كابول ـ العرب اليوم
عشية صعود عشرات الأجانب، بينهم أميركيون، على رحلة تجارية من مطار كابول، في أول عملية إجلاء واسع النطاق منذ انسحاب القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي (ناتو) من أفغانستان، أقر وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن بأن هناك «قدراً لا بأس به من اللبس» حول رحلات الطيران المستأجرة من هذا البلد، مؤكداً أن إدارة الرئيس جو بايدن «تبذل كل ما في وسعها» لدعم تسيير تلك الرحلات وإقلاعها من هناك. وأثار اللبس المتعلق بالرحلات الجوية من مطاري كابل ومزار الشريف توترات بين إدارة بايدن والمشرعين وغيرهم من الدعاة الذين يشاركون في الجهود المبذولة لنقل الأشخاص إلى الطائرات والخروج من أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية تماماً من أفغانستان. ووافقت سلطات حكومة «طالبان» الجديدة لتصريف الأعمال بضغط من مبعوث الولايات المتحدة الخاص زلماي خليل زاد، على السماح برحيل 100 مدني أميركي ومواطني دول أخرى، ظلوا في أفغانستان بعد انتهاء عملية الإجلاء الأميركية، كما أعلن مسؤول أميركي أمس (الخميس). وجاءت مغادرة نحو 100 غربي على متن رحلة للخطوط الجوية القطرية إلى الدوحة بمثابة اختراق مهم في التنسيق بين الولايات المتحدة وحكام «طالبان» الذين وعدوا بالسماح للأجانب والأفغان الذين يحملون وثائق سفر صالحة بالمغادرة، لكنّ المواجهة المستمرة منذ أيام بشأن الطائرات المستأجرة في مطار آخر ألقت بعض الشكوك حول تأكيدات «طالبان».
وكشف مسؤول أميركي كبير أن اثنين من كبار مسؤولي «طالبان» ساعدا في تسهيل المغادرة. وقال المسؤول إن المسافرين الـ113 بينهم أميركيون وحاملو البطاقة الخضراء (إقامة دائمة) ومن جنسيات أخرى.
وقال دبلوماسي أجنبي إن 200 آخرين، بينهم أميركيون، سيغادرون في اليومين المقبلين. وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه لـ«رويترز» إن حكومة «طالبان» التي تشكّلت قبل يومين وافقت على السماح برحيل هؤلاء الأشخاص أمس (الخميس)، على متن طائرات مستأجرة من مطار كابل. ولم يقل المسؤول إن كان الأميركيون ومواطنو الدول الأخرى من بين مَن تقطّعت بهم السبل لأيام في مدينة مزار الشريف بسبب عدم السماح للطائرات المستأجرة بالرحيل.
تأتي هذه الخطوة بعد يومين من إعلان «طالبان» حكومة مؤقتة مشكّلة في الأساس من رجال من قبائل البشتون من بينهم مطلوبون للاشتباه في ارتكابهم أعمالاً إرهابية ومتشددون، الأمر الذي بدد الآمال الدولية في تشكيل حكومة معتدلة. وكان المبعوث القطري الخاص مطلق بن ماجد القحطاني قد عدّ ما حصل «تاريخياً». وقال لأحد الصحافيين: «سمِّها ما تريد، طائرة مستأجرة أو رحلة تجارية، كل شخص لديه تذاكر وبطاقات صعود»، مضيفاً أن رحلة تجارية أخرى ستقلع يوم الجمعة، آملاً أن «تصبح الحياة طبيعية في أفغانستان».
ولا يزال من غير المؤكد ما الذي سيعنيه استئناف الرحلات الجوية الدولية خلال الأيام القليلة المقبلة لعشرات الآلاف من الأفغان اليائسين من الفرار من قادة «طالبان» الجدد في أفغانستان بسبب مخاوف من حكمهم. وقبل هذه الرحلة، ألقى كبير الدبلوماسيين الأميركيين تبعات اللبس على «طالبان»، موضحاً أن الحركة أوقفت الرحلات الجوية في شمال أفغانستان ولم تسمح لها بالمغادرة.
وقال خلال مؤتمر صحافي في ألمانيا، أول من أمس (الأربعاء): «خلاصة القول هي أن تلك الرحلات يجب أن تكون قادرة على المغادرة. وسنعمل كل يوم للتأكد من أنها قادرة على القيام بذلك». وإذ أشار إلى الجهود التي تُبذل في الكونغرس، أقر بأنه «حتى الآن، لا تسمح (طالبان) برحلات الطيران المستأجرة»، مشيراً إلى أن «طالبان» ادّعت أن «بعض الركاب ليس لديهم الوثائق المطلوبة». وأضاف أنه «في حين أن هناك حدوداً لما يمكننا القيام به من دون وجود أفراد (أميركيين) على الأرض، دون وجود مطار به إجراءات أمنية عادية، فإننا نعمل على بذل كل ما في وسعنا بغية دعم تلك الرحلات، وإقلاعها. هذا ما فعلناه.
وهذا ما سنواصل القيام به». وكشف: «أوضحنا لـ(طالبان) أن هذه الرحلات المستأجرة يجب أن تكون قادرة على المغادرة». ووصف دبلوماسي أميركي كبير ذلك بأنه «معقّد» لأن «الكثير من هذه الرحلات نظّمتها منظمات غير حكومية أو أفراد لديهم رغبة عميقة في مساعدة الناس، ومرة أخرى، نحن ممتنون للعمل مع الكثير من المدافعين المتحمسين، ولكن هناك أيضاً خطر من الأشخاص الذين يتطلعون إلى ابتزاز الأموال من الأشخاص اليائسين والضعفاء، وهو ما نريد بالطبع منعه». ولاحظ بلينكن أنه في بعض الحالات «هناك جماعات تدّعي أنها أنجزت كل الوثائق والترتيبات، ولكن للأسف لا».
