تمارس سلطات الاحتلال الإسرائيلي، سياسات متنوعة وأساليب متعددة، تجاه التجمعات البدوية التي يقع معظمها في المناطق المصنفة "ج"، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، للتوصل إلى نتيجة واحدة، وهي افراغ هذه الاراضي من سكانها الأصليين.
وتعد هذه التجمعات، وأبرزها قرية الخان الاحمر شرق القدس، شوكة في حلق الاحتلال وحجر عثرة امام إكمال مشروعه التهويدي في المنطقة، الهادف إلى فصل المجال الحيوي والطبيعي لأي دولة فلسطينية قد تنشأ في الاراضي التي احتلت عام 1967، وتحويلها فيما لو نشأت الى كنتونات ومعازل مقسمة الى شمال ووسط وجنوب غير متواصلة مع بعضها البعض، وعزل عاصمتها "القدس الشرقية" نهائيا عن محيطها الفلسطيني.
مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، أعد ورقة حقائق حول قرية الخان الأحمر، إحدى هذه التجمعات المهددة بالهدم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
الموقع والمساحة:
تقع قرية الخان الاحمر على الطريق الواصل ما بين القدس واريحا، بمحاذاة ما يعرف بشارع رقم "1"، 16 كم جنوب شرق المدينة المقدسة، بين مستوطنتي "معاليه ادوميم، وكفار ادوميم"، وهي واحدة من 14 تجمعا بدوياً في المنطقة الممتدة من شرقي القدس حتى مشارف أريحا والبحر الميت، ويقطنها نحو 2764 نسمة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، معظمهم من عشيرتي الجهالين والكعابنة المهجرتين عام 1948 من منطقتي النقب وبئر السبع.
سكن الأهالي في منطقة الخان الأحمر في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، واتخذوا من البركسات الحديدة والخيام ملاذاً للعيش في ظل ظروف مناخية وجغرافية صعبة، مع انعدام أدنى مقومات الحياة والخدمات الاساسية من مياه وكهرباء وصحة وتعليم، ويعتمدون في معيشتهم على رعي الماشية، إضافة الى منتجاتهم من الحليب.
ويبلغ العدد الاجمالي للتجمعات البدوية 46 تجمعا، ومساحتها الاجمالية نحو 16000 دونم، وتشكل جزءا أساسيا من بادية فلسطين التي تنتشر من طوباس شمالاً وحتى الخليل جنوباً.
نشأة الخان الاحمر وأهميته:
الخان الاحمر بناء عثماني أنشئ في القرن السادس عشر، في منتصف المسافة الواصلة ما بين مدينتي أريحا والقدس، وكان يستخدم كمحطة للتجار من أجل الراحة والتزود بالماء والمؤن وإطعام الخيول والماشية، نظرا لشدة الحرارة في هذه المنطقة خاصة في الصيف.
وتتبع أراضي الخان لبلدات العيزرية وابو ديس والسواحرة وعناتا، وأطلق عليه اسم "الخان الاحمر" لأن طبيعة رمال المنطقة تميل إلى الحمرة، ويبلغ عدد سكان القرية نحو 180 نسمة، ويضم حوالي 40 مسكنا ومنشأة ومدرسة بدائية تعرف بـ"مدرسة الاطارات".
قرية الخان الاحمر (وسط الضفة الغربية)، تعتبر البوابة الشرقية لمدينة القدس وكذلك البوابة الغربية للأغوار، وحلقة وصل ما بين الضفتين وعقدة مواصلات رئيسية، ومن هنا تظهر أهمية الموقع الاستراتيجية بالنسبة للاحتلال، الذي سعى الى فرض سيطرته الكاملة على هذه المنطقة منذ احتلاله للضفة عام 1967، لإدراكه الكامل أن معركة السيطرة على مدينة القدس تبدأ من تلك المنطقة، لذلك وضع مشاريع تهويدية واستيطانية كبيرة من اجل السيطرة على الارض وإفراغها من السكان الاصليين من جهة، وعزل مدينة القدس عن محيطها العربي الفلسطيني من جهة اخرى .
