يعتقد معظمنا أن شكسبير إليزابيثي(نسبة للملكة اليزابيث) ، ولكن ذلك مستحيل تقريبا، فمحاولة تخيل أن نهاية "شكسبير واقع في الحب" تأتي مع ظهور سيمون روسل بيل في دور الملك جيمس أكثر من جودي دنش التي أدت دور الملكة اليزابيث، وفقا لصحيفة "جارديان".
ولكن شكسبير كان كاتبا "يعقوبيا" أكثر من كونه إليزابيثيا، ونسي أن ذلك تشويه لمسار حياته المهنية وتقليل لمجموعة مختلفة تماما من التحديّات التي واجهها خلال عقد بعد وفاة اليزابيث في 1603. ومع خلافة ملك اسكتلندا في هذه السنة، أصبح شكسبير ليس فقط الكاتب المسرحي اليعقوبي، ولكن أيضا، كاتب بأمر ملكي، ورجل الملك، وصحبته لدرجة أنه اشتهر بأنه راعي العاهل نفسه. أما في عهد إليزابيث، كان شكسبير وزملائه المسرحيين يقفون أمام المحكمة مرتين أو ثلاث مرات في السنة.
وتغير ذلك مع قدوم الملك جيمس، الذي دعاه للتمثيل 10 مرات أو أكثر سنويا، وطوال فترة تعيينه كرجل الملك أصبح شكسبير أصغر موظف في المحكمة وعريس الغرفة، وصرف لأكثر من 4 ياردات ونصف من القماش الأحمر كسوة ليرتديها عند تأدية عمله الجديدة.
ووفقا لما كتبه جيمس شابيرو أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة كولومبيا، في نيويورك، في الصحيفة، فإنه لم يمض وقت طويل قبل أن يطلب منه الظهور في هذا الدور، وكانت المرة الأولى ربما كجزء من الموكب الملكي عندما زار جيمس عاصمته الجديدة عام 1604، ومرة أخرى في وقت لاحق من ذلك العام عند معاهدة السلام مع إسبانيا، التي تم التفاوض عليها في لندن. وتشير السجلات إلى أن شكسبير وزملائه المسرحيين تم استدعاءهم بعيدا عن مسرح غلوب لمدة 18 يوما لحضور افتتاح السفارة الاسبانية في مدينة "سومرست هاوس". و كانت المكافأة غير متوقعة من المعاهدة هو السماح للكتب الأسبانية بدخول بريطانيا، في الوقت الذي تُقدم فيه مسرحيات شكسبير الانجليزية في أسبانيا
لم تكن مصادر شكسبير فقط، وإنما موضوعاته أيضا، التي أخذت منحى مختلفا بعد 1603. من "هنري السادس" وحتى "هاملت"، والتي تم كشفها في هذه المسرحيات ومنها أزمة التوريث،خصوصا تهديد الحرب الأهلية أو الغزو الأجنبي ، وهو أمر ليس مثيرا للدهشة منذ خشية الإليزابيثيون ومن تبعات وفاة أولاد ملكهم.
وكشف شكسبير في مسرحياته أيضا خلال فترة الستينات طبيعة الإنكليزي، وكل هذا من شأنه أن يتغير مع انضمام ملك اسكتلندا، الذي وصل من ادنبره مع ملكة، وزوج من الأمراء والأميرات، لتهدئة أي مخاوف بشأن خلافته الخاصة. وحتى عندما حاول جيمس (دون نجاح) إقناع اثنين من الممالك باعتبار أنفسهم أمة بريطانية واحدة، فإن اهتمامات شكسبير اليعقوبي تحولت من الإنكليزية إلى الهوية البريطانية في مسرحيات متنوعة مثل الملك لير، ماكبث وسيمبيلن.
فالإليزابيثي شكسبير قسم وقته بين الكتابة المسرحية والتمثيل والتلحين والشعر الغنائي. أما يعقوبي شكسبير فتمسك بكتابة المسرحيات. وبحلول الوقت الذي أصبح فيه رجل الملك، فأيام شكسبير الشاعر، أصبحت من الماضي.
و قبل 1603، من المحتمل جدا أنه قد توقف بجولة في الريف مع شركاءه في المسرح عندما وأغلقت المسارح في لندن خلال تفشي الطاعون. و في الوقت نفسه، ربما قرر الظهور على خشبة المسرح في أنحاء العالم، لأنه لا توجد سجلات بعد هذا له أداء في المسرح العام.
فربما كان شكسبير في هذه المرحلة من حياته المهنية معزولا على نحو متزايد عن الكتاب المسرحيين ، بل العكس هو الصحيح. واحدة من الأشياء الأكثر إثارة للدهشة حول سنوات يعقوبي شكسبير هو الوقت التي تعاون فيه مع الآخرين، ففي هذه السنوات، تعاون مع توماس ميدلتون، و تيمون الأثيني، و جورج ويلكنز،
وفي نهاية أعماله الوظيفي شارك في تأليف ثلاث مسرحيات مع جون فليتشر، الكاتب الشاب الواعد الذي أخلفه ككاتب مسرحي أساسي لرجال الملك، وكتبا معا مسرحية هنري الثامن، وغيرها. وقد أمضى الإليزابيثي شكسبير سنواته فب كتابة المسرحيات من المفترض أن تقام في مدرجات في الهواء الطلق، بما في ذلك المسرح، الستار والكرة الأرضية.
أما شكسبير كيعقوبي فتغير بعد 1608 عام،إذ وجد نفسه في الكتابة العرضية ، فضلا عن تفضيل الجمهور الصغير في مسرح داخلي صغير داخل أسوار البلدة في بلكفريرس. كما غادر أصدقائه إلي مدينة غلوب لأداء مسرحية هناك خلال أشهر الشتاء الباردة .وكان أثر هذا المكان الجديد على ما كتب شكسبير في وقت لاحق عميق.
أشد المآسي قسوة في أعمال شكسبير لم تخل من لحظات تزخر بالهزل المكشوف وهو يصور الحياة التي تنبض في صوت مكتوم على توقيع العواطف والشهوات، والمتناقضات، بلغة تتسم أحيانا بالغرابة، وأحيانا أخرى بالعاطفة، والتي أكسبت أعماله طابع المأساة العالية.
يومكن تقسيم نتاج شكسبير المسرحي إلى ثلاثة أنواع رئيسة هي: المأساة والملهاة والمسرحيات التاريخية، كما كتب عددًا من المسرحيات التي يصعب إدراجها ضمن هذه التصنيفات المألوفة، واعتاد النقاد إطلاق صفة «المسرحية الرومنسية» أو «التراجيكوميدية» عليها.
ومن الممكن، ابتغاءً للسهولة، تقسيم نتاجه إلى أربع مراحل، مع أن تاريخ كتابته للمسرحيات غير معروف بصورة مؤكدة. تمتد المرحلة الأولى من بداياته وحتى عام 1594، والثانية من 1594 ـ 1600، والثالثة من 1600 ـ1608، والأخيرة من 1608 ـ1612.
وهذه التقسيمات تقريبية وضعها مؤرخو المسرح ونقاده لمتابعة تطور حياته الأدبية ضمن إطار واضح. تقع المرحلتان الأولى والثانية ضمن مرحلة المسرح الإليزابيثي Elizabethan Theatre نسبة إلى الملكة إليزابيث الأولى، أما المرحلتان الثالثة والرابعة فتقعان ضمن مرحلة المسرح اليعقوبي نسبة إلى جيمس "يعقوب" الأول ملك إنجلترا الذي تولى العرش في 1603 وتوفي عام1625.
وهناك 3 مراحل لحياة شكسبير الأدبية هي:
المرحلة الأولى التي كان فيها كاتباً مبتدئاً بالمقارنة مع معاصريه من الكتاب مثل جون ليلي J.Lyly ومارلو وتوماس كيد T.Kyd. لم تتسم أعماله في هذه المرحلة بالنضج الأدبي والفني، بل جاءت بنية نصوصه سطحية وغير متقنة، وتركيباته الشعرية متكلفة وخطابية. وانتشرت في هذه الفترة المسرحيات التاريخية، نتيجة الاهتمام الكبير بتاريخ انكلترا، خاصة بعد هزيمة أسطول الأرمادا الإسباني The Spanish Armada عام 1588، ولرغبة الجمهور بتمجيد البطولات والتعلم من عِبَر التاريخ.
وكتب شكسبير في هذه المرحلة مسرحيات عدة تصور الحقبة ما بين 1200 و1550 من تاريخ إنكلترا، وتحديداً الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عائلتي لانكستر Lancaster ويورك York، مثل ثلاثيته «الملك هنري السادس» Henry VI ت(1590 ـ1592)، و«الملك رتشارد الثالث» Richard III ت(1593) التي صور فيها النتائج السلبية لحكم ملك ضعيف. وتغطي هذه المسرحيات الأربع المرحلة الممتدة منذ حكم هنري السادس وحتى هنري السابع وبدء حكم سلالة تيودور Tudor، التي تنتمي الملكة إليزابيث إليها، وتسمى بحقبة حرب الوردتين War of the Roses.
ويشبه أسلوب شكسبير فيها أسلوب مسرح العصور الوسطى، ومسرح الكاتب الروماني سينيكا Seneca ومسرح توماس كيد العنيف، ويظهر هذا في دموية بعض المشاهد في المسرحيات الأربع، ومن خلال اللغة الخطابية الطنانة. وظهرت هذه الخاصية في مأساة «تايتُس اندرونيكوس» Titus Andronicus ت(1594) حيث صور شكسبير الانتقام والقتل بتفاصيل دموية مرئية على الخشبة فجاءت أقل نصوصه صقلاً ونضجاً. ويمزج شكسبير هنا التاريخ والسياسة والشعور الوطني لدى شخصياته التاريخية مع روح الفكاهة في رسمه بعض الشخصيات الدرامية.
أما في المرحلة الثانية، فكتب شكسبير أهم مسرحياته التاريخية في هذه المرحلة، مثل «الملك رتشارد الثاني» Richard II ت(1595)، و«الملك جون» King John ت(1596)، و«الملك هنري الرابع» Henry IV ت(1597) في جزأين، و«الملك هنري الخامس» Henry V ت(1598)، كما كتب نصوصه الكوميدية الأكثر مرحاً وتميزاً، مثل ملهاة «حلم ليلة منتصف الصيف» A Midsummer Night’s Dream ت(1595) و«الليلة الثانية عشرة» Twelfth Night ت(1595) و«جعجعة بلا طحن» Much Ado About Nothing ت(1598) و«على هواك» As You Like It ت(1599)، إضافة إلى «روميو وجولييت» Romeo and Juliet ت(1595)، و«يوليوس قيصر» Julius Caesar ت(1599)، و«تاجر البندقية» The Merchant of Venice ت(1596). ويظهر في هذه المرحلة تطور ملحوظ في أسلوبه الذي صار يميل إلى الخصوصية والتميز.
في حين أن المرحلة الثالثة، فتميزت هذه المرحلة بأفضل ما كتب شكسبير، ولذا سماها بعض النقاد مرحلة النضج الأدبي، إذ كتب أعظم نصوصه التراجيدية وتلك التي تقترب من الكوميديا السوداء.
وتُظِهر مآسي هذه المرحلة عمق الرؤيا عند شكسبير وبراعة الصنعة الدرامية، فقد وظف في هذه المسرحيات أدواته الشعرية بما يناسب النص والعرض المسرحيين فوصل إلى حد الإتقان في الدمج بين العواطف البشرية والفكر الإنساني مع الشعر والمواقف المؤثرة. و كتب شكسبير في هذه المرحلة مأساة «هملت» Hamlet ت(1601) التي تعد أشهر مسرحياته عالمياً، وصور فيها الوضع الإنساني من عظمة وجبروت وضعف في الوقت ذاته.
وعاش شكسبير أعوامه الأخيرة مع أصدقائه، عيشة وادعة منعزلة, كما يتمنّى جميع العقلاء أن يقضوها.. كان لديه من الثروة ما يكفي لاحتياز أملاك تفي بما يحتاج إليه, وبما يرغب فيه، ويقال أنه قضى بعض السنوات, قبل أن توافيه المنية,
فف في مسقط رأسه «ستراتفورد» ويروي «نيكولاس رو» عنه: «إن ظرافته الممتعة، وطيبته قد شغلتاه بالمعارف, وخولتاه مصادقة أعيان المنطقة المجاورة».. لقد مات شكسبير كما عاش، من غير ما يدل كثيراً على انتباه العالم, ولم يشيّعه إلا أسرته وأصدقاؤه المقربون، ولم يُشِد الكتاب المسرحيون الآخرون بذكراه إلا إشادات قليلة، ولم تظهر الاهتمامات الأولى بسيرة شكسبير إلا بعد نصف قرن، ولم يكلّف نفسه أي باحث أو ناقد عناء دراسة شكسبير مع أي من أصدقائه أو معاصريه..
مات شكسبير بعد أن عانى من حُمّى تيفية، وقرع جرس موته في كنيسة «ستراتفورد» في 23 نيسان، في اليوم الذي ولد فيه قبل 53 سنة، وقيل إنه دفن على عمق 17قدماً، وهذه الحفرة تبدو عميقة بالفعل، وقد تكون حُفرت مخافة عدوى التيفوس، ولعل شكسبير هو من كتب على الشاهدة:
أرسل تعليقك