باريس - العرب اليوم
احتاج القادة الأوروبيون لكنوز اللغة الدبلوماسية لإفهام الرئيس الأوكراني أن أبواب الاتحاد الأوروبي مفتوحة أمامه ولكن عليه الانتظار لفترة ليست قصيرة. واختبأ القادة الـ27 وراء المفوضية الأوروبية التي مثلتها في قمة فرساي رئيستها أورسولا فون دير لاين التي يتعين عليها، وفق المسار التقليدي، إبداء الرأي في مدى أهلية أوكرانيا لقبول ترشحها لعضوية الاتحاد لإفهام كييف أنه ليس هناك «مسار سريع» لعضوية الاتحاد، وفق ما جاء على لسان رئيس الوزراء الهولندي مارك أوته.
وجاء في البيان الصادر عن الــ27 ليل الخميس - الجمعة أنه «بانتظار أن تبدي المفوضية رأيها ومن غير أي تأخير، سنعمد إلى تعزيز علاقاتنا وتعميق شراكتنا لنساعد أوكرانيا على درب الانضمام لأن أوكرانيا تنتمي إلى العائلة الأوروبية». وفي المؤتمر الصحافي الختامي بعد ظهر أمس، تساءل ماكرون: «هل سيكون هناك قبول سريع لأوكرانيا وهي في حالة حرب؟ الجواب لا». وبانتظار أن يصبح انضمام كييف إلى النادي الأوروبي ممكناً، فإن المعروض على أوكرانيا هو توسيع اتفاقية الشراكة المبرمة بين الطرفين في عام 2014 أي في السنة التي سلخت فيها روسيا شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا وضمتها إليها بعد استفتاء سريع. ورغم أن كييف تتمتع بدعم عدة دول من أوروبا الوسطى والشرقية، فإن العمل بمبدأ الإجماع يحول دون التغلب على رفض دول أخرى. وترى باريس أن الأمر الملح اليوم ليس انضمام أوكرانيا بل مساعدتها على الوقوف بوجه الغزو الروسي بحيث تصبح كلفته غالية الثمن ومن شأنها أن تدفع الرئيس الروسي لمعاودة حساباته وقبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات. أما السبيل إلى ذلك فيمر، وفق ما قاله ماكرون، عبر تشديد عزلة الرئيس بوتين على المسرح الدولي والاستمرار في فرض عقوبات إضافية و«ترك كافة الخيارات مفتوحة» ومزيد من الدعم والتضامن مع أوكرانيا بما في ذلك الدعم العسكري. وأشارت فون دير إلى أن الاتحاد يعمل على إعداد حزمة عقوبات رابعة على روسيا يرجح أن تتناول وضع روسيا التجاري التفضيلي ما من شأنه عرقلة أنشطتها التجارية. ومن جانبه، قدم مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد جوزيب بوريل اقتراحاً يقضي برصد 500 مليون يورو إضافية لشراء أسلحة لأوكرانيا وسيتم النظر بالاقتراح وإقراره سريعاً. وبذلك، تكون أوروبا قد كسرت للمرة الثانية حاجزاً أساسياً كان يمنعها سابقاً من اللجوء إلى هذه الآلية التي يريد كثيرون أن يروا فيها بداية لقيام أوروبا الدفاعية. حقيقة الأمر أن بطء المسار القانوني ليس العائق الوحيد الذي يحول دون انضمام أوكرانيا؛ ذلك أن الأوروبيين يعملون بمبدأ رفض انضمام أي عضو جديد وهو في حالة حرب لأنه إذا تم ذلك فسيكون على كافة دول الاتحاد التضامن معه عملاً بالفقرة السابعة من المادة 42 من معاهدة لشبونة لعام 2009، وبما أن الجميع أكدوا أن أوروبا «ليست في حالة حرب مع روسيا»، فإنهم حريصون على ألا تكون خطوة الانضمام ممهدة للدخول في نزاع مع روسيا وهو ما لا يريده أيضاً الحلف الأطلسي. وسيعود القادة الأوروبيون لمناقشة هذه المسائل في قمتهم القادمة في بروكسل يومي 24 و25 الجاري. شكل الملف الأمني الطبق الرئيسي الثاني في قمة فرساي. وكرس البيان الختامي «المطول» عدة فقرات لحاجة أوروبا لبناء قدرات دفاعية بالنظر «لضرب الاستقرار والمنافسة الاستراتيجية «الروسية» المتصاعدة والتهديدات الكبرى التي تمس الأمن». والرد الأوروبي أن القادة الــ27 قرروا «تحمل قسط أكبر من المسؤولية بالنسبة لأمنهم واتخاذ تدابير حاسمة بالنسبة لبناء السيادة الأوروبية وخفض التبعية وبناء نموذج اقتصادي واستثماري لعام 2030». وعرض البيان بالتفصيل لما سيقوم به الأوروبيون وهو ما وصفه ماكرون بأنه «الأجندة السيادية» التي تتناول الدفاع والطاقة والاقتصاد. ويريد الأوروبيون أن يكون الاتحاد «أكثر قوة وقدرة في مجالي الأمن والدفاع وأن يسهم في توفير الأمن الشامل وعبر الأطلسي ومتكاملاً مع الحلف الأطلسي الذي يبقى الأساس للدفاع الجماعي لأعضائه». وبذلك يكون الأوروبيون الذين كانوا يرغبون ببناء «استقلالية استراتيجية» عن الأطلسي قد عادوا إلى الانضواء تحت العباءة الأطلسية بفعل حرب أوكرانيا والتهديدات التي تمثلها روسيا. ويعني ذلك عملياً زيادة الميزانيات الدفاعية الأوروبية «على غرار ما فعلت ألمانيا» لتصل إلى حدود 2 في المائة وتخصيص جزء كبير منها لردم الفجوة في «النواقص الاستراتيجية» وتعزيز القدرات العسكرية الأوروبية والتعاون بين الأعضاء. ويريد الأوروبيون كذلك تعزيز صناعاتهم الدفاعية والتشارك فيها لبناء أنظمة دفاعية مشتركة للجميع وتطوير القدرات الأوروبية في عمليات الدعم الاستراتيجي والأمن السيبراني والفضاء. كذلك يريد الأوروبيون تمكين الاتحاد من القدرة على حماية أعضائه مما يسمى «الحرب الهجينة» وحماسة المؤسسات والشركات من الهجمات الإلكترونية بما يتناول البعدين الأمني والدفاعي للصناعات والأنشطة الفضائية. وقال الرئيس ماكرون إن قمة ستعقد في شهر مايو (أيار) القادم وستخصص للملف الدفاعي علماً بأن الأوروبيين كانوا يسعون لإقرار ما يسمى «البوصلة الاستراتيجية» التي تشمل كافة هذه المسائل.
ثمة ملف استراتيجي آخر فرض نفسه بقوة على القادة الـ27 وأبانته الحرب الروسية على أوكرانيا وعنوانه الاستقلالية في ميدان الطاقة أو بكلام آخر حالة «التبعية» التي تعاني منها أوروبا في موضوع يمس المواطن الأوروبي في حياته اليومية نظراً لغلاء أسعار الغاز والمشتقات النفطية. وبينت قمة فرساي وجود شرخ كبير بين من يريد استخدام ورقة مشتريات النفط والغاز من روسيا لـ«تركيع» النظام والتوقف عن تمكين الرئيس بوتين من تمويل الحرب التي يقوم بها. وقال رئيس لاتفيا أرتور كريسجانيس كارينز أمس: «إذا أوقفنا شراء الطاقة من روسيا فهذا سيوقف تمويل الآلة الحربية، وإذا لم نعمد إلى تغليظ عقوباتنا اليوم، فمتى نقوم بذلك؟». إلا أن الرد على هذا التوجه جاء من ألمانيا وإيطاليا والنمسا وفنلندا والمجر. وقال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان: «لن نسمح بأن تدفع العائلات «المجرية» ثمن قرار كهذا، وواضح أن موقف كل بلد أوروبي مربوط بنسبة تبعيته للغاز أو للنفط الروسيين ولانعدام البدائل في الوقت الحاضر. وحتى اليوم، يقاوم الأوروبيون بشكل عام الضغوط المشتركة الأميركية - البريطانية علماً بأن لندن لن توقف مشترياتها فوراً بل ستوقفها مع نهاية العام الجاري. وجاء في البيان الختامي أن الأوروبيين «سيعمدون تدريجياً لخفض تبعيهم لاستيراد النفط والغاز والفحم «الحجري» منذ أن يكون ذلك ممكناً» عبر خفض الاستهلاك وتنويع المصادر وإقامة «سوق لطاقة الهيدروجين» في أوروبا وتعزيز إنتاج الطاقة المتجددة وربط الشبكات الكهربائية الأوروبية... ودعا البيان المفوضية إلى خطة مع نهاية الشهر الجاري لـ«ضمان أمن التزود بالطاقة وضمان أسعار يقبلها المواطنون» في موسم الشتاء القادم.
ويخشى المسؤولون الأوروبيون بمن فيهم فرنسا أن يفضي الارتفاع الاستثنائي لأسعار الغاز والمشتقات النفطية إلى حركات احتجاجية كالتي عرفتها فرنسا في 2019 و2020 علماً بأنها قادمة على انتخابات رئاسية بعد شهر واحد. وقالت رئيسة المفوضية خلال القمة إنه يتم العمل على خطة خمسية للخفض التدريجي لمشتريات الغاز والنفط والفحم الروسي على أن يتم وقفها نهائياً بحلول عام 2027.
قد يهمك ايضاً
الاتحاد الأوروبي يَفْصِل 7 بنوك روسية عن منظومة "سويفت" للمصارف
وزراء الدفاع في الاتحاد الأوروبي يعقدون اجتماعا اليوم لدعم أوكرانيا عسكريا
أرسل تعليقك