المشاريع الاستيطانية للسيطرة على الخان الاحمر:
بدأت أولى خطوات السيطرة على شرقي القدس والاغوار الفلسطينية منذ احتلالها عام 1967، عندما طرح وزير القضاء الاسرائيلي آنذاك يغال ألون مشروعه الاستيطاني للسيطرة على الاغوار الفلسطينية من خلال إنشاء شريط استيطاني على المنحدرات الشرقية لجبال الضفة الغربية وشريط آخر على طول نهر الاردن، لتكون بذلك خط الدفاع الاول عن اسرائيل من الجهة الشرقية، ومن اجل ذلك اقيمت القواعد العسكرية ومحطات الانذار المبكر على قمم الجبال المطلة على غور الاردن لتحقيق هذا الغرض.
ولتعزيز هذا الهدف اقيمت مستوطنة "معاليه أدوميم" عام 1975، ملاصقة لقرية الخان الاحمر شرق القدس، وتعتبر بمثابة مدينة استيطانية ضخمة من حيث المساحة التي تصل لنحو 50 ألف دونم، ويبلغ عدد سكانها نحو 45 الف مستوطن، وتعد امتدادا طبيعيا على اراضي مدينة القدس من الناحية الشرقية، وتسعى اسرائيل حاليا لاستكمال مشروعها بشكل نهائي من خلال تهجير جميع التجمعات البدوية من المنطقة وتجميعهم في منطقتي ابو ديس، والنويعمة قرب اريحا، بحجة تطوير حياتهم اليومية والتحول نحو الحضرية.
وبذلك كله، يستطيع الاحتلال حصر التمدد العمراني للبلدات العربية نحو الشرق، مثل بلدات: ابو ديس والعيزرية والعيسوية وعناتا، وتحويلها الى معازل سكانية تكون خارج الحسابات الديموغرافية للمدينة المقدسة من خلال جدار الفصل العنصري، الذي يكمل نصف الخطة الآخر، وبهذا يضمن الاحتلال تفوق العنصر البشري اليهودي داخل مدينة القدس باعتبارها عاصمة سياسية بأغلبية يهودية، واقتصاديا في انتظار اكتمال المخططات الاستيطانية في المنطقة .
عام 1971 طرح على الكنيست الإسرائيلية مشروع القدس الكبرى، الذي يهدف الى زيادة مساحة مدينة القدس الى نحو (600 كم2) أي 10% من مساحة الضفة الغربية، بهدف ان تكون مدينة القدس ذات أغلبية يهودية، ويتخذ مشروع القدس الكبرى البعد الطولي من الغرب الى الشرق بحدود "45 كم"، وبعرض"20 كم"، اي انه سيقسم الضفة الغربية شمالاً وجنوباً بشكل نهائي، وهذا تم على ارض الواقع وهي مرحلة (الفصل).
أما المرحلة الحالية، التي تشكل معركة الخان الاحمر محورا رئيسيا فيها، تسمى مرحلة "الوصل" ما بين المستوطنات شرقي القدس بأحياء المدينة من جهة وهو ما يعرف بمشروع"E1" ، الذي يهدف الى الاستيلاء على المساحة المتبقية ما بين مستوطنة "معاليه ادوميم"، وما بين احياء القدس الشرقية من جهة اخرى، وذلك لبناء (4) آلاف وحدة استيطانية على مساحة تقدر بـ(12) الف دونم.
اما الهدف الثاني من عملية "الوصل"، فهو ربط الساحل الفلسطيني من "تل أبيب" غربا، وحتى الاغوار والبحر الميت وجسر الملك عبد الله شرقا، ومنها الى الاردن والعالم العربي بشكل مباشر ومتواصل، عبر طريق القدس– اريحا، وهذا سينعش الحركة الاقتصادية والتجارية والسياحية في مدينة القدس، فهنا تصبح الاحياء اليهودية الجديدة حول مدينة القدس التي بنيت، والتي ستبنى لاحقا غير معزولة عن محيطها المحلي والدولي وستكون أيضا مركز جذب سياحي واستثماري ضخما.
