البوذية والوثنية تلتقيان على أرض بورما
آخر تحديث GMT18:12:45
 العرب اليوم -

عالم الروحانيات والطبيعة والبساطة

البوذية والوثنية تلتقيان على أرض بورما

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - البوذية والوثنية تلتقيان على أرض بورما

منطقة ماندالاي

لندن ـ كاتيا حداد   يقف هذا الجبل الشاهق الذي يصل ارتفاعه إلى ما يزيد على 2400 قدم، والذي يرجع تاريخ تكوينه إلى 250000 سنة في ، التي تمثل القلب الجغرافي لميانمار (بورما)، ليوفر إطلالة نادرة على باقي المكان من أعلى هذا الارتفاع الهائل. ويصعد السائحون من عشاق جمال الطبيعة إلى قمة جبل بوبا على درج مصنوع من الحبال أو من الألواح المعدنية المموجة، حيث يدفعهم تقدير الجمال والسحر الذي تنطوي عليه بورما إلى تسلق 807 درجة حتى يبلغوا القمة.
ولا يقتصر الأمر على السائحين، حيث يحج إلى قمة جبل بوبا الآلاف من القرويين الذين يقطنون القرى المجاورة لماندالاي لزيارة المذبح المقدس أعلى قمة الجبل المقدس، وهو مشهد يتكرر يوميًا كجزء من الطقوس الدينية لغالب سكان هذه البلاد.
البوذية والوثنية تلتقيان على أرض بورما
ويعتقد البورميون أيضًا أن لهذا الجبل فضلاً على حياتهم، وأنه المتصرف في كل أمورهم، ويقدر لهم كل خير أو شر.
ومع أنه من المعروف عن الشعب البورمي أنه شعب يدين بالبوذية، هكذا يصفون أنفسهم، إلا أن هذا الشعب متعلق بالخرافات والمعتقدات الخاطئة التي لا يزال البورميون يؤمنون بها حتى بعد اعتناقهم البوذية، ليسيطر على معتقداتهم الجانب الخرافي من البوذية، فهم يؤمنون بالجنيات اللاتي تتغذّيْن على الزهور، المقامرون المخمورون، والأفاعي، وغير ذلك من المعبودات الخرافية التي يقدسها هذا الشعب.
البوذية والوثنية تلتقيان على أرض بورما
وبينما تعتبر البوذية دينًا غير ملزم لمعتنقيه يعتمد بصفة أساسية على التأمل الذاتي والسعي الشخصي وراء الحقيقة، يعتبر أهل بورما الكائنات الخرافية التي يقدسونها ثلة من الحاقدين الذين في إمكانهم إيذاء من لا يقدسهم، ومع أن مظاهر تقديس تلك المعبودات الخرافية يبدأ في الانحسار إلى حدٍ بعيد، إلا أن الناس لا يزالون يخشونهم في بورما حتى الآن.
وأغرب ما يمكن أن تصادفه في بورما، خاصةً عند الاقتراب من مذبح المعبد أعلى قمة بوبا، هو الاستياء من اللونين الأحمر والأسود، حيث لا بد للسائحين من التخلي عن هذين اللونين أثناء زيارة بورما، وينبغي خلع الأحذية عند زيارة الأماكن المقدسة البوذية وغير البوذية إظهارًا للاحترام والتقديس لتلك الأماكن والمزارات.
يُذكر أنه لا يوجد ما هو أكثر من مدينة باجان الأثرية تجسيدًا للحضارة القديمة في بورما حيث كانت العاصمة الأولى لحضارة الباجان البورمية التي حكمت البلاد، ووصلت إلى أوج مجدها في الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلادي، فهناك في مدينة باجان 4000 هيكل لبوذا، بالإضافة إلى المذابح المقدسة المتناثرة في جميع أنحاء المدينة، التي أُقيمت أعلى هضبة مستوية لا تتجاوز مساحتها بضعة كيلومترات مربعة منذ قرون عدة.
ويعود تأسيس هذا الموقع الأثري الضخم الشاهد على حياة الباجانيين إلى القرن الحادي عشر عندما بدأ الملك أناوراهتا في بناء مملكته في البلاد، حيث يعتبر هذا الملك هو الأب الروحي للأمة البورمية لما قدمه من إنجازات على رأسها نجاحه في إقناع البورميين من رعاياه وتابعيه بضرورة التحول إلى البوذية، مع إمكان الاحتفاظ بعبادة المخلوقات الخرافية.
ولكن للأسف الشديد، تضررت جميع المعابد إلى حدٍ بعيدٍ بسبب العوامل المناخية وعوامل التعرية، بالإضافة إلى ممارسات النهب وزلزال العام 1975 الذي وصلت قواته إلى 8 بمقياس ريختر لقياس قوة الزلازل.
وبدأت الدولة في العام 1995 عمليات تجديد وترميم على نطاقٍ واسعٍ، حتى إنها لجأت إلى تهجير الآلاف من أهالي القرة المجاورة من منازلهم إلى مناطق أخرى، حتى تتمكن من الانتهاء من الترميم.
ومن أبرز المعابد الموجودة في بورما معبد ذاتبيينيو بايا الذي يرتفع إلى أعلى وكأنه رمح ذهبي ينطلق إلى السماء، والكائن جنوب شرقي معبد دامايانجيا المشهور الذي بناه الملك نارتهو، وطلب مواصفات خاصة جدًا في بنائه أدت إلى لجوء القائمون على عملية البناء إلى استخدام الطوب الاصطناعي للمرة الأولى في هذا العصر، لتعذر استخدام الصخور في البناء كما هو معتاد، حيث كانت قمة المعبد ذات أبعاد جعلتها صغيرة الحجم حيث لا يمكن بناؤها إلا بعد صناعة طوب من نوع خاص وقياس خاص لإنجاز تلك المهمة.
ومن أغرب الروايات التي يتناقلها سكان بورما بهذا الشأن أن البناة الذين فشلوا في التوصل إلى حل لبناء المعبد بالتصميم الذي أراده تعرضوا لعقوبة قطع أذرعهم.
وتحظى المدينة بمعبد شيسانداو بايا البوذي الضخم الذي يحمل جميع سمات عصر الملك أناوراهتا ويجسد كل ما تضمنته فنون عمارة هذا العصر، والتي تتجلى في مدينة باجان، حيث تشق ابراج وقباب المعابد البوذية سماء الليل لتنعم بالراحة بعد يوم طويل أضافته إلى تاريخها، ثم تشق الضباب في صباح اليوم التالي لتستقبل يومًا جديدًا.
البوذية والوثنية تلتقيان على أرض بورما
وللاستمتاع بالأفق الفسيح والإطلالة المباشرة على مدينة باجان، يستقل السائحون المنطاد الذي يعمل بالهواء الساخن، والذي يشغله سكان بورما لكسب قوت يومهم، متخذين إياه حرفة تعتمد على السياحة والوافدين من كل مكان في العالم للاستمتاع بالحضارة البورمية العريقة.
وبخلاف تلك النسبة التي تعمل في السياحة من سكان بورما، تعمل الغالبية العظمى من سكان بورما في الزراعة، ويكسبون قوتهم يومًا بيوم، ويعيشون أوضاع اقتصادية صعبة للغاية.
يذكر أن بورما تلك الدولة التي لا تتجاوز مساحتها مساحة ولاية تكساس الأميركية يعيش على أرضها ما يتراوح ما بين 50 و60 مليون نسمة (العدد تقريبي لأن البلاد لم تشهد عملية إحصائية للسكان منذ العام 1915)، وغالب هؤلاء السكان لا يتجاوز متوسط الدخل لديهم 2 دولار رغم ثراء البلاد بالموارد الطبيعية مثل الغاز والنحاس والأحجار الكريمة.
وما زالت هناك قرى في محيط منطقة شان ستايت تعيش في العصور الأولى من دون كهرباء أو مياه شرب نظيفة، مثل قبائل دانو التي يعمل أفرادها في الزراعة، ويعيشون أعلى التلال وسط الكثير من الأقليات العرقية التي تعج بها البلاد.
ومع البساطة الشديدة التي يعيشون بها، تبدو عليهم أمارات الجود والكرم حيث يقدمون الطعام للغرباء، وهي الوجبات التي تتضمن مقرمشات التافو وشوربة الكرنب والشعرية المحمرة وسلطة الكرنب بالبيض.
 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البوذية والوثنية تلتقيان على أرض بورما البوذية والوثنية تلتقيان على أرض بورما



GMT 08:19 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 16:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 06:17 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية في غرب إفريقيا تجمع بين جمال الطبيعة والثقافة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:33 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 العرب اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 العرب اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:21 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى عيد الجهاد!

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 7 جنود إسرائيليين في تفجير مبنى مفخخ جنوب لبنان

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد تكالة يُنتخب رئيساً للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يدرس ضم أرنولد من ليفربول في يناير القادم

GMT 08:02 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الرياض... بيانٌ للناس

GMT 13:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

برشلونة يعلن إصابة أنسو فاتي وغيابه 4 أسابيع

GMT 11:44 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيتنام أيرلاينز" بصدد شراء 50 طائرة في النصف الأول من 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab