في وقت يحارب فيه القادة الأوروبيون من أجل التقشف، ويستعد الكونغرس الأميركي لمعركة أخرى على الميزانية، فإن المشاكل هذه لا توجد في المملكة العربية السعودية. فالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز منح مليارات من الدولارات لكل المواطنين السعوديين بموجب مرسوم ملكي. لذلك ليس من المستغرب أنَّ السعوديين سعداء جدًا بملكهم الجديد، الملك سلمان.
وصرح المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط لمجموعة "أشمور" (Ashmore Group)، "جون سفاكياناكيس"، وفق مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنَّه "وقت الفرح للمملكة العربية السعودية"، مقدرًا أنَّ تكلفة هبات الملك ما بعد التتويج ستصل إلى أكثر من 32 مليار دولار. وهو مبلغ كبير جدًا، إذ أنه وعلى سبيل المثال، يفوق الميزانية السنوية لنيجيريا، التي لديها أكبر اقتصاد في أفريقيا.
منذ أن اعتلى الملك سلمان العرش في كانون الثاني/ يناير الماضي، بدأ بممارسة مهام الحكم بسهولة، وقام بإلغاء هيئات حكومية وغيّر الوزراء، لكن أيًا منها لم يحدث ضجة كما أحدثت الهبات الملكية الضخمة التي أمر بها الملك لغالبية الشعب السعودي.
وشملت هذه المنح الجمعيات المهنية والأدبية والنوادي الرياضية، الاستثمارات في المياه والكهرباء، ومكافآت بقيمة شهرين من الراتب لجميع الموظفين الحكوميين والجنود والمتقاعدين والطلاب الذين يدرسون من خلال المنح الحكومية في المملكة أو ضمن الابتعاث إلى الخارج. كما أقدمت بعض الشركات الخاصة على صرف نفس العلاوات، واضعة المليارات من الدولارات في جيوب الناس.
وسيصرف بعض الإنفاق الحكومي على مدى سنوات، ولكن معظمه سيكون في السوق السعودي هذا الشهر، بما في ذلك المكافآت. وأضح "سفاكياناكيس"، أن نحو ثلاثة ملايين من قوة العمل البالغة 5.5 مليون شخص في السعودية يعملون لدى الحكومة.
وتشير الصحيفة إلى أن السعوديين بدأو يصرفون مكافأتهم، فبعضهم أنفق المال على الهواتف المحمولة الجديدة، وحقائب اليد والرحلات للخارج، والبعض سدد ديونه، وتبرع للأعمال الخيرية واشترى قلائد ذهبية لأمهه، بينما وفّر بعض الرجال بعض المال ليتزوج من الزوجة الأولى أو الثانية أو الثالثة، وعبر آخر عن سروره بأن أمطر رضيعه بالمال.
وأوضح صاحب محل لإمدادات التخييم في بريدة شمال الرياض، عبدالرحمن السانديني، أنَّ أول شيء هو التحقق من المخازن، إذ يتوقع قفزة في المبيعات بنسبة 30%.
لطالما استخدم حكام السعودية الثروة التي تأتي من كون المملكة أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم لللسخاء على الشعب، والكثير من السعوديين اعتبر السخاء الملكي جزءًا من العقد الاجتماعي الذي يشبه القرابة العائلية بين الحكام والمواطنين المخلصين.
ولكن الإنفاق الجديد يأتي في ظل تغيير بالنسبة للمملكة، فالملك سلمان اعتلى العرش بعد وفاة الملك عبدالله وإعلان المكافآت يأتي بمثابة حسن نية لشعبه.
وووفق محلل البحوث في شركة جدوى للاستثمار، راكان الشيخ، فإن عائدات المملكة من النفط ستنخفض بنحو 20% بسبب أنَّ حوالي 90% من دخل الحكومة يأتي من النفط، وهي ستتأثر بانخفاض الأسعار العالمية.
وأضاف أنَّ شركته تتوقع أن تعاني الحكومة من عجز يبلغ 44.5 مليار دولار عام 2015، وأن الإنفاق الجديد يمكن أن يزيد هذا العجز إلى 67.2 مليار دولار، أي 9% من الناتج المحلي الإجمالي.
إلا أنَّ تلك المخاوف تبدو بعيدة عن الشارع في العاصمة السعودية، حيث تكاليف الغاز تبلغ 45 سنتًا للغالون بسبب الدعم الحكومي الضخم واعتياد الناس على سخاء الحكومة مقابل ولاء العامة.
يبلغ متوسط رواتب موظفي الحكومة حوالي 2400 دولار في الشهر، مع بعض البدلات الإضافية مثل النقل، والسكن، والعمل الإضافي و بدل عن شهر رمضان المبارك.
