جولة بين الجبال الجليدية ومشاهدة مناظرها التي قد تغمر العالم
آخر تحديث GMT10:24:56
 العرب اليوم -

بدأت من العاصمة الأيسلندية ريكيافيك إلى سفالبارد ونجييربين

جولة بين الجبال الجليدية ومشاهدة مناظرها التي قد تغمر العالم

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - جولة بين الجبال الجليدية ومشاهدة مناظرها التي قد تغمر العالم

شاطئ سفالبارد في القطب الشمالي
لندن - سليم كرم

 أظن أنني قد أرى منظرًا خلابًا أكثر من ذلك طوال حياتي. فبينما كنت أتجول على طول شاطئ سفالبارد بالقطب الشمالي، توجهت عيناي نحو ذلك الأرخبيل (مجموعة جزر) النائي الذي يفصل بين النرويج والقطب الشمالي، حيث يوجد جبل جليدي أزرق مهيب يصدر ضجيجًا خلابًا مع خروج فقاعات الهواء المحبوسة بداخله بوتيرة متسارعة، فكان ذلك الصوت هو صوت التحرُّر المفاجئ للضغط الهائل نتيجة لذوبان الجليد. ولكن أثناء تأملي لهذا المشهد فوجئت بصوت ينادي: "دب قطبي".

وهنا صدرت تعليمات مشدّدة لمجموعتنا بالتوقف عن الأنشطة كافة والعودة إلى القارب بكل هدوء. في تلك اللحظة تعلمت درسًا حول القوة التي يمتلكها هذا الدب القطبي في السيطرة على مملكته، عندما تأملت كيف ان مجرد ظهور دب واحد يتسكع في أرجاء المكان قد أصابنا بالارتباك.

جولة بين الجبال الجليدية ومشاهدة مناظرها التي قد تغمر العالم

صحيح أن نسبة الخطر في هذا الموقف كانت ضئيلة للغاية، في ظل وجود قادة متمرسين لمجموعتنا يحملون المشاعل بالإضافة إلى البنادق التي قد يستخدموها كخيار أخير إذا لزم الأمر، إلا أن ذلك لا يمنعنا مطلقًا من الشعور ببعض الفزع من هذا الكائن المهيب.

كنت في آخر مستوطنة بشرية في أقصى شمال الكرة الأرضية، والتي اشتهرت بتحصن ديفيد كاميرون بها بصحبة كلاب الاسكيمو قبل عشرة أعوام، كجزء من رحلة جديدة ذات أهداف بيئية كما وصفها المرشد النرويجي هورتيجروتين.
 
بدأت الرحلة بالإبحار من العاصمة الأيسلندية ريكيافيك، ثم عبور الدائرة القطبية الشمالية للوصول لعاصمة سفالبارد ونجييربين، وتهدف هذه الرحلة لإعطاء مزيد من الاهتمام والتقدير لجزء مهدد من العالم لا ينظر إليه إلا نادرًا. ولكني صحافي مختص بشئون البيئة، وكنت دائمًا ما أصور الرحلات البحرية في مقالاتي بأنها مرعبة، وهكذا كنت سأزداد اقتناعًا بهذا التصور.

جولة بين الجبال الجليدية ومشاهدة مناظرها التي قد تغمر العالم

القطب الشمالي هو أحد المناطق القليلة في العالم التي لا تزال تعكس جمالًا بدائيًا حتى اليوم، وفي نفس الوقت أحد أكثر المناطق المهدّدة بأعمال التنقيب عن البترول وظاهرة الاحتباس الحراري، حيث ترتفع درجة حرارته بشكل ملحوظ أكثر من أي مكان آخر داخل نطاق التأثر بالتغيرات المناخية، مما يؤدي لتغيير خريطة المعالم الطبيعية في العالم كنتيجة لذوبان مساحات كبيرة من الجليد بشكل متزايد باستمرار. فهل ستثبت هذه التهديدات البيئية خلال هذه الرحلة؟ أم أن هذه الأقاويل لا تزيد عن كونها مجرد شعارات دعائية؟
 
عندما صعدنا مرة أخرى إلى القارب بدأنا في مشاهدة الدب القطبي الذي بدا وكأنه يعتذر عن أي ازعاج قد سببه لنا من خلال تقديم استعراض ممتع، حيث خرج هذا الكائن الذي يقترب وزنه من 800 كغم من الماء ليتمدد على الشاطئ الذي تركناه منذ بضع دقائق، ثم بدأ في المشي ببطيء لمسافة تبلغ كيلومترًا واحدًا تقريبًا مقتربًا من القارب، ليحبس أنفاس كل فرد من أفراد طاقمنا الثلاثمائة.

