نيويورك ـ العرب اليوم
يبدو الربع الأخير من سنة ٢٠٢١ مفصلياً للعراق، على وقع استحقاقات داخلية وخارجية تضع الحكومة والقوى السياسية أمام اختبار "الدولة"، بدءاً من انتخابات العاشر من تشرين الأول وصولاً إلى الانسحاب الكامل للقوات القتالية الأميركية في نهاية السنة، بموجب الاتفاق الأميركي – العراقي المعلن عقب الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين الطرفين، وبعد محادثات الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض في ٢٦ تموز/يوليو.
وجاء "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة" الذي عقد في العاصمة العراقية في ٢٨ آب/ أغسطس بمشاركة تسع دول عربية وأجنبية ومنظمات إقليمية ودولية، ليضع العراق أمام تحدّ جديد في شأن قدرته على تحقيق خرق جوهري في التوترات الإقليمية ولا سيما بين جاريه الخصمين السعودية وإيران، بعدما نجح في جمعهما إلى طاولة حوار شهدت حتى الآن أربع جولات.
وعلى وقع الدفعة المعنوية التي منحها المؤتمر للدور الإقليمي للعراق بعد أعوام من غرقه في مشاكله الداخلية – التي لا تزال قائمة – كرّر الوفد العراقي إلى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك برئاسة الرئيس برهم صالح موقفه الداعي إلى حلّ أزمات المنطقة عبر الحوار، رافعاً شعار "التوازن" في تحديد سياسته الخارجية ولا سيما حيال دول الجوار.
إلى أي مدى يمكن العراق أن يذهب في مساعيه الإقليمية في ظل عقبات داخلية وخارجية عديدة؟ وأي مخاوف يثيرها انسحاب القوات القتالية الأميركية من احتمال أن يدفع العراق ثمن صراع جديد على ملء الفراغ الذي يمكن أن يحدثه ذلك الانسحاب؟
"النهار" حاورت وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقر إقامته في أحد فنادق نيويورك، حيث بدا مزهواً بما حققه مؤتمر بغداد قبل ثلاثة أسابيع، إضافة إلى اجتماع المتابعة الذي عقد في مقر البعثة العراقية في نيويورك الثلاثاء الماضي بحضور وزيري الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان والإيراني حسين أمير عبد اللهيان والمندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله المعلمي، إلى وزراء خارجية وممثلين عن دول وأطراف أخرى.
مؤتمر بغداد: خروق جدّية أم ترطيب أجواء؟
هل ثمة جدية لتحقيق تقدّم فعلي لإنهاء التوترات ولا سيما بين السعودية وإيران، أم أن مؤتمر بغداد وقبله الحوارات بين الطرفين مجرد خطوات لترطيب الأجواء دون تحقيق خروق جدية؟ يجيب حسين بأنّ "ثمة جدية بالتأكيد. ومجرّد الانتقال من حال التوتر والصراع إلى حال اللقاء والحوار والتواصل هو مسألة جدية. والآن انتهت الجولة الرابعة من جولات الحوار السعودي – الإيراني في بغداد". ويلفت إلى أن جهود بغداد لا تقتصر على العلاقات السعودية – الإيرانية: "ثمة جدية كذلك في التواصل بين دول عربية أخرى وكلّ من تركيا وإيران. العراق أدّى هذا الدور وجمع الجميع إلى مائدة واحدة، وهذا لمصلحته ومصلحة المنطقة"، في إشارة إلى الجهود للتقريب بين مصر وتركيا، وكذلك بين أطراف الأزمة الخليجية.
