يتواصل الجدل في الجزائر بشأن الإجراءات الأخيرة للحكومة الجزائرية تجاه بعض رجال الأعمال النافذين. ولا يستبعد مراقبون أن تتحول الخلافات الحالية بين الطرفين إلى حرب كسر عظام، في ظل جدية كبيرة أبدتها الحكومة للذهاب بعيدا في تنفيذ برنامجها للفصل بين المال والسياسة.
ويقول هؤلاء بأن الحملة التي تشنها الحكومة الجزائرية تريد أن تؤكد أن المزايا التي مكنت لوبيات المال من التغول صارت من الماضي وقد تجر أصحابها إلى متاعب كبيرة بعد ثبات استحواذهم على صفقات ضخمة من الاستثمارات الحكومية والإسهام في تبديد المال العام.
وعبرت العديد من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي عن دعمهم وتأييدهم للمشروع الحكومي القاضي بإعلان الحرب على الفساد وتكثيف الرقابة والمساءلة على رجال الأعمال الذين تحولوا إلى قوة ضاغطة منذ العام 2014 وساهموا في تبديد المال العام رغم ظروف الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وتضرر الفئات الاجتماعية العريضة من سياسة التقشف.
وتصاعدت شعبية رئيس الوزراء الجزائري عبدالمجيد تبون، بشكل لافت وذلك بعد دخوله في مواجهة مباشرة مع لوبيات المال السياسي.
وعلى الرغم من الغموض الذي لا زال يلف عملية التحول في هرم السلطة والأبعاد والدلالات المحيطة به إلا أن مواقف الدعم والتأييد لم تتوقف عن حض الرجل على الذهاب إلى أبعد الحدود في الحرب على الفساد.
ويثير التحالف المعلن بين منظمة أرباب العمل بقيادة رجل الأعمال علي حداد والأمين العام لأعرق التنظيمات النقابية “الاتحاد الوطني للعمال الجزائريين” عبدالمجيد سيدي سعيد استياء الشارع الجزائري، وكشف بحسب مراقبين عن زواج مصالح مريبة بين الطرفين خاصة بعد تعبيرهما عن توافقهما على التنديد بسياسة رئيس الوزراء.
ووصف رئيس حزب الحرية والعدالة محمد سعيد أوبلعيد، اصطفاف الأمين العام للمركزية النقابية مع أرباب العمل في مواجهة رئيس الوزراء بـ ” الأمر المؤسف” و” المعيب”، بعد انحراف الرجل الأول في النقابة التاريخية إلى دعم منظمة أرباب العمل ورجال المال والأعمال بدل الدفاع عن حقوق ومصالح العمال.
وقال في البيان الذي وقّعه “لم يفاجأ حزب الحرية والعدالة بالتدهور العلني للعلاقة بين رئيس منتدى أرباب العمل ورئيس الوزراء لأن ما ورد في برنامج الحكومة الجديد الذي صادق عليه البرلمان، وخاصة الدعوة إلى الفصل بين المال والسياسة، يعد خطوة أولى إذا تجسدت في تطهير الساحة السياسية من المال الفاسد والمفسدين”.
وأضاف “من المؤسف أن يسارع أمين عام الاتحاد العام للعمال الجزائريين في البيان الذي وقّعه مع منتدى رؤساء المؤسسات إلى الوقوف إلى جانب أرباب العمل، في سابقة تكشف مدى ابتعاد هذه النقابة الرسمية عن رسالتها المتمثلة في الدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية للعمال”.
وأعرب الحزب عن مباركته للخطوات الأولى للحكومة وتشجيعها على المضي قدما لوضع حد لممارسات غير أخلاقية أصابت هيئة الدولة وأفقدت شرائح شعبية واسعة في تحسين أوضاعها بنموذج الحكومة المتبع.
ووصف الأمين العام لحركة مجتمع السلم “حمس” عبدالرزاق مقري من جهته رئيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين بـ”حارس مصالح رجال الأعمال”، واتهمه بـ”إضعاف العمل النقابي للطبقة التشغيلية لصالح أصحابه من أرباب العمل، الذين استثروا بالقروض الامتيازية بعيدا عن الشفافية والعدل والقانون والمردودية وتساوي الفرص”.
وأضاف “سيدي السعيد لم يدافع طوال سنوات تربعه على عرش الاتحاد العام للعمال الجزائريين على العمال كما يدافع اليوم على أرباب العمل، والأدهى أن هذا النقابي أنهى الطبقة الشغيلة وتحوّل إلى ‘حارس مصالح’ بعد الإسهام الفعال في تفكيك الاقتصاد الوطني وإضعاف الطبقة الشغيلة وتدمير روح العمل النقابي”.
