فاس- حميد بنعبد الله
أكدّ الأديب والفنان التشكيلي السوري المُقيم في ستوكهولم، يوسف صبري، أنّه آن الأوان، كي يخرج مليارات البشر إلى الشَّوارع وفي الأماكن العامّة وعلى شاشات الفضائيّات ويعلنوا عن رفضهم واستيائهم للحروب الَتي
تتفاقم في الكثير من بقاعِ الدُّنيا، داعيًا أخلاقيو ومناصرو السَّلام الحقيقي في العالم، إلى تأسيس فضائيات ومنابر للسلام، وينشروا ثقافة السَّلام العالمي الحقيقي ضدّ كل مَن يدعو للحرب في العالم، مطالبًا بتأسيس مرحلة جديدة أطلق عليها "مرحلة بناء إنسان مسالم وحكيم وعاقل"، كي نبني مرحلة جديدة تليق بإنسانيّة الإنسان ونسعى إلى تأسيس حضارة جديدة هي حضارة السَّلام والحبِّ والفرح، لا أنّ ينجرف بعض الجُّهلاء نحو بعض المنافع الشَّخصية لهذه الدُّول أو تلك ويصنعوا حروباً على جماجم البشر دون أيّ وازع ضمير.
أوكدّ صبري لـ"العرب اليوم"، "أنّ كلّ الحروب على وجه الدُّنيا، لم تكُن في يومٍ من الأيّام ولا في أيَّة مرحلة من التَّاريخ البشري، لصالح البشر، بل كانت ضدَّ البشر على مدى تاريخ الإنسان الطَّويل على وجه الدُّنيا"، متسائلاً "ما معنى أنّ نُعيد صياغة حروب جديدة وكأنَّنا في منافسة دمويّة في قتل بعضنا بعضاً"، موضحًا "أنا أرى أنّه لا خير في أيِّ توجّه ديني، أو سياسي أو اجتماعي يدعو إلى الحرب والقتل، وأيّ توجّه نحو الحرب والقتل، هو توجّه أحمق وغبي وتافه ولا يصبُّ في مصلحة الإنسان كإنسان"، لهذا "فأيّ تبنِّي لتوجُّهاتٍ حمقاء، هي حماقة ما بعدها حماقة من الَّذي يتبنَّى توجُّهات الحرب والقتل، وبالتَّالي لابدَّ من أنّ يفهم الإنسان على وجه المعمورة، أنّه لا يوجد أيّ دين طبيعي وحضاري وتقدُّمي وإنساني وأخلاقي وإلهي يدعو إلى القتل والحرب والدَّمار، وكلّ مَن يدعو لشنِّ الحروب باسم الدِّين، فالدين والأخلاق منه براء".
وتساءل "متى سيفهم المرءُ أنَّ الحياةَ بمثابة لوحة جميلة تظهر في بسمةِ طفلٍ، في نضارةِ وردةٍ، في وهجِ عشقٍ، في زخّةِ مطرٍ، في نقاوةِ بحرٍ، في تلألؤاتِ نجيماتِ الصَّباحِ، في مصالحةِ الإنسان مع أخيهِ الإنسان، في مصالحةِ الإنسانِ مع جمال البرّ والبحرِ وأجرام السَّماءِ، في وئام البشرِ على مساحاتِ جغرافيّةِ الكونِ؟!"، ويزيد "أيّة كرامة وأيّة عدالة تحقَّقت ونحن نرى أنهار الدِّماء تسير من خلال القتل على الهويّة وعلى الاسم والمذهب ولأتفه وأبسط الأسباب؟"، و"لو نظر أيّ أحمق وأيّ غبي إلى ما نراه سيقول لو كانت نتائج تحقيق الدِّيمقراطيّة والحرّية والعدالة والمساواة بهذا الشَّكل الأحمق ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين، فلا خيرَ في هذه "العدالة والحرّية والكرامة والدِّيمقراطيّة" الَّتي ينشدونها إذا كانت مفروشة ومفصَّلة ومؤدلجة ومفخّخة على جماجم الأطفال وحرق البلاد على رؤوس العباد". ولهذا ومنذ أنّ أمسك فرشاته وفرش ألوانه، بدأت برسم لوحاتٍ تدعو إلى الحبِّ والفرح والسَّلام، وهي دعوة للبشر كلَّ البشر، لتأسيس ثقافة كونيّة جديدة، تدعو إلى ترسيخ مبادئ وعلاقات الفرح والحبِّ والسَّلام بين البشر، رغم أنف صنّاع الحروب ومصمِّمي قاذفات الـ"هاون" وصواريخ عابرة القارَّات وعابرة الغباء الكوني.
واستطرد ولهذا أيضاً "أدعو ليس إلى القضاء ونزع السِّلاح الكيميائي في سورية، بل أدعو إلى تدمير ونزع السِّلاح النّوّوي في إيران وفي إسرائيل أيضاً، وأدعو وبكلِّ شدَّة إلى نزع السِّلاح الكيميائي والذَّري في العالم أجمع"، كما "أدعو إلى القضاء على السِّلاح التَّقليدي بكلِّ أنواعه وإلى نزع وتدمير كلّ أنواع الأسلّحة على وجه الدُّنيا وإغلاق معامل السِّلاح بكلِّ أنواعه التَّقليديّة والكيميائيّة والذَّريّة، وتأسيس أحزاب وهيئات لها تطلُّعات وتوجّهات تدعو إلى خلق حالة وئام وسلام بين البشر رغم أنف دعاة الحرب، وأدعو بدوري إلى إسقاط كلَّ الأنظمة الَّتي لا تستجيب إلى هذه التَّوجُّهات الوئاميّة، وتطرح طرحاً حربيَّاً عنيفاً دموياً وإسقاطها إسقاطًا مُريعاً، طالما تدعو إلى حلِّ أيّة مشكلة صغيرة أو كبيرة من خلال العنف والعنف المضاد والحروب الَّتي تدمّر الأخضر واليابس".
ودعا بني البشر في كلِّ بقاع الدُّنيا للوقوف في وجه الحروب والصِّراعات وإلى الخروج بمسيرات ملياريّة في العالم لإسقاط أيَّة جهة تدعو للحرب مهما كانت أسباب الحرب الَّتي تشنّها وجيهةً أو ضروريةً، لأنَّ الإنسان كائن عاقل وحكيم، وعليه أن يحلَّ مشاكله وصراعاته بالحكمة والعقل وليس بالبارود والرّصاص والسِّلاح والقتل والدَّمار ولا بارك في كلِّ إنسان يرفع سلاحاً على أخيه الإنسان ولا بارك في أيِّ توجُّه سياسي يدعو إلى العنف والقتل والخراب والدَّمار.
ونظراً لأنَّ طموحاته الإبداعيّة وروحانيّته جانحة نحو هذه العوالم الفرحيّة والوئاميّة، فقد أسَّس في اليوم الأوَّل من العام 2013، مجلّة السّلام، تأكيداً منه على أهميّة التَّركيز على السَّلام الخلاق في هذه المرحلة أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، نظراً لتفاقم الأوضاع الشَّرقيّة العربيّة والكونيّة وخلخلةِ علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان وتدهْورِ علاقات البشر مع بعضهم بعضاً وكأنّهم من فصيلة النُّمور والذِّئاب والأسود والحيوانات المفترسة في افتراس بني جلدتهم وجنسهم.
ويجنحُ صبري عبر كتاباته ونصوصه ورسومه نحو قيمِ الخير والمحبّة والسَّلام بين البشر، "لكنِّي أتوقّف مليَّاً عند أحزاني وهمومي وهموم الآخر وأترجمها عبر الكلمة، لأنَّني عبر الكلمة أستطيع أن أكتب عن أيِّ موضوع حتّى ولو كان حزيناً وأليماً، وهنا أنحاز بقوّة إلى جمال القبح عبر النّص، عبر الكتابة، عبر الحرف، لربّما قدراتي في ترجمة هذه المشاعر أكثر عمقاً في الحرف منه في اللَّون".
وأوضح "أرسمُ أعمالي بالسِّكِّين والفرشاة النَّاعمة، بأسلوب شاعري فطري طفولي حُلمي تخيُّلي، وبعدّةِ مدارس فنّية، بعيداً عن التَّقيّد بأساليب معيّنة في عالم الفنِّ، فلا أتوقّف عند مدرسة أو تيّار فنِّي معيَّن، بقدر ما أتوقَّف عند مشاعري العفويّة المتدفِّقة مثل حنين العشَّاق إلى أعماق تجلِّيات الرُّوح، أو مثلَ شلالٍ يتدفّقُ من أعالي الجِّبال، أو كشهقةِ طفلٍ لإشراقة الشَّمسِ في صباحٍ باكر، حيث تتداخل عدّة أساليب في اللَّوحة الواحدة، وغالباً ما تتدفّق هذه الألوان بشكل عفوي حلمي تأمُّلاتي، ثمَّ تتوالد الأفكار وتتطوّر وتتناغم الألوان خلال عمليات الرَّسم، ويتميّز الأسلوب الَّذي أشتغل عليه بالتَّدفُّقاتِ اللَّونيّة وموشور إنسيابيّة الأفكار ضمن إيقاع لوني فيه من الموسيقى والرّقص والفرح والحنين إلى عوالم الطُّفولة والشَّباب والحياة بكلِّ رحابها، وكأنّي أتعانقُ مع تدفُّقاتي الشِّعريّة".
وزاد "أكتب شعراً عبر اللَّون، أجنح كثيراً نحو العفويّة والتّحليقات اللَّونيّة، مستخدماً الرَّمز والتَّجريد والأزاهير وكائنات برّية وأهليّة وأشكال من وحي الخيال والواقع أيضاً، حيث تبدو لوحاتي وكأنّها قصائد شعريّة تمَّ كتابتها عبر اللَّون، ولهذا تبدو اللَّوحة وكأنَّها الجّزء المتمّم للقصيدة، وفي هذا السِّياق قلتُ في إحدى الحوارات التي أُجْرِيَتْ معي "إن الشِّعرَ والرَّسمَ وجهان لعشقٍ واحد هو الإبداع"، لأنّني أرى أنَّ الَّذي لا يعشقُ الشِّعرَ أو الرَّسمَ بعمق، لا يستطيعُ إنجازَ نصٍّ شعريٍّ عميقِ الرُّؤية أو رسمَ لوحةٍ فنّيةٍ غنيّةٍ بمساحاتها وأجوائها اللَّونيّة المنسابة بتجلِّياتِ الإبداع".
وأشار إلى أنّ الرَّسم، ينحازُ إلى هلالاتِ الجَّمال،و لا ينحاز إلى "جمال القبح"، كما يُقال. فالقبح برأيه يظلُّ قبحاً، حتَّى ولو كان بديعاً من حيث الإبداع الفنّي. لأنَّ اللَّوحة عنده هي حالة جماليّة، تمتِّع بصره وتبهجُ آفاق خياله، و"لا أريد أنّ تقترن لوحاتي بالأحزان والهموم والحروب، ولا شكّ أنّ هناك الكثير من اللَّوحات ممكن أن تعكسَ حالات ألميّة وحزنيّة بالغة الأهمية وعميقة الأهداف والتَّطلعات من حيث رموزها وإسقاطاتها الفنّية، كما هو الحال في لوحة بيكاسو الشَّهيرة، الجورنيكا، الَّتي أخذت شهرة عالميّة من خلال ترجمته لحالات الأسى والأنين والخراب والدَّمار للحرب الأسبانيّة الأهليّة الّتي دارت رحاها بكلِّ مراراتها وجنونها آنذاك، ومع كلِّ هذا أنفر من مشاهدة لوني يترجم الدِّماء والحروب والأحزان ومرارات الحياة! لربّما هو نوع من رفض الحرب والانحياز التَّام للسلام والحبّ والفرح، لهذا تحملُ فضاءات لوحاتي رسالة سلام ومحبّة وفرح ووئام بين البشر، انطلاقاً من رؤاي الجَّانحة نحو إحلال السَّلام والوئام والحبّ في وطني الأم سورية، مروراً بوطني الثَّاني السُّويد وانتهاءً بالعالم أجمع"، لأن الفن برأيه "حالات عشقيّة رومانسيّة وئاميّة إنسانيّة راقية، يطفو فوقَ شفير الأحزان وهديرِ الطُّغيان.
أرسل تعليقك