هذا يقودنا الى الحلقة الاكبر من هذا المشروع المتدحرج، وهي ما يسمى مشروع (5800) لعام 2050، الذي سيقام في ذات المنطقة التي يقع من ضمنها الخان الاحمر وباقي التجمعات البدوية شرق القدس، ويهدف الى اقامة مطار دولي كبير في منطقة وادي موسى، وربط المستوطنات شرقي القدس بغرب المدينة بواسطة شبكة من سكك الحديد والجسور وتوسيع شبكات الطرق لتكون قادرة على استيعاب اعداد اكبر من المسافرين والسياح، إضافة الى حركة شحن خاصة الى الخارج، واقامة مناطق صناعية جديدة وفنادق واسواق تجارية، ومن المخطط له ان يعيش في هذه المدينة 5 ملايين شخص أغلبيتهم من اليهود، وان يزورها نحو 12 مليون سائح سنويا، وان يتم انعاش السياحة الدينية للمدينة والسياحة العلاجية في منطقة البحر الميت، وستوفر الخطة نحو 80 ألف فرصة عمل تحقيقا لمبدأ "القدس هي قلب دولة إسرائيل والشعب اليهودي"، ويسعى هذا المشروع "5800" الى إظهار القدس كمدينة حضارية مزدهرة للشعب اليهودي، قادرة على ان تنافس أهم مدن العالم من الناحيتين السياحية والتجارية.
مشروع "5800" لا ينفصل عن "صفقة القرن"، بل جاءت هذه الصفقة لتؤكد ذلك من خلال اخراج القدس من معادلة الصراع، وان تكون علاقة الفلسطيني بمدينته المقدسة في المواسم الدينية فقط، مع ضمان حرية الوصول اليها للصلاة في اوقات محددة من السنة، على ان تخصص الفترات الصباحية للمستوطنين من أجل استباحة المسجد الاقصى، وهذا يمهد الطريق نحو التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى كما هو الحاصل حاليا في المسجد الابراهيمي بمدينة الخليل .
السياسات الإسرائيلية نحو المنحدرات الشرقية:
يتبع الاحتلال سياسة "النفس الطويل" تجاه التجمعات البدوية، التي يقع معظمها في المناطق المصنفة "ج"، والتي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، ويسير وفق خطة مدروسة، بسبب المواقف الدولية المعارضة لهدم هذه التجمعات بما فيها الادارات الاميركية السابقة، فهدم هذه التجمعات وتهجيرها قد يضر بصورة اسرائيل امام العالم على انها دولة "أبرتهايد" عنصرية لا تسعى الى احلال السلام في المنطقة، وما ينطبق على الخان الاحمر قد يكون البوابة في حال نجاحه الى تهجير تجمعات أخرى صدرت بشأنها قرارات إزالة مثل قرية سوسيا قرب يطا، وخربتي يرزه ومكحول في الاغوار الشمالية.
يمارس الاحتلال ضد هذه التجمعات سياسات عنصرية ترمي الى تهجير السكان طوعا من خلال تضييق الخناق عليهم، ومنها إغلاق المناطق الرعوية كون هذه التجمعات تعتمد على الرعي كحرفة اساسية لهم، ومحاربتهم ايضا في الحصول على مصادر مياه دائمة، ومنع اقامة اي مشاريع للبنية التحتية من كهرباء وطرق ومياه، وتقييد عمل مؤسسات الحكومة الفلسطينية في هذه المناطق كونها مناطق خاضعة اداريا وامنيا للاحتلال.
ومن الاساليب الاكثر عنصرية، اغلاق مساحات شاسعة من هذه المناطق بدعوى انها مناطق محميات طبيعية أو مناطق عسكرية مغلقة، في الوقت الذي تسمح به للمستوطنين باستخدام هذه الاراضي اما للبناء او الرعي او الزراعة، وادت هذه الاجراءات الى تناقص عدد السكان في التجمعات البدوية بحثا عن اماكن يستطيعون ممارسة حياتهم الطبيعية، بعيدا عن سياسات الاحتلال العنصرية، ومن بقي في هذه المناطق مثل الخان الاحمر يتهددهم خطر هدم البيوت والمنشآت والترحيل القسري، بحجج لا تنتهي تحت مظلة قضاء ظالم، يشرعن هذه السياسات وفق مصالح دولة الاحتلال، التي تتعامل معها كأنها جزء منها، وليس كأراض محتلة وفق القانون الدولي .
ودعا مجلس الامن الدولي التابع للأمم المتحدة عام 2004 اسرائيل لوقف هدم المنازل الفلسطينية وفقا لقرار رقم 1544، إضافة لما جاء في المواد 147 و53 و33 من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة 50 من اتفاقية لاهاي، التي تحظر جميعها على دولة الاحتلال ان تدمر اي ممتلكات خاصة ثابتة او منقولة تتعلق بأفراد او جماعات دون وجود دواعٍ "حربية"، لكن اسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال تضرب بعرض الحائط قرارات الشرعية الدولية، وتخالف قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الانساني
أرسل تعليقك