روث ماكلين تصف مشاهد الحياة الدمشقية وتؤكّد أنّها طبيعية لكن هشّة
آخر تحديث GMT04:51:58
 العرب اليوم -

روث ماكلين تصف مشاهد الحياة الدمشقية وتؤكّد أنّها "طبيعية لكن هشّة"

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - روث ماكلين تصف مشاهد الحياة الدمشقية وتؤكّد أنّها "طبيعية لكن هشّة"

مشاهد الحياة في سورية
لندن - سليم كرم

وصفت الصحافية البريطانية روث ماكلين، مشاهد الحياة الدمشقية، في مقالها الجديد بعنوان "الحياة في دمشق: طبيعية لكنها هشّة"، مشيرة إلى أنّه "ارتدى النُدُل أزياءً ثلاثينية، وشواربهم بدت كما لو كانت مرسومة بأقلام الرصاص، وشعورهم لامعة ومُمشَّطة للخلف، وهم يغرفون سلطة التبولة في أطباق النساء اللائي يسحبن أنفاساً من النرجيلة في مطعم غراند سيلينا في مدينة دمشق القديمة، وفي الوقت نفسه كانت هناك حفلتا زفاف، ومطربٌ يشدو بالعربية: "أحبك، لكن هذا لا يعني أنني سأظل معك"، وإحدى العروسين تقوم لتتمايل على النغمات، وفستانها الأزرق مرصّع بآلاف الكريستالات بدت كمخالب تحتضن ظهرها العاري".

وأشارت ماكلين، في مقالها على صحيفة "الغارديان" البريطانية، إلى أنّه "لا توجد إشارة واحدة إلى أن هناك حرباً جاريةً أودت بحياة نصف مليون إنسان، وهجَّرت نصف سكان سورية، أيام قليلة تمر بعد العرس، وعلى بعد ميل واحد، يسقط 74 قتيلاً، في هجومين انتحاريين، معظمهم حجاج عراقيون كانوا يقصدون مزاراً دينياً، بعد ذلك بأيام تمكَّن معارضون من الضواحي من حفر نفقٍ إلى منطقةٍ تسيطر عليها الحكومة، تلي ذلك مباشرة قتالٌ عنيفٌ بين الطرفين، لكن المحلات ذات الواجهات البراقة تظل مفتوحة، وخرير مياه نوافير المدينة الرخامية لا يتوقف عادةً إلا حين يعلوه صوتُ المقاتلات النفاثة تشق السماء في طريقها شرقاً إلى معاقل المعارضين المُحاصَرين في الغوطة أو في حمص".

روث ماكلين تصف مشاهد الحياة الدمشقية وتؤكّد أنّها طبيعية لكن هشّة

ونوّهت ماكلين إلى أنه "بعد 6 سنوات من الحرب، يتردد الناس على أعمالهم في دمشق، بينما يُبقون رؤوسهم منخفضة، والحرب والسلم يتبدلان حولهم، تغلق المحلات أبوابها مبكراً، والنباتات المتسلقة تزحف على أبواب المراحيض العامة في العاصمة، ومعطف رقيق من التعوُّد يلف المدينة التي كانت يوماً ودودةً نابضةً بالحياة"

وكشف رجلُ أعمالٍ طلب إخفاء هويته، أنّ "كل الناس الطيبين رحلوا، كان يجدر بك القدوم إلى هنا قبل الحرب، كانت الأحوال مختلفة تماماً، ما تغيَّر حقيقةً هو الناس، حاولت أن أعيش خارج سورية، لكنني لم أستطع، هذا هو وطني، لكنني هنا مواطن من الدرجة الثانية، السوريون أصبحوا في المرتبة الثانية الآن، الإيرانيون هم في المرتبة الأولى، أما الروس فهم فوق الجميع كما لو كانوا آلهة".

وتدعم روسيا وإيران الحكومة السورية في حربها التي بدأت كثورة شعبية، تعلو وتخفت شدتها من وقت لآخر، لكن سرعان ما تحولت إلى حرب معقدة بين طوائف عديدة، ولأسباب عديدة، تدعم كلاً منهم دولٌ عديدة، ويكتظّ السوق في التكية السليمانية بصناديق محلية مصنوعة من خشب الجوز، مغطاة برسوم معقدة مرصعة بقطع من الموزاييك المصنوع من اللؤلؤ والعاج، ومن بين الصناديق يبرز واحد عن أقرانه الفخمين، يحمل غطاؤه رسوم موزاييك لعلمي سورية وروسيا متقاطعين على خلفية من الصدف الأبيض، وعلى الجهة المقابلة معلَّقٌ على الحائط طبقٌ تذكاري عليه صورة الرئيس بشار الأسد يصافح مبتسماً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبالكاد يوجد أي مشترين محتملين لهذه البضاعة، أما عند محل المجوهرات المجاور، وبيّن زبون كان يلمّع عِقداً قديماً أنّ "الوضع ليس جيداً أبداً، ولا يتحسن، يجب علينا أن نعيش، لكننا بالكاد نتمكن من البقاء أحياء".

وجفَّ سيل الزوار الذي كان يتدفق على دمشق، وجفَّ معه سيل الدولارات التي يجلبها السياح معهم، ولا يزال الصبية الحمَّالون يدفعون عرباتهم الحديدية في أرجاء سوق المدينة القديم، والسوريون مازالوا يجوبون أزقته، يشترون فقط بعض الشاي من هنا أو بعض اللوز من هناك، فقط ما يحتاجونه بشدة، أما تفشي التضخم فقد جعل الحياة في غلاءٍ كبير، وأوضح محمد الذهبي، وهو رجلٌ لطيفٌ صاحب محل نظارات، يلفّ حزاماً ضيقاً حول خصره، "يُفاجئ الناس أن النظارات صارت تكلِّف أكثر بكثير مما اعتادوا، عليك أن تشرح للناس أن البيضة التي كانت تكلف 20 جنيهاً إسترلينياً، صارت الآن بـ60 جنيهاً إسترلينياً، وبالمثل لابد أن تكلِّف النظارة ثلاثة أمثال قيمتها سابقاً"، لكن بعض عملائه قد تربحوا جيداً من الحرب، ونوّه الذهبي إلى أنّه "يمكنك أن ترصد ذلك حين يسمعون أسعار النظارات، ويحاولون التفاوض حول السعر، وإذا قال أحدهم إنها باهظة الثمن وطلب تخفيضاً، فهذا ماله الذي كدَّ في كسبه، أما إذا دفع الثمن مباشرةً دون اكتراث فهذا مالٌ لم يتعب فيه".

وأعلنت نور شمَّة، ابنة الستة وعشرين عاماً، التي تعمل مصفِّفة شعر لتساعد أمها في تدبير الإيجار أنه "أصبحت تكاليف الحياة لا تُصدَّق"، وتجلس نور على الأرض المفروشة بالسجاد لمسجد أمية، الذي يعج بالناس القادمين للصلاة والتأمل، وبجوارها تجلس عبير الأحمد ابنة العشرين عاماً مرتدية سترة رمادية ذات غطاء رأس، هما لا يعرفان بعضهما، لكنهما يجدان الفرصة للكلام عن الرجال، وتقول نور إنّه "ربما لن أجد رجلاً لأتزوجه، فكل الرجال الجيدون قد رحلوا، الأجواء الآن لا تسمح لأي قصص حب على أية حال، ستكون حياة باردة، لن يكون زواجاً سعيداً، لأن أحداً لن يكون قادراً على إرضاء الآخر. ليس في الحرب".

روث ماكلين تصف مشاهد الحياة الدمشقية وتؤكّد أنّها طبيعية لكن هشّة

وأوضح الكثيرون من سكان دمشق أنهم يريدون للحرب أن تضع أوزارها بأي طريقة، وإن كان الثمن بقاء الأسد في السلطة، فليكن ذلك، لكن هذا ليس رأي المعارضين المُحاصَرين في الضواحي. وإذا كنت صحافياً يرغب في السفر إلى الأراضي السورية الخاضعة لسلطة الأسد، ستحتاج إلى تصريحٍ لتذهب إلى أي مكان، ولن يُسمَح لك بالعبور إلى أراضي المعارضين، ستكون هناك حدودٌ فيما يتعلق بمن سيُسمَح لك بالحديث معه،

