بينما تتساءل اليابان عن دورها على الساحة الدولية، يحاول "شهود كبار" كانوا اعضاء في وحدة الانتحاريين (الكاميكاز) الامبراطورية رسم حدود التضحية من اجل الدفاع عن الوطن.
وفي صالون منزله الراقي في احدى ضواحي طوكيو حيث لا صورة ولا ميدالية او اي شيء يذكر بحياته السابقة، يقول يوتاكا كانبي الذي كان في وحدة الانتحاريين "كان الامر جنونا".
ويبلغ يوتاكا من العمر اليوم 91 عاما. وكان يفترض ان يموت ككثيرين من رفاقه في احدى الطائرات المعروفة باسم "زيرو"، لكن الوقت لم يسمح له بذلك. فقد استسلمت اليابان في 15 آب/اغسطس قبل ان يحلق بالطائرة المحملة بالمتفجرات التي كان يفترض ان يسقط فيها فوق سفينة اميركية.
وقال الضابط السابق لوكالة فرانس برس "لا اتحمل فكرة تمجيد هذه المهمات" التي قتل فيها حوالى اربعة آلاف طيار.
ومع ذلك، سجل فيلم طويل يمجد هؤلاء الانتحاريين ويحمل اسم "زيرو خالدة" نجاحا كبيرا في اليابان وسجل اكبر عدد من الحضور منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ويتضمن الفيلم روايات عن الحب والوطنية والتضحية الكبرى التي تشكل مزيجا يابانيا بامتياز.
لكن هذا التمجيد بالكاميكاز لا يثير اعجاب الطيار السابق في البحرية الذي يرى ان "الرياح الالهية" التي كانت تهب في الماضي هي "رياح سيئة". فانشاء كتيبة الانتحاريين في 1944 شكلت بداية انزلاق اليابان الامبراطورية الى نهايتها.
يقول يوتاكا انه ينتظر اليوم بهدوء موته لكنه لا يريد ان تهب رياح سيئة جديدة على البلاد.
ولا يخفي الكاميكاز السابق قلقه من اعادة تفسير الحكومة القومية التي يقودها رئيس الوزراء المحافظ شينزو ابي لجزء من الدستور السلمي للبلاد في سابقة منذ انتهاء الحرب.
ففي الاول من تموز/يوليو اتخذت الحكومة القرار التاريخي بالسماح للقوات المسلحة اليابانية بالمشاركة في عمليات عسكرية في الخارج لمساعدة الحلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
وقال يوتاكا ان "اليابان يمكن ان تشهد حربا جديدة اذا كان كل قادتنا مثل (رئيس الوزراء) شينزو ابي. ساموت قريبا لكنني قلق على مستقبل بلدي".
اما اللفتنانت كوزو كاغاوا (89 عاما) الذي نجا ايضا، فما زال يشعر بالحزن لمقتل الكثير من رفاقه الذين كانوا يرحلون بعد شرب كأس من شراب الساكي التقليدي ولا يرجعون، بينما كان هو بانتظار دوره الذي لم يأت.
وقال لفرانس برس ان "الذين نجوا مثلي عليهم الا يقولوا ما اذا كان الامر جيدا او سيئا".
ولم تضعف السنين ذاكرته ولا حزنه. وقال "ما زلت ابكي رفيقي واصلي من اجله (...) اشعر بالاسف لانني تركته يموت بمفرده".
ومثل يوتاكا كانبي يعتقد كاغاوا ان اليابان يجب ان تبقى سلمية. لكنه يعتقد ان "للسلام ثمنا".
ويضيف "بالتأكيد عمليات الانتحاريين يجب الا تعود ابدا لكن السلام ليس مجانيا ولا يمكن حمايته بدون بعض الدفاع. رئيس الوزراء يبدو على عجلة من امره لكنني اتفهم محاولة قيامه بذلك".
ولا يدلي اكينوري ساسانو الطيار الانتحاري السابق ايضا عن اي راي، لكنه في سن الخامسة والثمانين يتأرجح بين الغضب من الماضي والقلق من الحاضر.
وحول الماضي يقول "لا معنى للسؤال عن سبب طاعتنا الاوامر ولماذا كان يجب ان نموت اذ لم يكن هناك مكان لكلمة +لا+".
اما بالنسبة للحاضر، فيؤكد "اشعر بالخوف من الا يكون الشبان قادرين على تصور ذلك. لم يكن الامر فيلما وكل ما يمكنني فعله الآن هو الصلاة من اجل السلام".
وفي 15 آب/اغسطس في ذكرى استسلام اليابان، سيبقى السرجنت السابق في جيش الامبراطور، وحيدا في منزله للصلاة على ارواح رفاقه الذين قتلوا.
ويمكن "للشباب" الذين يتحدث عنهم ان يزوروا في ذلك اليوم متحف الحرب وان يقرأوا بعض رسالة الوداع التي خطها انتحاريون قبل ان يهبوا لتنفيذ مهامهم.
وفي بهو المتحف سيمرون امام طائرة "زيرو الخالدة" التي تصور شبان يابانيون مثل يوتاكا وكاغاوا واسانو ربما قبل سبعين عاما انهم ينقذون وطنهم ويخدمون الامبراطور.
نقلًا عن "أ.ف.ب"
أرسل تعليقك