لكن هل العراق مجرد وسيط أم أنه شريك يطرح أفكاراً على طرفي الحوار السعودي – الإيراني؟ يقول رئيس الديبلوماسية العراقية بإصرار إن "العراق هو صاحب الأفكار والمبادرات الأساسية ويؤدي دوراً محورياً في هذا المجال لبناء العلاقات وتخفيف التوتر". وعمّا إذا كان العراق يقوم بذلك كخطوة دفاعية درءاً لتداعيات الخلافات الإقليمية عليه أم كخطوة "هجومية" لإعلان تحوّله من ساحة صراع إلى لاعب مؤثر، يجيب فؤاد حسين: "نحن في موقع تفاعلي، ولا أخفيك سراً أن جزءاً كبيراً من الصراعات الداخلية العراقية له علاقة بالصراعات الإقليمية، لذا لإدارة الصراع في الداخل نحتاج إلى إدارة الصراع على الحدود. من هذا المنطلق بدأنا نبادر ونطرح أفكاراً. المنطلق عراقي ولكن الهدف هو المحيط الإقليمي. كلّما حلّ الهدوء على الحدود يحصل الهدوء في الداخل، وشهدنا حين تعرّض العراق إلى هجوم الإرهابيين وسيطر "داعش" على ثلثي الأراضي العراقية (في ٢٠١٤)، أن النار في العراق وصلت إلى المحيط الإقليمي وإلى دول وعواصم أوروبية، باريس وبلجيكا ولندن وألمانيا... الأمن في العراق مرتبط بالأمن في المحيط الإقليمي والعالم ولا سيما أوروبا".
"إرجاع عملية اتخاذ القرار إلى بغداد"
لكنّ باحثين وخبراء يحذّرون من الإفراط في تصوّر دور إقليمي فاعل للعراق في ظل انقساماته الداخلية والتأثيرات الخارجية، إذ يرون أن إيران تسعى إلى ملء أي فراغ محتمل يخلّفه الانسحاب الأميركي، يضاف إلى نفوذها الحالي الواسع وتأثيرها في القرار العراقي، في مقابل أن تكثيفَ دول عربية حضورها في العراق يهدف بشكل رئيسي، وفق تصوّرها، إلى "استعادته إلى عمقه العربي" و"فك ارتباطه" بإيران. يعلّق وزير الخارجية العراقي على ذلك بمزيج من الطموح والإقرار بالواقع: "السياسة العراقية يحددها العراقيون. في أي اتجاه نتحرك هذه مسألة عراقية وصناعة عراقية. جزء مما نقوم به في إيجاد حالة توازن في العلاقات بين الدول المحيطة هو إرجاع عملية اتخاذ القرار إلى بغداد. صُنْع القرار العراقي يجب أن يكون في بغداد. خرق السيادة ليس فقط حين تهاجم دولة معينة الأراضي العراقية، بل الخرق الخطير للسيادة هو خطف القرار العراقي. حماية عملية صنع القرار هي الأساس لبناء السيادة العراقية الكاملة".
وهل يقرّ بتعرّض القرار السيادي العراقي حالياً إلى ضغوط؟ يجيب: "نعم يتعرّض... في السياسة أتعامل مع الواقع لا مع الخيال. حين نتحدث عن إيجاد حالة التوازن ومبادئ عدم التدخل والالتزام بالقانون الدولي فهذا معناه أننا نسعى إلى سحب القرار العراقي كاملاً إلى بغداد. وهذا يعني أن ثمة فجوات في القرار العراقي، هذا صحيح. لكننا نتقدم بسرعة في الاتجاه الصحيح من خلال هذه الفعاليات والطروحات الصريحة وبناء القوة الداخلية وإدارة الصراع داخلياً وإقليمياً".
وهل تزعج هذه التحركات العراقية أحداً حتى لو كان من الأطراف المشاركة فيها؟ "لا أشعر أنها تزعج أحداً"، يقول حسين. إيران والسعودية مرتاحتان إلى هذا الدور العراقي؟ يعلّق: "ربما هم غير مرتاحين لأسباب أخرى، لكن الجميع يشعرون بأن الاستقرار في العراق يجب أن يكون قائماً لأنه يؤدي إلى الاستقرار في بلدانهم".
الانسحاب الأميركي و"هدنة" الفصائل: أي ضمانات؟
في ٢٦ تموز/ يوليو الماضي أعلن بايدن عقب استقباله الكاظمي في البيت الأبيض "انتهاء المهمة القتالية" للقوات الأميركية في العراق، على أن تتحوّل المهمّات إلى استشارية وتدريبية، لكنّ الأسئلة لا تزال مطروحة حيال دور الفصائل المسلحة رغم إعلان مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي استمرار سريان "هدنة" تلتزم الفصائل بموجبها عدم استهداف السفارة الأميركية في بغداد إلى حين إنجاز الانسحاب، وفي ظل استمرار إطلاق صواريخ في اتجاه القنصلية في أربيل وقاعدة عين الأسد.
قبل أسبوعين أعلنت قيادة العمليات المشتركة في العراق عن اتفاق أمني بين بغداد وواشنطن يقضي بتقليص القوات القتالية في أربيل وعين الأسد بنهاية أيلول، لكن البنتاغون أعلن أن المحادثات التقنية مستمرة مع الجانب العراقي ويجب عدم استباق النتائج، في حين أوضحت قوات التحالف أن العملية مرتبطة بإبدال الوحدات العسكرية الموجودة بأخرى تتولى مهمات الدعم والمساندة للقوات العراقية، لافتة في بيان إلى أن المعركة ضدّ "داعش" لم تكتمل بعد وأن قوات الأمن العراقية هي من بات يقود القتال فيما تقتصر مهمة قوات التحالف على المشورة دون الانخراط في المعارك الميدانية.
لكن هل "الهدنة" ضمانة كافية لعدم استهداف الفصائل للقوات الأميركية حتى إنجاز الانسحاب؟ يقول وزير الخارجية العراقي في حديثه إلى "النهار" إن "أي استهداف لأحد في العراق غير مقبول، لأن الحكومة العراقية هي المسؤولة عن الحوار مع الجانب الأميركي، والحوار عن طريق السلاح مع أي جانب آخر غير ممكن وخصوصاً في الداخل العراقي. نحن ندين أي هجوم على أي دولة من الأراضي العراقية فكيف نقبل بهجمات من داخل العراق على الداخل العراقي؟ هذا غير مقبول"، ويستدرك: "لكن الحوارات مستمرة مع مختلف الأطراف لتهدئة الأمور". وماذا عن الهدنة؟ "الهدنة بين الحكومة ومن؟ الحكومة هي المسؤولة. لكن بعض الفصائل أعلنت هدنة الآن بمفهوم عدم الهجوم على المواقع الأميركية إلى حين تطبيق الاتفاق بين الجانبين العراقي والأميركي"، مؤكداً أن الأمور المتعلقة بإجراءات الانسحاب تسير في الاتجاه الصحيح المتفق عليه في الجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي.
وعن تأثير دور الفصائل على المحادثات العراقية مع أطراف عربية في شأن الدور الإيراني يقول: "نحن ننطلق من المنظور العراقي ومفاده أن من واجب الحكومة التعامل مع القوى السياسية الموجودة في الساحة العراقية كلها بما فيها المخالفة لموقف الحكومة، وهذا طبيعي. لكن أن ينقلب الموقف السياسي إلى عنف فهذا غير مقبول".
يعزّز العراق تفاهماته الإقليمية في سياق التعاون الثلاثي الذي يجمعه بمصر والأردن، وقد جمعت زعماء الدول الثلاث قمم عدة لتمتين ما يشبه التحالف الوسطي بين محورَي النزاع الإقليمي، السعودية وإيران. ويشمل التعاون الثلاثي العراقي – المصري – الأردني مجالات أمنية واقتصادية إضافة إلى التنسيق في المواقف السياسية، وفق حسين.
الصراع على ملء الفراغ بعد الانسحاب
لكن هل ثمة مخاوف من صراع بين قوى إقليمية أو دولية على ملء الفراغ الأميركي في العراق بعد الانسحاب؟ يجيب: "الفراغ سيملأه الشعب العراقي والقوات المسلحة والقوى المساندة لها. لا أتصور أن يحصل فراغ أمني. صحيح أن الإرهابيين لا يزالون موجودين في العراق لكن لا يمكن مقارنة التنظيمات الإرهابية الآن بالأعوام السابقة، ولا تزال لدينا علاقات واسعة مع التحالف الدولي ضدّ الإرهاب".
أقلقتكم التجربة الأفغانية وأنتم تفكرون في مرحلة ما بعد الانسحاب؟ "نحن قلقون حيال الوضع في أفغانستان وعلى الشعب الأفغاني، بعدما تعرّض لهجمات وحروب وقتال داخلي وخارجي"، يقول حسين. ويضيف: "ما حدث في أفغانستان يؤثر على المحيط الإقليمي. يجب ألا ننسى أن الإرهابيين و"الأفغان العرب" كانوا في أفغانستان، والكثير من هؤلاء عادوا إلى بلدانهم، ومن ضمنها العراق، وقادوا التنظيمات الإرهابية. أفغانستان كرمزية تؤثر على الوضع السياسي والأمني في مختلف البلدان وفي هذا السياق صارت إلهاماً للتنظيمات الإرهابية، فأكثرية قادة "القاعدة" و"داعش" تدرّبوا في أفغانستان".