كما أعرب المدافعون المشاركون في الجهود حول الرحلات الجوية في مزار الشريف عن إحباطهم من وزارة الخارجية، مشيرين إلى تغيير التوجيه وعدم الوضوح حول التأخير الذي دام أياماً.
وأشارت الإدارة في البداية إلى أنه لن يُسمح للرحلات المستأجرة بالهبوط في قواعد في الشرق الأوسط. لكنّ وزارة الخارجية أبلغت المشرعين بأن الطائرات المستأجرة حصلت على إذن للهبوط في الدوحة.
وستكون هذه الرحلات من أوائل الرحلات الجوية الدولية التي تقلع من مطار كابل منذ سيطرت «طالبان» على العاصمة في منتصف أغسطس (آب) مما كان سبباً في عملية إجلاء سادتها الفوضى لنحو 124 ألف أجنبي وأفغاني معرضين للخطر. ورأى كثيرون أن إعلان التشكيل الحكومي الجديد يوم الثلاثاء علامة على أن «طالبان» لا تتطلع لتوسيع قاعدتها والنظر بوجه أكثر اعتدالاً للعالم التزاماً بما ألمحت إليه قبل سيطرتها العسكرية على البلاد. واستقبلت الدول الأجنبية الحكومة بمزيج من الحذر والاستياء.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، للصحافيين إنه ما من أحد في إدارة الرئيس جو بايدن «يمكن أن يشير إلى أن (طالبان) عضو في المجتمع العالمي يحظى بالتقدير والاحترام».
وعبر الاتحاد الأوروبي عن استيائه من التعيينات، لكنه أبدى استعداده لمواصلة المساعدات الإنسانية لأفغانستان. وستعتمد المساعدات في الأمد الأطول على احترام «طالبان» للحقوق الأساسية. وقال محللون إن تشكيل الحكومة قد يعرقل اعتراف حكومات غربية بها وهو أمر مهم من أجل التواصل الأوسع نطاقاً على الصعيد الاقتصادي.
في المرة السابقة التي حكمت فيها «طالبان» أفغانستان من 1996 إلى 2001 منعت النساء من العمل والبنات من الدراسة، ونفّذت الحركة إعدامات على الملأ. وقد تعهد قادة «طالبان» باحترام حقوق الإنسان بما في ذلك حقوق النساء. وفي مقابلة مع قناة «إس بي إس نيوز» الأسترالية قال مسؤول كبير في «طالبان» إنه لن يتم السماح للنساء بلعب الكريكت، وهي لعبة شعبية في أفغانستان، أو أي رياضة أخرى لأن ذلك «ليس ضرورياً» ولأن الرياضة قد تكشف أجسادهن. وقال اتحاد الكريكت الأسترالي إنه سيلغي مباراة مقررة مع فريق الرجال الأفغاني إذا لم تسمح «طالبان» للنساء بممارسة اللعبة.
وحظرت «طالبان» أول من أمس الأربعاء)، تنظيم احتجاجات «في الوقت الراهن»، بعد ساعات من خروج متظاهرين إلى شوارع المدن الأفغانية احتجاجاً على توليها مقاليد الأمور. وقالت وزارة الداخلية إن المتظاهرين «أخلّوا بالنظام المدني وتسببوا في مضايقات... لذلك لا ينبغي لأحد أن يحاول تنظيم احتجاج في الوقت الراهن تحت أي ظرف». وأضاف البيان أنه يجب مستقبلاً مشاركة هدف الاحتجاج وشعاراته وموقعه وتوقيته مع وزارتي الأمن والعدل قبل 24 ساعة على الأقل من انطلاقه. وهذا أول بيان رسمي من وزارة داخلية «طالبان» عقب إعلان تشكيل الحكومة المؤقتة.
وتشهد كابل احتجاجات لليوم الثالث على التوالي، واتجه بعضها حتى الآن ضد التدخل الباكستاني المزعوم في أفغانستان، ودعا البعض الآخر إلى منح المرأة المزيد من الحقوق، أو انتقد استيلاء «طالبان» العنيف على إقليم بنجشير (الاثنين). وتوقفت وسائل الإعلام المحلية عن تغطية الاحتجاجات بعدما احتجزت «طالبان» لفترة وجيزة أمس في كابل مجموعة من الصحافيين كانوا يغطون مظاهرة ضد التدخل الباكستاني في أفغانستان. ويُظهر مقطع فيديو تم نشره من احتجاج جرى تنظيمه صباح (الأربعاء) مقاتلاً من «طالبان» يضرب نساء بالسياط، فيما واصل المحتجون هتافهم «حرية... حرية». وقال نجيب الله ساهي، أحد سكان هرات، لوكالة الأنباء الألمانية إن متظاهرين اثنين، على الأقل، لقيا حتفهما وأُصيب سبعة آخرون في محافظة هرات غربي البلاد بعد أن أطلقت «طالبان» النار لتفريق المتظاهرين. وقال المتحدث باسم «طالبان» سهيل شاهين، لصحافيين، عبر مجموعة على تطبيق «واتساب» أول من أمس، إنه يمكن لمن يريدون تنظيم مظاهرات سلمية القيام بذلك بعد الحصول على تصريح من السلطات. وقال شاهين إن المتظاهرين يستخدمون لغة مسيئة ضد قادتهم للاستفزاز والتسبب في «إشعال الصراعات».
قد يهمك ايضا
صدام بين طالبان وواشنطن تشعله "شبكة حقاني"
الكرملين ينفي وجود خطط لإجراء محادثات مع حكومة "طالبان"
أرسل تعليقك