وتُعد رواتب الطلاب أقل، في حين أن الموظفين ذوى سنوات طويلة من الخدمة يمكن أن يكسبوا 4800 دولارًا أو أكثر شهريًا.
وعندما وصلت المكافآت، فكر السعوديين في أوجه إنفاق الأموال، إذ أوضح كثيرون أنَّ رواتب موظفي الحكومة لم تواكب ارتفاع الأسعار، وبالتالي فإنَّ المكافأت ساعدت على سد العجز. وأشار آخرون إلى أنَّ تقليد التوزيع الأبوي سيمتد لمنازلهم، إذ يتوقع الأطفال والزوجات المكافآت.
وبيَّن مستشار وزير الداخلية، عبدالرحمن الحادلاق، أنَّه يود أن يستثمر مكافأته، ولكنه يظن أنَّه سيواجه ضغوط عائلية ستقضي على الزيادة، على الرغم من أنَّ زوجته الأستاذة الجامعية ستحصل على مكافئتها، كما سيحصل ثلاثة من أطفاله التسعة على مكافأت مماثلة.
وبسبب تلك الهبة الملكية تحدث العديد من السعوديين عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن فرحتهم، شاكرين الملك مع إصدار هاشتاغ (#اثنين_مرتب #two_salaries ) باللغة العربية ونشر النكات، وأظهرت صورة سماء زرقاء مليئة بالطائرات مع تعليق "المطارات السعودية بعد رواتب الاثنين".
كما أظهر مقطع كوميدي مصور، الموظفين يهتفون والنساء يولولن ورجل أشيب الشعر يرقص بعد إعلان المكافآت، وانتهى بالتذكير بأنَّه يجب ألا تُنسى الأمهات اللاتي قدمن أشياء لا يمكن تقييمها.
هذه الهدايا الملكية لا تزال غير مسبوقة، إذ أعلن الملك عبدالله زيادة 15% في رواتب موظفي الحكومة بعد تتويجه في العام 2005، وأصدر مكافأة راتب شهر واحد في العام 2011 بعد عودته من العلاج في الخارج.
وأوضح الاقتصادي السعودي، عبدالله العلمي: "نحن مجتمع الرفاهية، وبالتالي فإنَّ السكان يعتمدون كثيرا على الدعم الحكومي، بشكل مباشر وغير مباشر"، مضيفًا: "ولكننا سنواجه نفاد النفط، وأنا لا أعتقد أنَّه من الحكمة أن يكون الشعب السعودي مدلل ومدعوم".
ومع ذلك، إلا أنَّ وجود أكثر من 700 مليار دولار كاحتياطيات أجنبية، لا يجعل الحكومة السعودية تواجه أزمة فورية. والأهم هو رعاية الحكومة خارج المدن، حيث فرص العمل للسعوديين غير الحكوميين شحيحة.
وفي قرية البطين شمال الرياض، سأل الأمير متعب بن فهد بن فرحان آل سعود، الذي يعيش في تلك القرية، وطلب من رجاله أن يسألوا الأهالي إذا كانوا قد استلموا مكافأة الشهرين، فقام كلهم برفع أيديهم.
وأضاف أحد الزوار محمد السهلي "الآن نحن نطالب أن يسقط الملك جميع الديون على المواطنين" موضحًا أنَّ المكافأة ستساعده على الزواج من زوجة ثالثة.
على مر السنين، غيرت أموال الحكومة القرية، فبينما عمل سكانها في تربية الحيوانات في الغالب، وصلت الكهرباء وخدمات الهاتف في الثمانينات من القرن الماضي.
وأصبح هناك تغطية انترنت 4G قوية طوال الوقت في كل منزل، كما توفر الأتوبيسات رحلات مجانية للطالبات طوال أيام الأسبوع للجامعة في المدينة، حسب ما قاله الأمير متعب.
وأثناء قيادته لسيارته الرياضية عبر المدينة، أشار الأمير متعب إلى عمال البناء يعبدون الطرق والميادين تصطف على جانبيها الأشجار ومنطقة للمشاة مع مجموعات من المراجيح و الجداول.
وسط المدينة توجد بعض المكاتب الرئيسية في القرية: المكتب المحلي لأمير منطقة القصيم، ولجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تراقب الأخلاق العامة؛ ومحطة الإطفاء الجديدة الشاهقة مع محركات جديدة لامعة.
وأكد رئيس مكتب الحكومة المحلية الذي قال انه وزع مكافأته على زوجته وأولاده عبدالله السهلي أن "الحكومة تتعامل معنا بشكل جيد جدا هنا"، مشيرًا إلى أن ابنه متعب 6 سنوات، لديه بالفعل اثنين أي باد، حتى أنه أنفق المال على سيارة جيب جديدة.
"ليس لدينا ما نشكو منه" هكذا ختم السيد السهلي حديثه.
أرسل تعليقك