تنامي الدور الفرنسي
يؤدي وزير الخارجية الفرنسي دوراً بارزاً في مساعدة الديبلوماسية العراقية لترتيب اللقاءات ذات الحضور الدولي البارز، وفق ما كشف لـ"النهار" مسؤول عراقي في نيويورك. وكان لودريان أول المسؤولين الكبار الذين وصلوا إلى اجتماع المتابعة لمؤتمر بغداد عصر الثلاثاء الماضي في قاعة صغيرة في الطابق الثاني من مبنى تملكه البعثة العراقية الدائمة لدى الأمم المتحدة في منطقة راقية في نيويورك، وهو مقر إقامة السفير محمد حسين بحر العلوم. وصل لودريان قبل عشر دقائق من موعد الرابعة مساءً، وتأخر نظيره الإيراني عبد اللهيان نحو ربع ساعة وكذلك وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الذي كان آخر الواصلين وآخر المغادرين. الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط غادر بعد منتصف الاجتماع الذي استمر ساعة واحدة.
الاجتماع دعت إليه باريس وبغداد، وجلس لودريان إلى يمين فؤاد حسين وعبد اللهيان إلى يساره. يربط خبراء الحرص الفرنسي على تعزيز النفوذ في العراق بمسائل عديدة، أبرزها المكاسب الاقتصادية ولا سيما بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للعراق، وإعلانه من الموصل أن القوات الفرنسية باقية لدعم العراق في معركته ضدّ الإرهاب "بصرف النظر عن الخيارات التي يتخذها الأميركيون".
لا يُستبعد في هذا السياق أن تكون الفترة الحالية فرصة ذهبية لفرنسا لتحصيل أكبر قدر من المكاسب والنفوذ في العراق من دون معوّقات أميركية، كون إدارة بايدن حريصة على تهدئة الغضب الفرنسي من مسألة الغواصات التي ألحقت ضرراً هائلاً بالعلاقات الثنائية، ودون معوّقات إيرانية، كون باريس تظهر جانباً متمايزاً عن واشنطن في شأن الملف النووي الإيراني ومصير الاتفاق الذي وقّعته مع إيران إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وانسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. وحتى قبل الأزمة كانت بوادر المكاسب الفرنسية من تعزيز الجهود في العراق بدأت تظهر، إذ وقّعت بغداد في ٥ أيلول، بعد أسبوع من زيارة ماكرون، "أكبر استثمار لشركة غربية في العراق" وفق تعبير وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار إسماعيل، متحدثاً عن عقد مع مجموعة "توتال" الفرنسية للاستثمار في مجالات الغاز والنفط واستغلال الطاقة الشمسية بقيمة ١٠ مليارات دولار تليها دفعة ثانية بقيمة ١٧ مليار دولار، واكتفت الشركة بذكر مبلغ الـ ١٠ مليارات دون سواه.
هل هذا الحضور الفرنسي القوي جزء من استراتيجية لملء جانب أساسي من الفراغ المحتمل بعد الانسحاب الأميركي؟
مع كل ما ورد ما أعلاه من حضور فرنسي بارز ومختلف في العراق، سياسياً واقتصادياً وفي إطار التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، لا يحبّذ وزير الخارجية العراقي الحديث عن موقع متمايز للسياسة الفرنسية في بلاده. يقول حسين: "لدينا علاقات جيدة مع الدول الأوروبية القوية سواء بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا، وبصورة عامة علاقاتنا قوية مع الاتحاد الأوروبي. نحن لا نتحدث عن تنامي الوجود الفرنسي بل عن العلاقات القوية بين العراق ودول الاتحاد الأوروبي، وطبعاً فرنسا تؤدي دوراً مهماً فيه وخصوصاً بعد خروج بريطانيا منه. فرنسا دولة مهمة ونرحّب بدورها وبالدور البريطاني والدور الألماني كذلك. نعوّل في علاقاتنا الخارجية على التوازن".
"مرجعية واحدة" ؟
يترقّب العالم ما ستكون عليه سياسة الإدارة الإيرانية الجديدة حيال قضايا عديدة أبرزها الملف النووي. لكن في العراق المترقّبون كثر، من قوى في السلطة وخارجها، إلى أحزاب وفصائل وقوى سياسية، لما قد يحدثه أي تغيير إيراني جذري في ميزان القوى الداخلية العراقية، ولا سيما في الانتخابات والاستحقاقات الرئاسية والحكومية التي تليها.