لقد كان من المنطقي توجه أنظار كل من في الرحلة نحو هذا الدب القطبي، لأنه ببساطة يعتبر أقوى رمز للقطب الشمالي ومِحنته، حيث كان لصور الدببة المستلقية على ألواح صغيرة من الجليد أكبر الأثر في دعم القضية البيئية.

جولة بين الجبال الجليدية ومشاهدة مناظرها التي قد تغمر العالم

ولكني بالرغم من ذلك انتبهت الى عنصر أقل وضوحًا خلال هذه الرحلة، وهو الجليد نفسه.
 
طالما جعلني مشهد الجبال والأنهار الجليدية المتشكلة بصورة عشوائيًا أشعر بتأثير وقوة الفن التي تأخذني لسمو الروح. ولكني لم أتوقع على الإطلاق أنني يومًا ما سأجد كثير منهم قد أصبح له لون المياه الأزرق بدلًا من اللون الأبيض المميز للجليد، فضلًا عن ذلك الضجيج. فقد قرأت من قبل أن المضايق الجليدية كثيفة الثلوج في القطب الشمالي تعد ضمن أكثر المناطق ضجيجًا في محيطات العالم، بسبب هذه المرتفعات المتشكلة من المياه المتجمدة التي تصدر ضجيجًا في المعتاد أعلى من صوت هطول الأمطار الغزيرة على سطح البحر. وهكذا كانت مفاجأتي بهذه الضوضاء الصادرة من الثلوج هي الاكتشاف الذي كنت أسعى إليه عندما التحقت بهذه الرحلة.

جولة بين الجبال الجليدية ومشاهدة مناظرها التي قد تغمر العالم
 
بجانب المشاهد المثيرة والنزهات على الشاطئ، كنا نتلقى محاضرات على متن القارب من فريق البعثة المكون من سبعة أفراد. وفي حين أن معظم العروض والتقديمات كانت تقليدية، إلا أن ستيفان – وهو شرطي ألماني سابق تخصص بالجيولوجيا – قد قدم عرضًا ممتعًا، فقد استمتعت حقًا بأسلوبه القائم على الوعي في عرض الاختلافات بين القطب الشمالي والقطب الجنوبي أثناء عزف احدى مقطوعات فريدريك شوبان على البيانو.

وفي نفس الوقت لم تكن باقي المحاضرات خالية من المقاطع المثيرة للاهتمام، على سبيل المثال: "نحن حاليًا نعيش في عصر جليدي، طالما لا تزال هناك مساحات شاسعة من الجليد الدائم في العالم"، وأيضًا "يومًا ما كان مناخ القطبين الشمالي والجنوبي مداريًا."

والأمر المحزن أننا علمنا أيضًا أن هناك جزيرة بلاستيكية هائلة من الحطام تتشكل في بحر بارنتس، وهي أول جزيرة بهذا الشكل تتكون في القطب الشمالي، مما يلفت انتباهنا إلى أن نفايات العالم الصناعية تنتقل لأقصى شمال الكرة الأرضية.

باختصار يمكنني القول بأنني قد أشبعت رغبتي في الاهتمام بالقضايا البيئية، وبالتأكيد في ظل وجود الأطعمة الشهية والمتعة ووسائل الراحة يمكن تحقيق هذا الإشباع خلال أي رحلة بحرية. وبالنسبة لي فلم تكن لدي أي مشكلة في هذه الرحلة سوى ارتفاع مستوى أعمار باقي المرافقين بالنسبة لي، حيث كان أغلبهم يتعدى السبعين عامًا، في حين أنني لازلت في الرابعة والأربعين من العمر، وربما أكون غير ناضج بما يكفي بالنسبة لعمري.
 
وبالرغم من ذلك فإن الصحبة قد عوضتني عن ذلك تمامًا، فقد خلت الرحلة نهائيًا من عيوب رحلات الأماكن المنعزلة والاستكشافات المتمثلة مثلًا في العزلة في أعلى نقطة على الكرة الأرضية. ففقط في مثل هذه الأماكن يمكنك أن تجد شخصًا مثل كييل، وهو صياد متقاعد قصّ عليً حكاية مذهلة عن مطاردة دب قطبي له في كوخه، قبل أن ينشغل الدب بالفقمة العملاقة الموضوعة في الغرفة الأمامية ويلتهمها ويغرق في النوم، دون أن يستيقظ حتى من صوت تحليق أحد أصدقاء كييل بطائرة هيلوكوبتر فوق الكوخ محاولًا اخافته وابعاده. ولكن الدب استيقظ في النهاية من قيلولته وابتعد بخطى متكاسلة.