على الرغم من الغموض الذي لا زال يلف عملية التحول في هرم السلطة والأبعاد والدلالات المحيطة به إلا أن مواقف الدعم والتأييد الشعبي لم تتوقف عن حض الرجل على الذهاب إلى أبعد الحدود في الحرب على الفساد
وذكر البرلماني والقيادي في حزب العمال اليساري رمضان تعزيبت بأن “التصريح الذي أدلى به تبون في البرلمان ظهر منذ البداية مخيفا بالنسبة إلى بعض الأشخاص الذين استفادوا من توغّل المال في مؤسسات الدولة”.
وقال “من الطبيعي لحزب العمال أو أيّ مواطن يحبّ وطنه أن يدعم إجراءات تبون في إطار التصويب، لأن سياسة التقشف التي اعتمدت قبل سنتين ليست بداعي الأزمة لكن لأن أموال الدولة قد تم السطو عليها من طرف هؤلاء عن طريق القروض غير المدفوعة ونهب العقار الصناعي وعدم دفع الضرائب”.
وتابع “إن التهديد لا يكفي ويتعين على القضاء التحرك والتحقيق حتى يتلقّى هؤلاء حسابهم، ولرد الاعتبار للدولة واستعادة هيبتها واسترجاع الأموال التي نهبت”.
وذكر رئيس المجموعة البرلمانية لجبهة القوى الاشتراكية شافع بوعيش بدوره “إن سماع أقوال رسمية ومن مسؤولين حول قيام رئيس مؤسسة أرباب العمل بنهب العقار الصناعي ورفض تسديد القروض يجعلنا نتساءل لماذا لم تتم مساءلته؟، وفي مثل هذه الحال المكان الطبيعي لهذا الرجل هو السجن وليس توجيه اعتذارات إليه”.
وأمام حدة ردود الفعل والمواقف التي أثارها التحالف غير المسبوق بين أرباب العمل والنقابة ضد رئيس الوزراء بدعوى المساس بالعقد الاجتماعي المبرم بين الأطراف الثلاثة (الحكومة، أرباب العمل، النقابة) العام 2015 عمد رموز بيان “الأوراسي” (بيان مشترك تم توقيعه الأسبوع الماضي في فندق الأوراسي بين منتدى رؤساء المؤسسات ومجموعة من الممثلين للنقابات) إلى التأكيد على التمسك بقشة بوتفليقة والاستناد إلى شرعيته للإفلات من ملاحقات رئيس الوزراء، والظهور للرأي العام بمظهر المستند إلى الدوائر النافذة للسلطة.
وتبقى ظروف إصدار بيان “الأوراسي” غامضة كونها جرت بعيدا عن عيون وسائل الإعلام، لا سيما مع الاتهامات التي طالت حداد وسيدي سعيد باللجوء إلى تزوير توقيعات الموقعين على البيان من التنظيمات المهنية لأرباب العمل، حيث عبّر كلّ من بوعلام مراكشي وفريد ملاك من اتحادي المستثمرين والمقاولين عن براءتهما من البيان مما قد يدخل الرجلين في فضيحة التزوير.
واتهمت رئيسة الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل سعيدة نغزة اجتماع مسؤولين في منتدى رؤساء المؤسسات والمركزية النقابية في فندق الأوراسي بـ “التحرك المناوئ للرئيس بوتفليقة”، وتساءلت عن تناقض البيان بين “ما أسموه بالوفاء لبوتفليقة وبين معارضة رئيس وزرائه”.
وقالت “التحرك جاء من أجل إنقاذ مصالحهم الخاصة لا أكثر”، بعدما وصفتهم بـ”عصابة علي بابا والأربعين حرامي”.
ولم تتأخر مصالح رئيس الوزراء في الرد على بيان “الأوراسي” عبر مذكرة قالت فيها بأن “تكريس مبدأ الفصل بين السلطة السياسية وسلطة المال مدرج في مخطط عمل الحكومة الذي حظي بتزكية رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء وبمصادقة البرلمان بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) بالإجماع”.
وفي تحذير مبطن استباقا لأيّ تحرك قد يقوم به موقعو بيان الأوراسي، شددت مذكرة رئاسة الوزراء على أنه “لا شيء يمكن أن يثني إرادة الحكومة التي ستظل ملتزمة بحزم بإنجاز الأهداف المسطرة في مخطط عملها تطبيقا لبرنامج رئيس الجمهورية المصدر الوحيد للشرعية”.
وتلمح مذكرة رئاسة الوزراء إلى أن لوبي رجال الأعمال وحلفائه في النقابة المركزية وبعض التنظيمات المهنية الأخرى يستند إلى جهات نافذة في السلطة تكون قد تظاهرت بكونها صاحبة الشرعية، وهو ما يعتبر تحدّ آخر أمام مخطط حكومة تبون في الفصل بين المال والسياسة وتحييد دور ونفوذ رجال المال والأعمال في مؤسسات وداخل مفاصل الدولة.
أرسل تعليقك