عقب تسلّم الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي مهمّاته، ذكرت مصادر عراقية أن مسؤولين عراقيين سمعوا في طهران أن "سياسة رئيسي" وحدها ستتعامل مع الملف العراقي من دون تداخلات ونفوذ لقوى إيرانية أخرى، وبالتالي لن يكون للملف العراقي في طهران سوى مرجعية واحدة. وزير الخارجية العراقي يتجنّب في حديثه لـ"النهار" التطرق إلى "صراع الأجنحة" الإيراني على الساحة العراقية في أعوام خلت، ولا يؤكد ما إذا كان سمع في زياراته الأخيرة لطهران مع رئيس الجمهورية ثم مع رئيس الحكومة ذلك الاتجاه لحصر الملف العراقي بمرجعية وحيدة في طهران. يقول: "الإدارة الجديدة في إيران تطرح أفكارها ونحن نتفاعل مع هذه الأفكار، وسوف نرى. ما نلمسه من الإدارة الإيرانية الجديدة أنهم يطرحون أفكاراً جدية ويتعاملون مع الجانب العراقي بصورة جدية ويصرّحون أنهم مع استقلالية القرار العراقي ومع سيادة العراق. ما نحتاجه كعراقيين وما نقوله للجميع: يجب التعامل مع العراق كدولة. نحن لسنا حديقة خلفية لأي دولة".
لكن ثمة من يرى أن هذا ما ترغبون به فيما الواقع مغاير. يجيب حسين: "نعمل من أجل ذلك وخطواتنا واضحة، ونلمس تقدماً في هذا الاتجاه كل يوم. اجتماع مؤتمر بغداد دليل على ذلك وخطوة مهمة. الجميع في بغداد من القوى المتناقضة أو المتصارعة يؤكدون أنه من المهم التعامل مع العراق كدولة ذات سيادة في يدها صنع القرار واتخاذه".
ويؤكد تعليقاً على تهديدات مسؤول إيراني باستهداف جماعات معارضة لإيران على الأراضي العراقية أن بغداد "ترفض تماماً استخدام الأراضي العراقية للهجوم على أي دولة"، من دون أن يوضح كيف سيعالج العراق احتمال تنفيذ إيران عمليات عسكرية على أراضيه دون إذن أو تنسيق، تاركاً الأمر للمحادثات مع الجانب الإيراني.
تركيا وأزمة "العمال الكردستاني"
ثمة مشكلة مماثلة كذلك مع تركيا التي تنفذ من حين إلى آخر عمليات ضدّ مواقع لـ"حزب العمال الكردستاني" في شمال العراق. وفي هذا السياق يقول وزير الخارجية العراقي: "العلاقات العراقية – التركية مهمة، لكن ثمة مشاكل. تركيا تتحدث دوماً عن وجود قوات حزب العمال الكردستاني في العراق وفي كردستان العراق. لدينا مسألة أن الدستور العراقي لا يسمح – ولا نحن نسمح كسياسيين – بأن تستغل أي منظمة الأراضي العراقية للهجوم على دول الجوار. هذه مسألة دستورية يجب أن نلتزم بها. لكن الظروف الأمنية العراقية والوضع السياسي أدت إلى دخول قوات من جهات وأحزاب مختلفة إلى الأراضي العراقية، وتركيا تستخدم وجود الـ"بي كي كي" كعذر للهجوم عليها. لكن من ناحية القانون الدولي هل لتركيا الحق في دخول الأراضي العراقية بهذه الحجة؟ هذه مسألة خلافية. لكن مع تركيا ليس لدينا بديل غير الحوار لأنها دولة جارة مهمة وصديقة، وقد بدأ هذا الحوار الذي لا يقتصر على القضايا الأمنية. التقينا هنا الرئيس (التركي رجب طيب) أردوغان وهو من أشار إلى أن العلاقات التجارية وصلت إلى عشرين مليار دولار، وسأكون صريحاً: أكثرية هذا المبلغ لمصلحة الجانب التركي، وكذلك العلاقات التجارية مع الجارة إيران بين ١٢ مليار دولار إلى ١٤ ملياراً، وأيضاً لمصلحة إيران. علينا أن نحدث التوازن في العلاقات التجارية. نحن لسنا راضين بوجود قوات حزبية مسلحة تهاجم تركيا أو إيران، لكن الوضع الأمني العراقي لا يساعد في حل هذه المشكلة عراقياً".
