كشف أنَّ حزب السلطة العتيد خلال الأعوام الأخيرة يتخبط في أزمة، أثرت سلبًا على توازنه الداخلي حتى لم يعد يخلو أي حدث أو موقف من الطعن في شرعية بعض أعضائه، ما يفرض تدخل رئيس الحزب للفصل في الاضطرابات التي زعزعت استقراره.
وصرّح عضو اللجنة المركزية في حزب "جبهة التحرير الوطني" عبد الرحمن بلعياط، بأنَّ الوضع السياسي في الجزائر يتلخص حاليًا في جانبين، الرسمي المتمثل في "أننا نملك رئيسًا منتخبًا في 2014 لعهدة تستمر 5 أعوام وكذا المجلس الشعبي الوطني منتخب 5 أعوام منذ أبريل 2012، كما أنَّ الحكومة مشكلة تؤدي مسؤولياتها إضافة إلى مضي المؤسسات ما في أدوارها، أما الجانب الذي تمثله المعارضة فيتمحور حول مطالبها التي تخضع إلى اعتبارات لا تصمد أمام الفحص وهي متمثلة في مطالب مستحيلة التحقيق كطلبها بان يقصّر الرئيس من مدة عهدته طواعية وهو المطلب المصاغ خلال الفترة الأخيرة بعد أن كانت تطلب تفعيل المادة 88 التي تخص العجز عن أداء وظيفة رئيس الجمهورية.
وأوضح بلعياط في مقابلة مع "العرب اليوم"، أنَّ المعارضة رفعت سابقا مطلب تفعيل المادة قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلا أنها لم تستطع تطبيقها، لأن ذلك مرتبط بجانبين الجانب الطبي والجانب الدستوري، إلا أنَّ ملف الرئيس كان مكتملًا في الجانب القانوني والدستوري عندما قدم الملف كاملًا، مرفقا بالشهادة الطبية التي تثبت أهليته، لتنتقل المعارضة بعد ذلك إلى القول بأنَّه عاجز عن أداء مهامه، في حين أنَّ المطلوب منه هو تسيير الصلاحيات الخاصة به، وهو ما يظهره استقباله للسفراء، الوزراء من الخارج مع قيامه بتعيين السفراء لدى دول أجنبية.
وأضاف أنَّ، الجانب العسكري المتمثل في الجيش الوطني الشعبي يقوم بمهامه في الدفاع عن الوطن ويقوم بتسيير أموره تحت مسؤولية الرئيس، كما هو الشأن بالنسبة للوزارة الأولى وباقي الحقائب الوزارية إضافة إلى المؤسسات الاقتصادية العمومية .
وتابع "ما تفرضه الساحة يجعل الحجة الخاصة بمطالب المعارضة غير متوفرة قانونيا ودستوريا غير متوفرة، حتى بالنسبة لمطلب حل المجلس الشعبي الوطني الذين يرتبط بتقدير رئيس الجمهورية دون سواه، مع ارتباطه باستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني، استشارة رئيس مجلس الأمة واستشارة رئيس الحكومة، إضافة إلى تأثير رأي حزب الأغلبية في ذلك مع الأحزاب التي تساهم في تنفيذ سياسة رئيس الجمهورية، وبما أن حزب جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، حزب تاج و حزب الحركة الشعبية لم يطلبوا حل المجلس فان ذلك لن يتحقق للمعارضة".
وأردف بلعياط، "إنَّ المعارضة إذا أرادت تحقيق مطالبها يجب عليها أن تنتظر الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد انتهاء عهدة الرئيس الحالي، لكسب تأييد الشعب على أرض الواقع لأنه صاحب القرار بدل الطعن في شرعية المؤسسات، أرجع بلعياط ترحيب جبهة "الآفلان" بمبادرة "الافافاس" إلى بدئها بورقة بيضاء أي أنها مبادرة لا تحمل فكرة مسبقة، لكن تنطلق من معاينة افتراضية تنبني على حقيقة أنه ليس هناك إجماع و"الافافاس" يتحدث عن ندوة للإجماع الوطني ونحن كأعضاء في اللجنة المركزية نرى أن الإجماع يتحقق عبر الأحداث الوطنية المختلفة كالانتخابات الرئاسية، التشريعية وكذا الانتخابات البلدية أي أن الشعب هو من يقرر الإجماع الوطني، أما أن نبحث عن إجماع يجمع بين المتناقضات فهذا صعب ومستحيل".
وعقّب بأنَّ الجبهة "تعتبر مساعي حزب القوى الاشتراكية حميدة تريد مساعدة المعارضة ومن لديهم الأغلبية ولا نقول "السلطة"، لأننا كحزب أغلبية مستعدون للنقاش مع المعارضة في أي ملفات سياسية ولا نصم أذننا لها، إذا التزمت المعارضة بالدستور وقوانين البلاد وطرح ما هو قابل للنقاش".
كما تحدث بلعياط، عن أنَّ الرئيس السابق للجمهورية لمين زروال قبيل انتهاء فترة عهدته طلب من خبراء مختصين في مجالات عدة إعداد تقييم اقتصادي واجتماعي لما تم انجازه في الجزائر منذ الاستقلال إلى عام 1988، وجاء التقييم في 500 صفحة أكدت تسجيل تقدم ايجابي على كل المستويات.
وأشار إلى أنَّ "مشاركة الآفلان بالحكومة إلى عام 1997فترة التعددية ، أين دخلت الحكومة بنتائج اعتبرتها غير عاكسة لم تم تحقيقه فعلا بسبب التزوير الذي ميز العملية، إلا انه رفض الاحتجاج على ذلك حفاظا على انسجام وتوازن البلاد، التي كانت تعاني من الإرهاب خلال تلك الفترة، رغم أن الأغلبية كانت عند حزب التجمع الديمقراطي وحركة مجتمع السلم ثم الآفلان، من خلال تواجده على مستوى البرلمان بـ62 مقعدا بدل 123مقعدا فاز به، إلا أننا في مقابل ذلك رفضنا قبل هذه الفترة المشاركة في البرلمان ومناصب البلديات والمجالس الولائية وقلنا أن الشعب هو من يعطي المناصب ومنعنا مناضلينا من الانخراط فيها لان الآفلان لن ينفذ سياسة الغير على اعتبار أن السلطة كانت في يد المجلس الأعلى".
وبيّن أنَّ "الحزب العتيد حقق بعد ذلك فوزًا متتاليًا من 2002الى 2012 تحمّلت خلاله الجبهة حسب المتحدث مسؤولياتها في التسيير كاملة. و في جوابه عن مآل الوضع في الجزائر لو تولت الأغلبية تسيير شؤون البلاد منذ فترة التسعينات أجاب أن، الصلاحيات الرئاسية تتفوق على باقي الصلاحيات لأمرين هما أنَّ البلاد تحتاج لمن يسيرها ويتحمل مسؤوليتها في مخلف المجالات، ونلاحظ أن رئيس الجمهورية منذ 2005 إلى اليوم هو في الوقت نفسه رئيس الحزب ما يجعل سياسته غير متناقضة مع سياسة الحزب، وبحسب دستورنا الحكومة يعينها الرئيس".
وفي تعليقه على الاحتجاجات التي تصاعدت وتيرتها على مستوى القطر الوطني قال بلعياط، "إنَّها أمور عادية وليست جديدة لدينا منذ الاستقلال ونحن نواجهه الغضب الشعبي في كل المجالات لكن لا بد على أصحاب المسؤولية أن يواجهوها، ونحن في الجبهة على حد قوله كمناضلين ومنتخبين للجبهة يجب أن نكون على اطلاع بكل ما يطلبه الشعب حتى نتمكن من مجابهتها بالحوار وثانيا الفهم الصحيح كما يطرح بحسب الإمكانات المتوفرة لدى الحكومة بعيدًا عن التعجيز وضمن الأطر الشرعية، لأن هناك أكيد نقائص تسجل رغم ما يوفر، ألا انه يجب على المواطن أن يكون صبورًا لاستحالة الاستجابة لكل المطالب في كل مكان وفي آن واحد".
كما عرّج إلى الحديث عن إمكان تحول وسيلة المطلب الشرعي إلى شغب، عنف وغيرها من الأساليب الخارجة عن القانون، وهي في مجملها تعكس عدم تأدية الحزب السياسي لدوره لأن ذلك يدخل في إطار مسؤولياته لحصر حاجات المواطنين والسعي إلى رفعها للوصاية، دون إغفال سوء تسيير المسؤولين بعد ترتيبهم الأولويات المتمثلة في إدراك المطالب، توفيرها وتوفير الأدوات المالية لتلبيتها، انطلاقا من الإصغاء إليهم على المستوى البلدي، الولائي وصولًا إلى الوزارات، وإلا فالنتيجة ستكون عبارة عن" تعفّن في الأوضاع يترجم في شكل احتجاجات عنيفة كان يتوجب على المسؤولين توخيها".
واستطرد بلعياط "اللجنة المركزية لليوم لم تصرح بموقفها من مشاورات تعديل الدستور"، وأضاف أنَّ الرئيس في حملته وقبلها في 2011الى 2012 في الانتخابات التشريعية، حيث قال إنَّه سيقدم اقتراحات في الدستور على غرار العودة إلى تحديد العهدات وكذا إعطاء صلاحيات للبرلمان الذي قدم مقترح تعديل الدستور، لافتًا إلى أنَّ "الرئيس أجرى مشاورات هناك من شارك وهناك من رفضها لتتبع بتنصيب لجنة من المختصين لدراسة مقترحات المشاركين التي ستخدم الصيغة الدستورية المطلوبة ،ورفض المعارضين المشاركة فيها لن يعطل هذا المسعى، "إلا أننا لا تنتظر ثورة في المنظومة الدستورية الخاصة بنا ولا مجرد عملية تجميلية ولكن التكييف سيكون حسب ما تتطلبه الساحة السياسية مع توخي انسجام تصور المنظومة الدستورية حتى لا يكون سندا مولّدا للصراع بين الهيئات الدستورية بما يؤثر على فعاليتها في الأداء ومن ثمة فرض الرقابة أعمال الحكومة خارج الإطار الصوري".
وعلّق عضو اللجنة المركزية على التصريحات المخونة للمعارضة بقوله "إنَّ، الاتحاد الأوروبي لن يأت من الخارج ليفرض نفسه علينا، وزيارتهم وحتى اللقاءات تفرضها علاقاتنا معهم، داخل الأطر القانونية وهم يعلمون أنهم لو تدخلوا في شؤوننا الداخلية سنرد عليهم، "الجبهة لا توافق ما يقول سعداني نحن نحترم المعارضة ولن نشكك فيها لان ما قامت به يدخل في إطار النشاط السياسي، لا يجب التشكيك في المعارضة لأنها ايجابية بأفكارها سواء كانت أحزاب أو شخصيات وطنية على غرار رئيسي الحكومة الأسبقين علي بن فليس ومولود حمروش وغيرهما".
واستأنف "لا يجب أن لا نضع اتهامات جزافية للمعارضة نحن نتحدث معه كحزب في السلطة صاحب غالبية دون أي تشكيك، والمعارضة عندما تخرج بأفكارها عن القانون سنواجهها بالقانون بعيدا عن تهويل الأمر وتخدير الرأي العام بهذه التصريحات المشككة".
ولم ينف عبد الرحمان بلعياط وجود خلل في اللجنة المركزية، حيث قال "إنَّ هناك شخصًا ومجموعة ضيقة استولوا على أمانة الآفلان وما يتبعه من هيئة تنفيذية بصفة غير قانونية ولدى لجوئنا للعدالة فزنا عليهم، وننتظر الآن من الإدارة منحنا التصريح لعقد اجتماع اللجنة المركزية لانتخاب أمين عام عن طريق الصندوق بشفافية".
وحمّل الأمين العام الحالي عمار سعداني مسؤولية ما يعانيه الحزب بقوله "إنَّه لدى قرار الحزب سحب الثقة من الأمين السابق عبد العزيز بلخادم تم الاحتكام إلى الانتخاب ونزعت الثقة منه ولم نقم بانقلاب على تلك النتيجة، إلا أن تعنت الأمين سعداني "الفاقد للشرعية منعه من فعل ذلك"، لأنَّه وبحسب المادة التاسعة من النظام الداخلي للجنة المركزية يصبح المتحدث عبد الرحمان بلعياط هو الأمين الشرعي للجبهة، إلى أن يتم تحضير اجتماع اللجنة المركزية لانتخاب الأمين العام ، إلا أن سعداني حسبه سطى على الأمانة وعقد اجتماعا خارج القانون في 29اوت2013 في الاوراسي، رفعنا بشأنه ملفا للعدالة تم بناء عليه إلغاء نتائجه".
وشدّد على أنَّه "رغم ذلك سنستمر في تجنيد اللجنة المركزية لهذا الموضوع ونخاطب الإدارة انه ليس من حقها أن تغفل على انتهاك قوانين الحزب والقانون العضوي للأحزاب السياسية أو تغض النظر لان وضعية الحزب الآن مخالفة للقانون".
ورفع بلعياط طلبه إلى رئيس الجمهورية للتدخل، قائلًا "نخاطب رئيس الحزب أن يأمر ثانية بعقد اجتماع بعد فشل اجتماع 24 كانون الثاني/ يناير2014 بالاوراسي، بعد منع المناوئين للامين الحالي من المشاركة في أشغال اللجنة المركزية، حيث يجب على الرئيس ردهم وان يأمرهم بالعودة إلى الأطر القانونية ويعطينا الفرصة للاجتماع وهذا من حقنا كلجنة مركزية يتوجب عليها الاجتماع مرتين، مع إلزامية أن يكون الاجتماع الثاني في ديسمبر الحالي لحل المشكل والتوجه للمؤتمر بأمين عام منتخب شرعي".
وأضاف "ننظر من الرئيس مساعدتنا والأمر بعقد اللجة المركزية ويقترح لنا المكتب السياسي حتى تكون له كل الصلاحيات لتنظيم مؤتمر الحزب في آذار/ مارس أو نيسان/ أبريل المقبل، لدحض ما يقوله عمار سعداني على اعتبار أنَّه "يهرب من شرعية اللجنة المركزية بقوله إنَّ القاعدة معه في حين أن المحافظات التي نصبها مزيفة خارجة عن القانون، فطبقا للمادتين 48 و49 المحافظة تكون على مستوى الولاية وليس الدائرة أو الاتحادية وهو نصبها لوضع أشخاص يخدمونه ويحضرون له مندوبين ينظم بتواجدهم معه اللجنة المركزية وهذه الخطوات كلها خارجة عن القانون رغم انه لا يخدم لا الرئيس، لا الغالبية، لا الحكومة".
وأبدى المتحدث استياءه من التغييرات التي أجراها سعداني لدى انتخاب نواب الكتلة وأدت إلى تحييد أسماء ناجحين منتخبين من قبل الحزب، وكذا على مستوى المجلس الشعبي الوطني على غرار مليكة فوضيل، بوعلام جعفر بوصبع عبد الرحمان ومعاذ بوشارب، "فكل هذه الممارسات التي قام بها أضعفت صورة الحزب بسبب من لا يمثله" حسب ما صرح به.
وأكد بلعياط أنَّه في حال تمادي سعداني سيتجه إلى عقد مؤتمر الجبهة، على اعتبار أنَّ المادة التاسعة تقرّ له الشرعية كأمين عام على اعتبار أنه الأكبر سنًا في المكتب السياسي.
أرسل تعليقك