رسام على الخزف في مصنع الزجاج
الخليل ـ امتياز المغربي
تعتبر صناعة الزجاج اليدوية أحد الصناعات التي تميزت بها فلسطين لعقود طويلة، لكن مع دخول المنتجات الصينية في المنافسة، والظروف السياسية التي تمر بها البلاد، وقلة الدعم والاهتمام الذي توليه الحكومة لها، أصبحت هذه الصناعة مهددة بالانقراض والاندثار.
"العرب اليوم" قام بجولة في أشهر مصانع الزجاج في مدينة الخليل، فقال منصور النتشة الذي يعمل في مصنع زجاج وخزف الخليل: "ورثت المهنة أبا عن جد، وبدأت العمل على فرن الزجاج منذ أن كان عمري 4 سنوات، وعندما نقوم بعمل أي قطعة من الزجاج نقدّرها عن طريق العين واليد كمعيار، حيث لا توجد مصانع تعمل آليا، وجميعها يعمل بشكل يدوي، وتضررنا كثيرا من استيراد البضائع الصينية، لكن السائح الاجنبى يفضل العمل اليدوي الفلسطيني لأنه يبحث عن الثراث الفلسطيني فيه".
وأشار منصور إلى أن فرن الزجاج مبني من الطوب ويتحمل درجة حرارة حتى 2000 مئوية، إلا أنه يعمل بدرجة 1400 مئوية، حيث توضع القطع الزجاجية في الكوارة أي فتحة في الفرن بدرجة حرارة 500 مئوية، ولمدة 8 ساعات للتبريد التدريجي.
وأوضح أن الفرن يعمل بزيت السيارات المحروق بعد استخدامه، وأنه "يجب شرب الماء بكثرة حتى لا تجف الدماء في الشرايين، ونقوم بجمع الزجاجات المستعملة وننظفها قبل كسرها وإدخالها إلى الفرن"، مضيفا أن القنصل الأميركي جاء لزيارتهم منذ شهر تقريبا وكذلك دبلوماسيين آسيويين، حيث تنظم البلدية لهم جولات سياحية لزيارة معالم مدينة الخليل.
ونوّه إلى أن اسعار القطع الزجاجية تتراوح بين 5 شيكل وحتى 200 شيكل، وذلك يعود حسب القطعة وحجمها ولونها، مشيرا إلى أنه يتقاضى أجرته على القطعة الواحدة نصف شيكل أو شيكل واحد، حسب كل قطعة يقوم بصناعتها، وبهذا يتقاضى في الشهر من 2000 إلى 2500 شيكل وهناك من يعملون على نظام الساعة.
وفي قسم الخزف داخل المصنع قال ضياء النتشة، وهو أحد العاملين، أن هناك مرحلتين تمر بهما صناعة الزجاج، وهما على شكل قوالب طينية، تبدأ مرحلة البسك حيث يتم تشكيلها داخل دواليب ومكابس خاصة أولا ثم توضع في فرن درجة حرارته ألف مئوية لمدة 24 ساعة، وبعدها تصبح صلبة وهناك نوعان من الطينة، الأولى الطينة البيضاء المستوردة من إسبانيا وإيطاليا، والثانية هي الحمراء الفلسطينية".
وأضاف: "نقوم بعمل رسومات إسلامية وأخرى تتعلق بتراث فلسطين، وثالثة مستوحاة من الخارج، وبعد التلوين تبدأ مرحلة الجليز، وهي بودرة من نوع معين مخلوطة بالماء، يتم غمسها في زجاج سائل قبل أن نضعها مرة أخرى في الفرن في درجة ألف مئوية لمدة 24 ساعة وتصبح بعدها القطعة جاهزة للاستخدام، والألوان التي نستخدمها صحية خالية من الرصاص، وعند التصدير يشترط خلوها من الرصاص، وأعمل منذ عشر سنوات هنا مع عائلتي".
واشار إلى أن القطع مكلفة لأن العمل كله يدوي، فالقطعة الواحدة تمر على 15 شخصا تقريبا للعمل فيها وعلى عدة مراحل، لكن الأجانب يعشقون الشغل اليدوي، فالقطع الصينية موجود منها بالآلاف وتشبه بعضها البعض.
وأكد أن عدد المصانع في الخليل من 3 إلى 4 مصانع، وأنه يعمل من 8 إلى 10 ساعات يوميا، وأن أهل البلد يفضلون الطينة الحمراء، والأجانب يفضلون البيضاء، كما أنهم يعملون رسومات لكنيسة المهد، والحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى، وقبة الصخرة.
وأوضح ضياء النتشة، أن تصميم رسم القطعة الواحدة باللون الأسود قبل التلوين يستغرق من 3 إلى 4 ساعات، ثم نقوم بالتلوين ساعتين ونصف تقريبا ونعمل عدة أشكال منها البيضاوي والمسطح والكاسات، مشيرا إلى أنه قديما كان يستغرق تنفيذ الرسم يومين أو ثلاثة أما الآن ينفذ الرسم على الكمبيوتر في دقائق حسب التكنولوجيا الجديدة.
أما محمد النتشة، والذي يعمل أيضا في مصنع الزجاج والخزف، فقال: "أعمل منذ 12 عاما في هذه المهنة، وما استخدمه في عملي اليومي هو فرن غاز يعمل في درجة حرارة 1040 درجة مئوية، أما الكهرباء فتكون بمقدار 1000 درجة بعد الرسم، وهي مرحلة الجليز.
وأضاف: "نحن نصمم القوالب بأشكال معينة بالإضافة إلى أننا صممنا الأفران في المصنع بأنفسنا وبنفس جودة المستورد، لأن فرن الغاز في بريطانيا يصل ثمنه إلى 80 ألف دولار".
من جهته قال مدير المصنع حمدي النتشة، الذي يعمل أحد أولاده في المهنة، وفي الزجاج تحديدا: "أعمل في هذه المهنة منذ 43 عامًا وهي مهنة متوارثة عن الأباء والاجداد، ولا يوجد تاريخ محدد لهذه المهنة، لكن بالنسبة لنا بدأنا المهنة في العائلة منذ 150 عاما.
وأضاف: "كل قطعة تصنع بطريقة يدوية وفنية، والمصنع الحالي أقيم منذ عام 1976، لكن قبل هذا المكان كنا نعمل في البلدة القديمة في الخليل وتحديدا في حارة القزازين"، مشيرا إلى أن الخليل مرت بظروف سياسية سيئة، وصناعة الزجاج والخزف تعتمد بالدرجة الأولى على السياحة، وقبل الانتفاضة الأولى كان هناك حوالى خمسة مصانع، ولكن نتيجة الظروف وقلة السياحة أصبح هناك مصنعان فقط يعملان بنفخ الزجاج يدويا.
وذكر أن أكبر مشكلة تعاني منها صناعة الزجاج والخزف في فلسطين، هي عزوف الشباب عن تعلم هذه الصنعة مما يهددها بالانقراض، بالإضافة إلى قلة السياحة وعدم قدوم السائحين، كما أنه لا يوجد أي دعم من السلطة لهذه الصناعة.
وقال: "هناك من 10 إلى 15 عاملا في المصنع يعملون في الزجاج والخزف، ونحن بحاجة إلى 150 عاملا، لكن الظروف الاقتصادية لا تسمح بذلك، ونتمنى أن يكون هناك دعم من الحكومة وهذا الدعم يتمثل على الأقل بتخفيف الضرائب والجمارك.
وأضاف: "يتبع المصنع الطريقة القديمة التقليدية حتى اليوم، والمستوى المعيشي منخفض لأهل الضفة الغربية، ولذلك لا نعتمد عليهم كقوة شرائية ونعتمد على التصدير، فنصدر إلى أميركا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا بكميات معقولة".
واختتم قائلا: المردود الاقتصادى جيد جدا لو هناك سياحة، وهناك منافسة ولكن صناعتنا مميزة ولذلك ظللنا صامدين رغم عدم حماية الصناعة عن طريق السماح باستيراد الخزف الصيني، لكن أسعارنا لا تقبل المنافسة، ونحافظ على التراث والبيئة، حيث نعمل على إعادة تدوير الزجاج، ونستعمل النار من زيت السيارات المستعمل بدلا من أن يلوث البيئة".
أرسل تعليقك