العلاقات مع سوريا
شهدت نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لقاءات منفصلة لوزراء خارجية عرب مع نظيرهم السوري فيصل المقداد للمرة الأولى منذ تجميد عضوية سوريا من جامعة الدول العربية في تشرين الثاني ٢٠١١، في ظل حديث متزايد عن مساع لعودة سوريا إلى مقعدها. أحد هذه اللقاءات كان بين الوزيرين العراقي والسوري، علماً أن بغداد لم تقطع علاقاتها الديبلوماسية مع دمشق، في حين انخرطت ميليشيات عراقية مسلحة في القتال داخل سوريا لمصلحة النظام. وعن هذا الملف يقول فؤاد حسين: "التقيت هنا للمرة الأولى وزير الخارجية السوري. موقف العراق واضح، نحن لم نقطع العلاقات الديبلوماسية مع سوريا، وكنا ندعو دوماً كحكومة عراقية إلى التعامل مع الوضع السوري بشكل مختلف. ونحن نرى أن الاستقرار في سوريا يعني أيضاً نوعاً من الاستقرار في العراق، لأن عصابات "داعش" تتحرك في البلدين. نحتاج إلى الاستقرار في سوريا لمصلحة السوريين أولاً، وكذلك لمصلحة العراق. لذا نحن في كل لقاءاتنا على مستوى جامعة الدول العربية واللقاءات الدولية نقول إننا نحتاج إلى طريق آخر للتعامل مع الموضوع السوري"، مؤكداً أن العراق يدعو دوماً إلى إعادة سوريا إلي مقعدها في الجامعة.
ورداً على مقولة أن بغداد دعمت النظام السوري خوفاً من انهيار النظام في العراق قال: "نحن لم ندعم النظام السوري بل ندعم الاستقرار في سوريا، لكن لا يمكن الوصول إلى الاستقرار من دون وجود ممثل الحكومة السورية في الجامعة العربية".
في ملف لبنان يكتفي حسين بالحديث عن الارتياح لتأليف الحكومة اللبنانية الجديدة ونيلها ثقة مجلس النواب، مذكراً بأن العراق "ساعد الشعب اللبناني بشتى السبل في كثير من المراحل ولا سيما عبر الاتفاق في شأن النفط والخدمات. نحن نتفاعل مع لبنان ومستعدون للتعاون مع الحكومة الجديدة لمصلحة الطرفين".
الانتخابات و"إعادة تأسيس الديموقراطية"
يشهد العراق في العاشر من تشرين الأول انتخابات نيابية وصفها الرئيس صالح في خطابه أمام الأمم المتحدة بـ"المصيرية"، ويصفها وزير الخارجية فؤاد حسين بـ"المفصلية"، والسبب لافت: "هذه الانتخابات مفصلية، وهي ليست فقط لاختيار أعضاء البرلمان بل هي انتخابات من أجل بناء الديموقراطية في العراق ومصير العراق المستقبلي. فإذا نجحنا في هذه الانتخابات وخصوصاً في مجال تعزيز النزاهة والشفافية تحت الرقابة الدولية، أستطيع القول إن النظام الديموقراطي سوف يؤسس بشكل جيد".
تتحدث عن بناء وتأسيس للنظام الديموقراطي بعد ١٨عاماً من سقوط النظام السابق؟ يجيب: "نعم. ما أتحدث عنه هو إعادة تأسيس للديموقراطية في العراق".
وكيف يمكن ضمان انتخابات نزيهة في ظل تهديدات تطال ناشطين، مما أدى إلى عزوف جهات محسوبة على "ثورة تشرين" عن المشاركة؟ يقول: "الأكثرية الساحقة من القوى السياسية مشاركة في الانتخابات، ويوجد بينها من يتحدث باسم شباب تشرين".
وماذا عن وجود قوى أقوى من الحكومة؟ يجيب وزير الخارجية: "الحكومة قوية في العراق وليس صحيحاً القول إن هناك قوى أقوى من الحكومة، لكن هناك قوى تستطيع أن تخلق مشاكل. خلق المشاكل لا يعني أنهم أقوياء".
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك