بيروت - العرب اليوم
«لا يعرف من أين يبدأ عمله بسبب الفوضى التي تعمّ الشاشة»، بهذه العبارة يختصر أحد العاملين في "تلفزيون لبنان" حال المنتج والمخرج توفيق طرابلسي الذي عُيّن أخيراً رئيساً لمجلس إدارة التلفزيون الرسمي إلى أن يتم تعيين رئيس مجلس إدارة أصيل. بعد انتظارٍ دام قرابة أربع سنوات، خرج الدّخان الأبيض وتمّ تعيين طرابلسي في مهامه الجديدة، وهذه المرّة بقرارٍ صدر عن قاضي العجلة قبل أسابيع. علماً أنّ تعيين رئيس لمجلس إدارة المحطة يتطلّب قرار مجلس الوزراء. أتت هذه الخطوة بناءً على طلب وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بتعيين موقّت أو ما يُعرف بـ "حارس قضائي" لـ "تلفزيون لبنان" على إثر مشاكل مادية وتنظيميّة عانى منها التلفزيون على مرّ أعوام وتضخمّت في الفترة الأخيرة. هكذا، تسلّم طرابلسي دفّة مجلس إدارة "تلفزيون لبنان" الذي تحاصره الأزمات المستعصية، ليكون خلفاً لطلال المقدسي الذي جاءت ولايته بناءً على قرار صادر من قاضي الأمور المستعجلة أيضاً، وبقي في مركزه منذ عام 2013 لغاية 2017.
كانت تداعيات الفراغ قاسية على التلفزيون، مما انعكس سلباً على عمل الموظّفين الذين تخبّطوا في مشاكل كثيرة، واشتدّ الخناق عليهم مع اشتداد الأزمة الاقتصادية في لبنان. ورغم محاولات متكررة لتعيين مجلس إدارة، إلّا أن الخلافات السياسية بين الأطراف أدّت إلى تأجيل التعيين سنوات عدة. وهذا الأمر أدى إلى غرق سفينة «تلفزيون لبنان» في مشاكل إنتاجية ومالية وتحكّم بعض «المافيات» داخل الشاشة اللبنانية بالقرارات الإدارية، فكادت أن تودي به بسبب خلاف الأطراف السياسية على إسم يُرضي الجميع. في هذا السياق، بعد محاولات وزير الإعلام السابق ملحم رياشي الذي «اخترع» قصّة الترشيحات لموقع المدير العام، وخرج بأسماء عدّة لم يُتّفق على أيّ منها، وتبعته عبد الصمد التي طرحت بدورها أسماء وإجراءات جديدة للتعيين، رسا الخيار على طرابلسي. سرعان ما خرجت أخبار تفيد بأن قرار تعيين طرابلسي سيولّد انقساماً سياسياً بين القائمين على «تلفزيون لبنان»، لأنّه جاء بناءً على طلب قاضي الأمور المستعجلة. لكن لغاية اليوم، تبدو الصورة هادئة داخل التلفزيون، وبالطبع ستتضح أكثر مع مرور الوقت. لكن كل هذا لا يمنع من طرح أسئلة عدة أهمها: ما هي الخطة التي يملكها طرابلسي للنهوض بالشاشة الغارقة في مشاكلها؟ كيف سيقف في وجه «المافيات» السياسية الحاكمة في التلفزيون؟ ومتى يصبح «تلفزيون لبنان» الشاشة الوطنية التي تجمع اللبنانيين؟
ويرفض توفيق طرابلسي، الإجابة على تلك الأسئلة، مكتفياً بالقول «ألتزم الصمت هذه الفترة. لم أخبر أحداً بمشروعي أو مخطّطي. هناك خطة وضعتها ستكون متناسبة مع التلفزيون والوضع الحالي الذي نمرّ به. كل ما يمكنني قوله، إنه منذ اليوم لغاية الأشهر الثلاثة المقبلة سنعمل معاً، وبعدها لكل حادث حديث».
طرابلسي استلم مهامه قبل أيام قليلة، ولم يعقد بعد اجتماعاتٍ رسمية موسّعة مع العاملين والمسؤولين في الشاشة، بل التقى بعض الموظفين سريعاً للتعرّف إليهم والاستماع إلى مشاكلهم. في المقابل، تُشير المصادر إلى أن طرابلسي يضع حالياً نصب عينيه فتح ملف قسم الأخبار ومشاكله، وتليه لاحقاً الفروع الأخرى، على اعتبار أن الأخبار هي القسم الأهم والأبرز الذي يحتاج لمتابعة دقيقة، بخاصة أن مشاكل ذلك القسم لا تقتصر على معاناة الموظّفين المالية فحسب، بل إنّ الوضع تطوّر ووصل إلى تدهور الأمور التقنية أبرزها تعطّل المكيفات في استديو نشرات الأخبار، وبات الموظفون يعملون تحت وطأة معاناة من جميع الأطراف.
ويشير عبدالغني طليس مقدّم برنامج «مسا النور» في "تلفزيون لبنان"، إلى أنه اجتمع سريعاً مع طرابلسي، موضحاً "الإنطباع الشخصي الأولي عن طرابلسي أنه يعرف جيداً في المهنة ولديه تصوّر عن كيفية تطوير البرامج وأسلوبه مَرِن. في التلفزيون، لدينا تجربة سابقة قاسية مع الديكتاتورية والتقليدية في النظرة إلى التلفزيون وأهميته وكيفية إدارته. أعتقد أننا أمام مرحلة جديدة لهذا التلفزيون الذي كفاه غرقاً في الروتين وانعدام النظرة التطويرية في أقسامه".
ويلفت أحد العاملين في برمجة "تلفزيون لبنان" إلى أن خطة طرابلسي تحتاج لفترة طويلة كي تظهر نتائجها، لأن وضع التلفزيون «كارثي» وفي موت سريري. لكن بحسب المصدر، إن ما يشفع لطرابلسي أنه بعيد عن الاستعراض كما حصل مع بعض المدراء السابقين الذين كانت تجربتهم سيئة مع العاملين في التلفزيون. ومع الوقت، اشتدّت وطأة معاناة الموظفين في ظلّ أوضاعٍ اقتصادية مؤلمة على مختلف الأصعدة (نقص المحروقات، ورواتب المتعاقدين...). يرى المصدر أن أجواء إيجابية تسيطر هذه الفترة على التلفزيون، لأن طرابلسي ليس بعيداً عن الإعلام وفي مكانه الصحيح ويملك خبرة واسعة في الإخراج والإنتاج. ولكنّ بعضهم يتجنّب حالياً المبالغة في التفاؤل، لأنّ التلفزيون يحتاج إلى خطة تنفّذ بدقة لا إلى كلامٍ عابر كما حصل مع التجارب السابقة. كيف ستكون تجربة توفيق طرابلسي في "تلفزيون لبنان"؟ وهل يمحو التجارب السيئة لغالبية المدراء السابقين أم يكرر السيناريو نفسه وسط تدخّل الأطراف السياسية كلها في عمل الشاشة الرسمية؟ الجواب بالطبع سيظهر خلال الأشهر المقبلة.
قد يهمك ايضا
أرسل تعليقك