القاهرة ـ العرب اليوم
قال حسن إسميك رئيس مجلس أمناء مركز ستراتجيكس للدراسات والأبحاث، إن لحظة انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينيات مثلت نقطة التحول الأكبر في بنية العلاقات الدولية على المستوى العالمي، وبشكل غير مسبوق، منوها بأن هذا الانهيار عمل على إنهاء منظومة "ثنائية القطبين" في ميزان القوى الدولية، لتنتهي بذلك حقبة الحرب الباردة، وتصبح الولايات المتحدة القوة الأحادية القطب في العالم ككل، ودون أي منازع محتمل. وأوضح إسميك، أن الانهيار السوفيتي لم يكن السبب الوحيد لتفوق القوة الأميركية وتصدره المشهد الدولي، بل لقد أثر في تحقيق ذلك قبول الدول الأوروبية والآسيوية بالهيمنة الأمريكية، والموافقة على الانضواء تحت جناحها، في ظل سقوط الأيديولوجية الشيوعية كمنافس الأيديولوجية الليبرالية، والذي ترافق أيضا مع تصاعد تأثير الحركات المدنية الغربية العابرة للحدود، والتي عملت على نشر وتعزيز قيم النظام الليبرالي الذي كان يتخذ من واشنطن قبلته المركزية.
وأشار رئيس مجلس أمناء مركز ستراتجيكس للدراسات والأبحاث، إلى أن الولايات المتحدة استطاعت خلال سنوات قليلة، وفي منتصف التسعينيات تقريباً، أن تفرض هيمنتها الدولية بشراكة حلفائها الأوروبيين الذين مثّلوا جميعاً الخط الثاني في منظومة الدول العظمى، وساعد على تحقيق ذلك التبني المطلق الأيديولوجيا الليبرالية مقابل تقهقر الأيديولوجيا الشيوعية المضادة، فأصبح هذا التحالف الغربي المرجعية الوحيدة الضامنة لأمن العالم واستقراره. من جهة ثانية، قال حسن إسميك، إن حركات ومنظمات المجتمع المدني الدولية لعبت دوراً بارزاً في تثبيت دعائم الهيمنة الأحادية القطب، وتكريس بنية النظام العالمي الجديد بقيادة واشنطن، وذلك من خلال قيام هذه المنظمات بنشر القيم والمعايير والممارسات الليبرالية، كما عملت على توجيه الدول النامية، وتلك التي ظهرت على أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي نحو النموذج الديمقراطي الغربي، والدفع نحو إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتعميم النموذج الغربي الضامن للحريات والملكيات وحقوق الإنسان.
ونوه بأن الزهو بانتصار النموذج الغربي، وبتسيّد الهيمنة الأمريكية على المشهد السياسي الدولي، والركون إلى أن الليبرالية قد حققت انتصارها الدائم والأبدي، جعل الولايات المتحدة تغفل عن عودة القوى الدولية المنافسة لها، والتي استطاعت أن تكون تحالفاً مضاداً أصبح اليوم واضح المعالم وقادراً على استعادة قوة التأثير في السياسة العالمية، بزعامة مشتركة من الصين وروسيا، وبدعم دول إقليمية حول العالم وصولاً إلى قلب أوروبا ذاتها. وأضاف إسميك، أنه في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية الكبرى التي يشهدها العالم نتيجة أزمة كوفيد 19، والاستجابة غير المنظمة للأزمة الاقتصادية المترتبة على تفشي الجائحة، وما رافقها من عودة للسياسات القومية وإغلاق الحدود بين الدول، وانكشاف مدى هشاشة النظام الدولي الحالي، فإن أمريكا مهددة بخسارة دورها الريادي في العالم إذا لم تجدد إدارتها الحالية التزامها بتعزيز النظام الدولي الليبرالي.
وقال إن ذلك يتطلب تحقيق هذا الالتزام عدم الاكتفاء بالتفوق العسكري الذي ساهم في تكريس الهيمنة الأمريكية في السابق، إذ أصبحت الخيارات العسكرية ضيقة جداً وغير فعّالة نتيجة الوضع الدولي الحالي الذي تحكمه ظروف الجائحة، والذي لن يكون قصيرا بحسب توقعات خبراء الصحة وتحليلاتهم. وأشار إلى أن نجاح الولايات المتحدة في تدويل هيمنتها سابقاً ما عادت تصلح اليوم في الحفاظ على هذه الهيمنة أو استعادة ما خرج عنها، فإن واشنطن تواجه اليوم تحدٍ أكبر من السابق؛ من حيث تجديد التزامها بدورها العالمي، وتغيير أدواتها بما يتناسب مع المنافسة الاستراتيجية الصينية الروسية.
ولفت إلى أنه لن يكون باستطاعة أمريكا مواجهة الصعود الروسي الصيني المتسارع إلا في حال التخلي عن سياسة الانكفاء على الذات (أمريكا أولاً) التي قادها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى التي شارفت على الانتهاء، والتحول في برنامجه الجديد نحو تدعيم السيادة الأمريكية وقيادتها للنظام العالمي، وإدارة الصراع على النفوذ مع القوى المعارضة للنظام الديمقراطي الغربي.
قد يهمك ايضـــًا :
رئيس الاتحاد السوفيتي سابقاً غورباتشوف ينتقد بوتين وترامب بشدة
بوتين يؤكد يجب أن يسود الاستقرار في فضاء الاتحاد السوفيتي السابق
أرسل تعليقك