وفي نيويورك أليسوند، وهو مجمع سابق لاستخراج تحول حاليًا لمدينة بحوث بالقطب الشمالي على الساحل الغربي من سبيتسبيرجين -أكبر جزيرة في سفالبارد – قابلت نيك كوكس، مدير محطة أبحاث في القطب الشمالي في المملكة المتحدة، حيث أقام المكان الوحيد للملكة المتحدة في منطقة القطب الشمالي على المدى الطويل في عام 1991، وعمل في هذا المكان منذ ذلك الحين.

وبما أنه داوم على زيارة القطب الشمالي طوال الأربعة عقود الماضية تقريبًا، فقد تشكلت لديه رؤية فريدة فيما يتعلق بتغير المناخ في القطب الشمالي، هذا ما دفعني لسؤاله حول أكثر ما لاحظه بهذا الخصوص عبر تلك السنين.

فأجابني: " "أولا وقبل كل شيء، تراجع الأنهار الجليدية. لقد تراجعت حقا بشكل كبير، حيث مر ما لا يقل عن عشرة أعوام منذ كان لدينا آخر نهر جليدي سليم في هذا المضيق البحري ".

وأضاف أيضًا: "خلال السنوات الأخيرة بدأنا نلاحظ سقوط الأمطار في منتصف فصل الشتاء، وهو ما لا نعرفه من قبل، أعني أننا لم نعتد على سقوط الأمطار في أي من فصول السنة، فلم يكن هناك سوى يوم ممطر واحد تقريبًا خلال الصيف، ولكن الآن أصبح هطول الأمطار بشكل أكبر."

وقد أوضح أن خطورة هذا الأمر تتمثل في أن الأمطار تجعل ظروف الحياة أصعب كثيرًا بالنسبة لحيوان الرنة، لأن المياه تتساقط ثم تتجمد، وبالتالي لا يمكن أن تتوغل في الجليد للوصول لغذائها النباتي.

"أما الدببة فلا يحبون ذلك، لأنه مع تناقص الجليد البحري يصعب عليهم إيجاد فريستهم المفضلة هي الفقمة، ونفس الأمر بالنسبة للثعالب التي يصعب عليها الوصول لمخابئ فرائسها من صغار الطيور مثلًا التي تدفنها في سهول التندرا خلال الصيف."

ولكن بالرغم من كل هذه التغيرات السلبية كان كوكس متفائلًا بالنسبة لمستقبل القطب الشمالي، بحجة أن رفع درجة الوعي بمشاكل هذه المنطقة سيحشد كل القوى للمشاركة في حل هذه المشكلات. وأنا شخصيًا أتمنى أن يكون على صواب.
 
 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جولة بين الجبال الجليدية ومشاهدة مناظرها التي قد تغمر العالم جولة بين الجبال الجليدية ومشاهدة مناظرها التي قد تغمر العالم



GMT 16:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 06:17 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية في غرب إفريقيا تجمع بين جمال الطبيعة والثقافة

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:43 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
 العرب اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 12:45 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب تعود بنشاط نسائي مميّز

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان

GMT 01:13 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك

GMT 13:30 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 6 بقصف روسي على زابوريجيا وإسقاط صاروخين و48 مسيرة

GMT 16:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 14:58 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ديوكوفيتش ينسحب من بطولة الماسترز

GMT 21:04 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ليل يتقدم على يوفنتوس بهدف في الشوط الأول

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الريان يحقق أول انتصاراته في دوري أبطال آسيا للنخبة

GMT 21:15 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلان يتقدم على الريال بهدفين في الشوط الأول

GMT 21:00 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

هدفان مبكران في قمة ريال مدريد ضد ميلان في دوري أبطال أوروبا

GMT 12:23 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

طائرات التحالف الدولى تنتهك المجال الجوى فى سوريا 8 مرات

GMT 21:54 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يتقدم ضد ليفركوزن بهدفين في 3 دقائق

GMT 13:26 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي ينسف عشرات القرى اللبنانية

GMT 13:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أمطارا غزيرة وعواصف في ولايات أميركية متأرجحة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab