خلايا نائمة في تلك المنطقة. محمد ناسو ناشط مدني وأستاذ محاضر في جامعة محلية هناك، يشرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية" ملامح هذه الطبقة الجديدة من الأثرياء في هذه المنطقة "حقيقة ليسوا طبقة بالمعنى الفعلي للكلمة، هُم قرابة عشرة أشخاص فحسب في كُل مدينة أو بلدة من مناطق شمال شرق سوريا".
وأضاف أن كل فرد من أولئك الأثرياء "يختص في احتكار قطاع من الأعمال؛ العقارات أو التجارة العامة أو حتى المستلزمات الطبية أو الخدمات، بالشراكة مع السُلطات المحلية الحاكمة، وعبر شبكة واسعة من منظومات الفساد. ويضيف أن أولئك الأثرياء راكموا أموالاً ضخمة خلال السنوات الماضية "من تلك العمليات، تتجاوز مستويات الحياة في هذه المنطقة، التي كانت الأكثر فقراً وهامشية في سوريا، بالرغم من غناها الاستثنائي بالثروات الزراعية والباطنية، حيث كانت خزاناً لأكثر من 80 في المئة من ثروة سوريا"
"يختلف هؤلاء الأثرياء الجُدد عن الطبقات الميسورة التي كانت في هذه المنطقة طوال عقود كثيرة مضى. فالأغنياء التقليديون كانوا مزارعين من أبناء العائلات الإقطاعية التقليدية، الذين طوروا وامتلكوا الكثير من المرافق داخل المدن. بينما الطبقة الجديدة من الأثرياء الجدد فانبثقت من احتكار المواد الأولية والمستلزمات الضرورية، ومن عمليات الفساد الكبرى التي رتبتها مع مختلف الجهات، لذلك تلقى رفضاً ونقمة شعبية".
الإدارة الذاتية في مناطق شمال شرق سوريا ترفض الاتهامات الموجهة لها بالشراكة والتواطؤ مع هؤلاء الأثرياء الجدد، مذكرة على لسان أكثر من مسؤول وجهة إدارية مرتبطة بها بأن هؤلاء الصاعدون في الحياة العامة لتلك المنطقة هُم النتيجة الطبيعة للظروف السياسية والأمنية لهذه المنطقة، التي تتعرض لأشكال كثيرة من الحصار، ومن كل الجهات، "وهؤلاء الأثرياء هُم الذين يتمكنون من فك أشكال الحصار تلك عبر علاقتهم وشراكتهم مع الأطراف المحاصِرة، وتاليا يستطيعون توريد المواد الضرورية لهذه المنطقة.
الاستقطاب الجديد تأسس على صعود ممتلكات هؤلاء الأثرياء، حيث تُقدر بعض الأوساط الشعبية ثروة بعضهم بقرابة مليار دولار، وهو رقم استثنائي بالنسبة للأحوال الاقتصادية لتلك المنطقة. في وقت تتزايد فيه مستويات وأشكال الفقر، بسبب غياب الاستثمارات الإنتاجية وشح الأمطار الذي أدى لشبه اختفاء للقطاع الزراعي، الذي كان مصدراً لمداخيل الأغلبية المُطلقة من السُكان.
الرأي العام المحلي في تلك المنطقة، يرى أن القواعد الاجتماعية متروكة لوحدها لمواجهة هذه النُخبة الاحتكارية من الأثرياء. إذ ليست هناك قوانين وآليات لمحاسبة مصادر أموالهم، كما أنهم يستفيدون من إعفاء فعلي من أية من أية ضرائب أو مساهمة في الحياة العامة. وفوق ذلك فأن السلطات المحلية تعتبر نفسها في حالة حرب، ولا تهتم بأي مراضاة لهذه القواعد الاجتماعية، وتستفيد من علاقاتها التشاركية مع هؤلاء الأثرياء.
قد يهمك ايضا
الجيش السوري يسقط طائرة تركية مسيرة في ريف الرقة
قيادة الجيش تصدر قرارات هامة بخصوص الاحتياط والاستدعاء في سورية
أرسل تعليقك