لندن ـ العرب اليوم
رجح الكاتب البريطاني جدعون راخمان، وقوع القائمين على إعداد بيان الرئيس الأميركي باراك أوباما، بشأن الأمن الوطني في حيرة حول ترتيب أولويات الأزمات، التي يتعين تناولها في البيان.
وتساءل راخمان في مقال نشرته صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، أمس الثلاثاء- "هل تُعطى الأولوية لاعتداء روسيا على أوكرانيا، أم لسطوع نجم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"؟ وأى القضايا ينبغى أن تلي هذا أو ذاك؟ أهي فوضى العنف في ليبيا، أم تردى الأوضاع في أفغانستان، أم الأزمة السياسية التى تلوح في أفق هونغ كونغ، أم المواجهة بين طائرات صينية وأميركية على مقربة من جزيرة هاينان؟".
وقال راخمان إن الرئيس أوباما ربما يتساءل عن السبب وراء تزامن اندلاع كل تلك الأزمات في وقت واحد.. وسيجد الرد جاهزا على ألسنة منتقديه: من أن البيت الأبيض أظهر ضعفا وترددا مما فتح الباب لخصوم أميركا لسبر غور هذا الضعف، كما ترك النظام الأمني الذي تقوده أميركا أمام تحد في كل من أوروبا والشرق الأوسط وآسيا جميعا.
ورأى راخمان أنه مما لا شك فيه أن أميركا أصابها الإعياء من الحرب بعد تجربتَي العراق وأفغانستان، إلا أن انفجار الأزمات الأمنية حول العالم ليس فقط بسبب موقف أوباما وأميركا.. إنما السبب في أن حلفاء أميركا -سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط أو آسيا- باتوا يعتمدون بشكل زائد عليها لضمان أمنهم.. إن أكبر عوامل الضعف التي اعترت النظام الأمني العالمي ليس افتقار واشنطن إلى الحلول وإنما العجز المكتسب الذى لحق بحلفاء أميركا الإقليميين.
ورصد راخمان انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو" الأسبوع الجاري في ويلز، واعتبر القمة بمثابة فرصة سانحة أمام أهم حلفاء أميركا للبدء في الاضطلاع بحمل شيء من العبء، محذرا من أنه حال فشل الناتو في هذا الصدد فإن عجز أميركا عن حفظ النظام في العالم وحدها سيبيت أكثر انفضاحا ولسوف تتزايد بؤر الاضطراب حول العالم.
وأوضح أن نسق إنفاق الناتو على التسلح يعكس اعتماد أوروبا المتزايد على أميركا؛ ذلك أنه في ذروة الحرب الباردة كانت أميركا تدفع نحو نصف الإنفاق العسكرى للحلف بينما يتولى باقي الأعضاء دفع النصف الآخر.. أما الآن فإن أميركا باتت تدفع نحو ثلاثة أرباع أموال الإنفاق العسكري في الحلف.
وتابع بالقول "حتى عندما يتعلق الأمر بالحاجة لتحركات غير عسكرية لحفظ النظام، فإن الأوروبيين يتخلفون في هذا الصدد؛ لقد كانت أميركا الأسرع في فرض عقوبات على روسيا وكانت تدابيرها أكثر قسوة من أوروبا على الرغم من أن الأخيرة كانت في مرمى التهديد أكثر من أميركا باجتياح روسيا لأوكرانيا". ورأى راخمان أن هذا الاعتماد الزائد على أميركا هو أوضح ما يكون في الشرق الأوسط؛ إن صعود نجم "داعش" يُهدد بأفول نجم الاستقرار في دول المنطقة ولا سيما دول الخليج والسعودية.. وعلى الرغم من إنفاق هذه الدول في السنوات الأخيرة بسخاء على التسليح إلا أنها تركت أمر "داعش" برمته لأميركا، وترك مجلس التعاون الخليجي طائراته المقاتلة البالغ عددها 600 طائرة في أماكنها وجعل يشتكى ضعْف أميركا وترددها. وقال "لا يختلف الوضع في آسيا عن سابقيه في أوروبا والشرق الأوسط؛ فبينما يناشد حلفاء مثل اليابان والفلبين، أميركا لزيادة وجودها العسكري في المنطقة في مواجهة التواجد الصيني الزاحف، لم يتمكن حلفاء أميركا شرقى آسيا في غضون ذلك من تكوين جبهة متحدة في مواجهة ادعاءات الصين البحرية".
وحذر من مغبة استمرار وضْع حلفاء أميركا على هذه الصورة لا سيما وأن أميركا باتت أكثر امتعاضا عن ذى قبل فيما يتعلق بحمل أى أعباء لحفظ النظام العالمى، لقد تركت ويلات تجربتى العراق وأفغانستان بصماتها في المُخيّلة الأميركية، وكذلك الأزمة المالية عام 2008. واختتم راخمان مقاله بالتأكيد على "أن تردد أوباما في نشر قوة عسكرية ليس شذوذا ولا هو حماقة شخصية إنما هو انعكاس دقيق للمزاج الشعبي في أميركا، في ظل استطلاعات رأي تشير إلى أعلى مستويات الإنعزالية على مدار الخمسين عاما الأخيرة".
المصدر: أ ش أ
أرسل تعليقك