وتقول روث إنّه "سيظل بإمكانك أن تقود سيارتك إلى المدينة القديمة، وأن تشتري إفطاراً من مخبزٍ عائلي، وتذهب لتتمشى مباشرة في الشارع الذي يذكر الكتاب المقدس أن بولس الرسول قد مشى فيه بعد أن أصيب بالعمى، لكن المناقيش بالجبن التي ستأكلها سيقدمها لك فتى صغير، إذ إن الرجال الذين كانوا يُدخِلون الخبز إلى داخل الأفران الحجرية قد ماتوا، أو هُجِّروا، أو يُقاتلون، لكنك قبل أن تصل ستمر على العشراتِ من نقاطِ التفتيش التي يديرها جنودٌ سيسألونك عن طبيعة عملك، ثم سيدخلونك عبر باب توما، أحد الأبواب السبعة الكبيرة للمدينة القديمة المُسوَّرة التي تغطيها الآن ملصقاتٌ لصورِ جنودٍ سوريين قضوا نحبهم، بينما يقف للمراقبة خارجها رجالٌ غامضون يضعون في آذانهم سماعات اتصال".

وينتشر رجالٌ مُسلَّحون، بعضهم بزيٍّ رسمي والبعض الآخر من دونه: هذا هو الوجه الآخر للحياة الدمشقية التي لابد من خوضها. بعضهم جنودٌ، وآخرون أعضاءٌ في قوات الدفاع الوطني، وهي ميليشيا مؤيدة للحكومة لها أفرع ينضم إليها سكانٌ محليون، وبعد مرور يومين على الهجوم الانتحاري المزدوج، تقف قوات الدفاع الوطني متأهبةً على الرصيف الذي خلع الانفجار منه جزءاً، الحافلات التي كانت على وشك إقلال الحجاج من مسجد السيدة زينب، المزار الشيعي الأقدس في سورية، اسودت وأُغرِقَت بالشظايا، لكن إطاراتها أُصلِحَت كي تتمكَّن من التحرُّك، وزوج من الأحذية الرياضية التي تخص أحد الحجاج كانت لا تزال ملقاة أسفل كرسيه محاطة بشظايا الزجاج في إحدى الحافلات.

وأفاد أحد سائقي الحافلتين إنّ "العراقيون شجعان للغاية، هم يؤمنون بأنهم إن كان مُقدرٌ لهم الموت فسيموتون، سواءً أتوا إلى سورية أو لم يأتوا"، وتتزايد نظريات المؤامرة حول هوية الفاعلين، فيتساءل أحد السوريين بهدوء: "من تظن أنه فعلها؟"، ثم يميل برأسه ويغمز متابعاً أنّ "الإيرانيون ربما، لا أعرف"، ويقول أبو حاتم، عضو قوات الدفاع الوطني البالغ من العمر 80 عاماً الذي فقد ابنه في الانفجار الثاني، ثم عاد لممارسة عمله في اليوم التالي للجنازة مباشرةً "لا زال لديَّ القوة، أنا أدافع عن وطني، أنا مستعدٌ للقتال، كلنا مستعدون، حين يقتلون واحداً منا فهم قتلة، بينما حين نقتل أحدهم فنحن ندافع عن وطننا".

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روث ماكلين تصف مشاهد الحياة الدمشقية وتؤكّد أنّها طبيعية لكن هشّة روث ماكلين تصف مشاهد الحياة الدمشقية وتؤكّد أنّها طبيعية لكن هشّة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:27 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة
 العرب اليوم - فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

GMT 20:15 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
 العرب اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 22:43 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
 العرب اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:21 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى عيد الجهاد!

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 7 جنود إسرائيليين في تفجير مبنى مفخخ جنوب لبنان

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد تكالة يُنتخب رئيساً للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يدرس ضم أرنولد من ليفربول في يناير القادم

GMT 08:02 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الرياض... بيانٌ للناس

GMT 13:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

برشلونة يعلن إصابة أنسو فاتي وغيابه 4 أسابيع

GMT 11:44 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيتنام أيرلاينز" بصدد شراء 50 طائرة في النصف الأول من 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab